الكهرباء والمقاومة الذكية

بقلم: أسامه الفرا

لا شيء في غزة يستحوذ على اهتمام الكل كما تفعل الكهرباء، ضيف خفيف الظل لا يلبث أن يحط عندك حتى يغادرك على عجل، عليها أن تطوف على الجميع ولا ضير أن تستريح قليلاً عند البعض فيما تكتفي بطرق باب البعض الآخر لتغادره قبل أن ينضج فنجان القهوة، وأحياناً تنسى نفسها عند البعض وتتربع كأنه محل اقامتها، يزداد تعلقنا بها آناء الليل وأطراف النهار، ونهيم بها صيفاً وشتاءاً، تأخذنا إلى عالم اليوم قبل أن تلقي بنا في جب الماضي العميق، بمجرد أن تغادرنا تتوقف مقتنياتنا عن الحركة كأنه أصابها الكساح على حين غرة، وعندما يطول غيابها تطيح بأجهزتنا الذكية أرضاً، هي الشيء الوحيد القادر على خداعنا تارة بعد الأخرى سيما عندما نجلس طويلاً في انتظار سيدة الحسن وتبخل علينا بطلتها البهية، وما أن تتأكد من هزيمتنا للنوم تأتينا متسللة كي تسرق الوقت منا، وكونها ضيفاً يحفظ ادبيات الضيافة تغادرنا قبل أن يغادرنا سباتنا.
شئنا أم أبينا هي من تقتحم أحلامنا لتبدل ما فيها من جميل إلى كوابيس، وهي من تتغلغل بأوجاعها في مكوناتنا، كأننا نمتلك القدرة على استيعاب المزيد من الحسرة، المهم انها الشاهد على عجزنا وفشلنا، كأنها تريد بلعبتها اليومية أن تذكرنا بعقم الفعل الذي أصابنا، تسخر منا ونحن نطلق شعارات نحاصر بها عواصم كان انقطاع التيار الكهربائي الأخير فيها قبل مولدنا، كم من مشهد صفعت فيه خطيباً حين عزلت مكبر الصوت عنه، وكم هي المرات التي استفز انقطاعها المفاجيء ربة المنزل لتلاحقها بسيل من اللعنات، وكم ضحكت علينا ونحن نرقبها وهي تتراقص أمامنا بين الحضور والغياب.
الكهرباء في غزة على حالها منذ سنوات، تزداد حاجة القطاع إليها سنوياً فيما ما يصله منها بقي على حاله، المثير للعجب في مسألة كهرباء غزة أننا لم نفشل فقط في حل أزمتها، بل أن مجرد التفكير الجاد في معالجة معضلتها غاب عنا، فتارة يجذبنا إليه المقترح التركي وإلى تلك السفينة التي يمكن أن تحط رحالها في عرض البحر وتمدنا بما طاب من الكهرباء، وتارة أخرى نهرول وراء البشرى القطرية دون أن نتمكن من تحديد ملامحها حيث تأخذنا أحياناً إلى محطة توليد تعتمد الطاقة البديلة وأحياناً تتمثل بالتسهيلات في إدخال الغاز الطبيعي لزيادة قدرة محطة التوليد القائمة، وأحيانا نرتد إلى الخلف طمعا في الاعتماد على خط 161 من شركة الكهرباء القطرية بدولة الاحتلال، ثم تستهوينا من جديد فكرة الربط الثماني مع الدول العربية، ما يتضح مع مرور الوقت أن جميعها ليس سوى فقاعات هواء لم ترق إلى مستوى الفكرة الجادة لوضع حد لهذه المعضلة التي تؤرق سكان القطاع وتعيدهم إلى عقود عدة من الماضي.
السؤال التجريدي الذي بات على لسان الكثير من قاطني قطاع غزة، إن لم نستطع معالجة أزمة الكهرباء في قطاع غزة رغم مرور سنوات عديدة عليها أو حتى أن نوقف تدهورها المستمر فهل باستطاعتنا أن نحرر الوطن وهل يجوز لنا التغني ببناء مؤسسات تصلح لتشييد دولة؟، وحتى المقاومة الذكية التي لم نطلع بعد على أدبياتها من المؤكد أنها غياب الكهرباء يفقدها الكثير من أدواتها، الواضح أن ازمة كهرباء غزة عرت الجميع دون استثناء، وأنها كشفت زيف المسميات القيادية التي يعج بها الوطن، لدينا فئة تحمل مسميات قيادية تتوسع طولاً وعرضاً في الوطن، سواء ما يرتبط منها ببنيان منظمة التحرير الفلسطينية أو تلك المتعلقة بمكونات السلطة الفلسطينية وصولاً إلى المساحة الرحبة لاستيعاب المزيد من القيادات في تركيبة الفصائل الفلسطينية، رغم تشبع المجتمع الفلسطيني بالقيادات إلا أن أزمة كهرباء غزة تسقط عن غالبيتها إن لم نقل عنها جميعا ورقة التوت، عجز كل هذه القيادات عن حل أزمة الكهرباء لا يجعل منها أزمة معقدة غير قابلة للحل بقدر ما يدلل على أن تعريف القيادة لدينا لا يتضمن قدرتها على تلبية احتياجات المواطن.
د. أسامه الفرا