المصالحة الفلسطينية ومعاني عقد المجلس الوطني ...!!

بقلم: عبد الرحيم محمود جاموس

تسع سنوات مرت على أزمة الإنقسام الفلسطيني، ونتائج إنقلاب حركة حماس وإستفرادها بحكم قطاع غزة، وما جرَّ عليه من ويلات الحروب والحصار، ولم تفلح جميع الجهود الفلسطينية والعربية والدولية في إنهاء حالة الإنقسام ومحو آثار الإنقلاب، الذي يمثل حالة شاذة في التاريخ الفلسطيني، أوجدت جملة من الظروف الإستثنائية، مكنت الكيان الصهيوني، وقوى إقليمية ودولية من الإستثمار والعبث السياسي في القضية الفلسطينية، بما يعود بالضرر المحتم على الشعب الفلسطيني وقضيته، ومشروعه الوطني الذي ناضل ويناضل من أجله على مدى قرن كامل من الزمن.

إن الحوارات، والإتفاقات التي وقعت بالرعاية العربية لم تفلح في وضع حدٍ لهذا الشذوذ السياسي الذي غطى المشهد الفلسطيني، وقد أوجد حالة من الإحباط واليأس لدى الفلسطينيين من إمكانية الإنتهاء من هذه المرحلة، ونتائجها الوخيمة، إجتماعياً وسياسياً وإقتصادياً، ولا يخفى على أحد أن قوى الإنقسام ومموليه والمستغلين له، قد راهنوا على إستمرار عامل الزمن في تحقيق أغراضهم من الإنقسام، عبر تآكل الشرعيات والمؤسسات الوطنية، ما يؤدي إلى تدمير المشروع الوطني الفلسطيني، والذي ناصبوه العداء دائماً، تحت ذرائع شتى ومختلفة ومتباينة، لكنها تلتقي في هدف واحد، وهو إنهاء حلم قيام الدولة الفلسطينية الواحدة، ما يضع هذه القوى مباشرة في خندق واحد مع الكيان الصهيوني، إن الرهان على أن يستمر الوضع على ما هو عليه يؤدي إلى تآكل الشرعيات الوطنية، وفي مقدمتها مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، ممثلة في لجنتها التنفيذية، ومجلسها المركزي، ومجلسها الوطني الذي يمثل أعلى سلطة تمثيلية للشعب الفلسطيني منذ تأسيس م.ت.ف في العام 1964م، والتي نالت الإعتراف العربي والدولي كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، وقد سعت قوى الإنقسام والإنقلاب إلى إبراز قوى وتيارات سياسية جديدة مختلفة تنازع م.ت.ف ومجلسها الوطني في صلاحيتهما التمثيلية للشعب الفلسطيني، بهدف إضعاف الكل الفلسطيني، وكأنه صراع بين الفلسطينيين على أحقية التمثيل، وصولاً إلى حالة من الفوضى، تفقد الجسم السياسي الفلسطيني الشرعي القدرة على فرض مطالبه، وضياعه وضياع أهدافه الوطنية، وترك العدو الصهيوني، يواصل سياساته القمعية وإجراءاته التصفوية للقضية الفلسطينية، خطوة خطوة، وصولا إلى فرض الحلول النهائية اللاوطنية على الشعب الفلسطيني.

