المراقب جيداً لواقع الأجور في فلسطين، يلاحظ أن بعض الفئات العمالية أجورها منخفضة والمتدنية جداً، ومنها على سبيل المثال لا الحصر عمال النظافة، وعاملات رياض الاطفال، وعاملات السكرتاريا، وعاملات الخياطة، والمعلمين والمعلمات في المدارس الخاصة.....وغيرها من المهن، والتي معدلات الأجور فيها تتراوح ما بين 300 شيكل - 800شيقل، وهي لا تلبي أدنى متطلبات الحياة والاحتياجات الأساسية للأسرة والعيش الكريم، كما أنها تتعارض مع قرار مجلس الوزراء رقم (11) لسنة 2012م، بشأن اعتماد وتطبيق الحد الأدنى للأجور في جميع مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية، وما تبعه من قرارات تنفيذية لوزير العمل، بحيث يكون الاجر على الأقل (1450) شيكل شهريا, أو(65 ) شيكل يوميا، أو(8.5 ) شيكل لساعة العمل، والذي ما زال قيد الادراج ولم ينفذ فعلياً ؟؟!!، وهذا التجاهل لتطبيق القرار أفرغه من مضمونه ومن الهدف من تشريعه، وهو انصاف الفئات العمالية المهمشة والضعيفة، وذات الدخل المتدني، لخلق حالة من العدالة والاستقرار والامان، تساعدهم في مواجهة استغلال الأجور من بعض المشغلين الذين يستغلون الظروف والحاجة للعمل بتخفيض الأجور، في ظل ارتفاع نسب البطالة ومعدلات الفقر في فلسطين، وهنا نجد العمال والعاملات على وجه الخصوص في ظل تأنيث الفقر وانتشاره، يوافقون على تلقي أجور منخفضة ومتدنية جداً، وأحياناً لا تتعدى قيمتها 5 شواكل يومياً، وتشير الاحصائيات الرسمية بأن أكثر من 35% من العمال في فلسطين يتقاضون أجور أقل من الحد الادنى للأجور، والذي واجب تطبيقه منذ بداية عام 2013م، ضمن خطط وبرامج للتطبيق الفعلي، وإيجاد سبل ووسائل للضبط والمتابعة ومعاقبة كل مشغل لا يلتزم بالتطبيق، وهذه النسب مؤشر على استمرار استغلال العمال بالأجر وانتهاك القانون وعدم التزام فعلي بتطبيق القرار.
بعد صدور إقرار مجلس الوزراء بالحد الأدنى للأجور كان الكثيرين يعتبرونه أدنى من مستوى خط الفقر المدقع في فلسطين والذي كان مؤشراته لأسرة مكونة من خمسة أفراد 1850 شيكل شهريا، وهنا كان الجميع يلوم من وافق على القرار وأيده؛ وعند الشروع بالبدء بالتنفيذ للقرار كانت المصيبة، وغاب الداعمين والمناصرين والمساندين لحقوق العمال وتلاشت أصواتهم، وبدأت تعلو بعض الاصوات المرددة بعدم تناسبه مع الظروف الاقتصادية لبعض القطاعات، ولا تسمح قدرتها المالية والانتاجية على دفع أجور مساوية للحد الادنى للأجور بحجج ليس لها مبرر وغير موضوعية، متناسيه طبيعة الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يعيش بها العمال، والالتزامات الحياتية والمتطلبات الاساسية للعيش الكريم لهم ولأسرهم، وكأن الجميع عاد ليتنكر لهذه القضية التي كانت بالمزاد العلني في لحظة ما، والتي وفرت شعور لدي العمال في حينها ببوادر الاستقرار والامن الوظيفي، وبإمكانية تحسين أجورهم وخاصة الفئات التي تتقاضى أجور محدودة ومنخفضة ومتدنية لا ترقى لنسبة 50% من قيمة الحد الأدنى للأجور وخاصة النساء العاملات، وغاب الامل بمهب الرياح!! .....