أمام تعقيدات هذا المشهد السياسي التراجيدي، الذي خلفه الإنقلاب والإنقسام، كان لابد من تحرك فلسطيني، يحمي الذات والإنجازات الفلسطينية، ويضع حداً لحالة التشرذم والإنقسام، وكانت البداية في حركة "فتح"، وتمثلت الخطوة الأولى في إنعقاد مؤتمرها الوطني السابع في 29 نوفمبر 2016م، الذي وقف على أسباب فشل كافة الجهود، التي بذلت لإنهاء الإنقلاب ونتائجه، وبناءً عليه فقد أوصى المؤتمر بضرورة عقد المجلس الوطني في دورة عادية في أجل لا يتجاوز ثلاثة شهور، لوضع حد لحالة الجمود والمراهنة على عامل الزمن، وبعث الروح في الحياة السياسية الفلسطينية من خلال مشاركة الكل الفلسطيني بلا إستثناء، في دورة عادية للمجلس الوطني والذي يمثل أعلى هيئة تشريعية وتمثيلية للشعب الفلسطيني، تتمثل فيه كافة الفصائل الوطنية الفلسطينية وحركتي حماس والجهاد الإسلامي، والإتحادات والمنظمات الشعبية، وعدد من الشخصيات والكفاءات الوطنية المستقلة المختلفة في الداخل الفلسطيني وفي الشتات، ليتخذ المجلس القرارات التي من شأنها أن تعالج هذا الإنقلاب ونتائجه، وأن يضع خطة خارطة طريق لإنهاء هذه الحالة الشاذة، التي فرضها الإنقلاب على الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية، ومن المنتظر أن يتخذ جملة من القرارات أهمها:

1- إنتخاب مجلس مركزي ولجنة تنفيذية جديدتين تشارك فيهما جميع القوى السياسية على أسس جبهوية لقيادة العمل الوطني من خلال مؤسسات م.ت.ف.

2- إقرار تشكيل حكومة وحدة وطنية تلتزم بالبرنامج السياسي لـ م.ت.ف، الذي سيقره المجلس الوطني في دورته القادمة، وتشرف على إجراء إنتخابات تشريعية ووطنية ورئاسية، في أجل لا يتجاوز ستة أشهر، للخروج من حالة الإنقسام والإنقلاب ونتائجهما الوخيمة.

3- إقرار البرنامج السياسي والنضالي المرحلي، الذي يكفل تحقيق الأهداف الوطنية للشعب الفلسطيني في الحرية والعودة والإستقلال، وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.

4- تحديد وتوضيح العلاقة، بين م.ت.ف ومؤسساتها والسلطة الفلسطينية ومؤسساتها، بحيث تبقى م.ت.ف ومؤسساتها هي المرجعية الأعلى والتي تستمد السلطة الفلسطينية ومؤسساتها مشروعية وجودها وفاعليتها السياسية منها، بما يكفل للجسم السياسي الفلسطيني الفاعلية والقدرة على القيام بأعبائه المنوطة به، وفق البرنامج السياسي والنضالي الذي سيقره المجلس الوطني الفلسطيني في دورته القادمة.

من هنا نعتقد أن عقد المجلس الوطني الفلسطيني لدورة عادية في القريب العاجل، يشارك فيها الجميع من فصائل م.ت.ف، وحركتي حماس والجهاد، والكفاءات الوطنية والإتحادات والمنظمات الشعبية، بات ضرورة ملحة لإنهاء الإنقسام ومحو كافة آثاره السلبية وتجلياته المختلفة.

لذا أعلن الأخ رئيس المجلس الوطني سليم الزعنون، عن دعوة اللجنة التحضيرية للإجتماع يوم العاشر من الشهر الجاري للإعداد لعقد دورة عادية للمجلس الوطني، داعياً ممثلي جميع الفصائل والقوى بما فيها حركتي حماس والجهاد للمشاركة في إجتماعات اللجنة التحضيرية، من أجل الإعداد اللازم لإنعقاد دورة عادية للمجلس الوطني الفلسطيني، وبحث معاني الزمان والمكان لإسقاط كافة الرهانات على إستثمار عامل الزمن وغيره من الرهانات التي راهنت عليها القوى المستفيدة من إستمرار حالة الإنقسام، إن الإستجابة لعقد دورة للمجلس الوطني لكي يخرج بالنتائج والقرارات المعول عليها فلسطينياً، باتت ضرورة حتمية لا تحتمل التأجيل والتسويف، بعد فشل كافة الجهود والمحاولات المختلفة السابقة لإنهاء الإنقسام ونتائجه...

 بقلم/ د. عبد الرحيم جاموس