ما زال مسلسل الاستغلال بالأجور مستمراً، ومازال العمال رغم كدهم وجهدهم وعطائهم، والتزامهم بالعمل وشروطه، لا يستطيعوا بأجورهم الشحيحة تلبية أدنى متطلبات الحياة الاساسية والفقر ينهش بهم، ويعيشون ظروف صعبة لا توصف ولا يستوعبها بشر، فأجورهم تقدر قيمتها بأقل من قيمة المساعدات المالية التي تقدمها وزارة التنمية الاجتماعية (الشئون الاجتماعية سابقاً)، للحالات والاسرة الفقيرة، وهم ممنوعين من تلقي أي مساعدات أو إعانات لانهم يصنفون على رأس عمل، وعلى سبيل المثال: موظفي وعمال النظافة الذين يعملون في شركات خاصة ضمن تعاقدات مع الحكومة أو مع مؤسسات أهلية نجدهم يتقاضون أجور متدنية تتراوح من بين 500-700 شيكل منها المواصلات والتنقل من وإلى مكان العمل، ولا يوجد أي ضوابط أو معايير لحماية هؤلاء العمال أو تطبيق قرار الحد الأدنى للأجور، سواء بالمناقصات أو بالمراقبة على التنفيذ، وكأن القضية لا تهم أحد، وحال هذه الفئات العمالية تزداد فقرا وبؤسا، ومثلهم كثيرين.
كل يوم تتعالى أصوات العمال والعاملات أصحاب الأجر المدني عبر حملات ضغط ومناصرة، محاولين ايجاد طريقة لتحسين أجورهم وربطها بقرار الحد الأدنى للأجور، ومناشدة المسئولين في محاولة لإيجاد سناريوهات جديده لحل هذه الازمة، فهي قضية ذات أولوية وأهمية عالية بين العمال والعاملات ذوى الأجور المنخفضة التي لا تحقق قيمتها أي مستوى معيشي يذكر، وذلك بهدف أن يجدوا من يساعدهم في تحسينها لمواجهة متطلبات الحياة والاحتياجات الاساسية للعيش الكريم، ومواجهة الغلاء الفاحش بالأسعار، ليستطيعوا أن يعيشوا كالأخرين ويحضوا بحياة كريمة، فالعامل الذي يتقاضى أجر لا يلبي حاجاته وحاجة أسرته تكون همومه مركبة، وفقره مؤلم وموجع، ونظرة المجتمع إليه بأنه يعمل ولديه مصدر للرزق، وبالتالي لا يستفيد من أي برامج إغاثية أو مساعدات أو دعم من أحد، فتكون عفته وصبره شكل جديد من الضغوط التي تقتل الامل والمستقبل لديه، وهذا ما يهدد استقرار وأمن والسلم المجتمعي، لذا من واجب الجميع في المنظومة الاجتماعية وخاصة ذوي العلاقة العمل بجدية لمساندته على الأقل بتطبيق الحد الأدنى للأجر وفق قرار مجلس الوزراء، ومعاقبة المشغلين غير الملتزمين وأن تكون هناك خطوات للردع ومتابعة واقع عمل تلك الفئات العمالية على وجه الخصوص وهنا نقترح الخطوات التالية:
- يجب أن تعمل الحكومة الفلسطينية على تطبيق قرار الحد الأدنى للأجور، وتكون نموذجاً للأخرين، وخاصة أنه ما زال هناك فئات تعمل على بند البطالة الدائمة تتقاضى أجور أقل من قرار الحد الادنى للأجور، وبالتحديد في وزارة الزراعة .
- ضرورة أن تراعى الحكومة ووزراتها أثناء طرح المناقصات والتعاقدات التشغيلية الصادرة عنها، وضع شروط ومعايير وضوابط تضمن الالتزام بتطبيق قرار الحد الأدنى للأجور، ومنها مناقصة وزارة الصحة الفلسطينية المتعلقة بالنظافة المطروحة لشركات النظافة في المستشفيات والعيادات والمراكز الصحية, بهدف التطبيق التدريجي لقرار مجلس الوزراء.
- ضرورة تفعيل الدور الرقابي والتنفيذي لوزارة العمل في متابعة ظروف وشروط العمل والاجور في المنشآت ومواقع العمل وخاصة التي سجل فيها انتهاك واضح لحقوق العمال والقانون.
- ضرورة استمرار الفعاليات العمالية والحملات الضغط للتأثير على الجهات ذات العلاقة لتطبيق القرار الخاص بالأجور، وصولاً لأجر كريم يكفل كرامة العامل وحياته ونفقات أسرته ومستقبلها.
أخيراً يجب ان لا تستمر هذه المعادلة الصعبة من الاجور أمام جهد العمال والعاملات والتي تنتج مزيد من الفقر، ولا تحقق نتائجها أي حياة كريمة أو استقرار، وما لا يمكن تغييره ضمن الثقافة يجب تغييره بالقانون وبسلطة الردع للمتجني على حقوق الفقراء والفئات المهمشة من العمال، ودعواتنا للنقابات العمالية والاتحادات النقابية والمؤسسات الحقوقية والجمعيات الانسانية أن تتضامن مع العمال لتحسين أجورهم وتطبيق القانون الخاص بالحد الأدنى.
بقلم/ د. سلامه أبو زعيتر