ختم نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الدكتور موسى ابو مرزوق السنه الماضيه بتغريدة في مقابلة تلفزيونية اثارت زوبعة من الانتقاد والاستهجان من قبل العديد من الفصائل والشخصيات الفلسطينيه. مساء الجمعة ٣٠ ديسمبر صرح ابو مرزوق : "إن الكونفدرالية مع الضفة الغربية أحد الحلول وأفضل من استمرار الانقسام الفلسطيني".
لا اعرف ان كان الدكتور ابو مرزوق، وهو السياسي المخضرم، قد ذكر كلمة كونفدرالية عن قصد او انه وقع في خطأ تعبيري وبدل كلمة فدرالية بكونفدراليه.. ولكن وبما ان ابو مرزوق وبعد اسبوع ونيف من تغريدته لم يعدل عما ما صرح به فاصبح هذا برهان قاطع على انه كان يقصد كلمة كنفدرالية وانه يدرك يقيناً الفرق بين المصطلحين... نعم ابو مرزوق يروج لمشروع كنفدراليه بين دولة حماستان في قطاع غزة ودولة فتحستان في الضفة الغربيه.
ردات الفعل على تصريحات الدكتور ابو مرزوق من قبل الفصائل السياسية والتعليقات في وسائل الاعلام لفتت انتباهي الا ان الدكتور ابو مرزوق ليس الوحيد في الطبقة السياسية والساحه الاعلاميه الفلسطينيه الذي يخلط الحابل بالنابل ويتلاعب بالمصطلحات السياسية العلميه اما عن جهل بالموضوع او عن رغبة في ذَر الرماد بالعيون.
في تصريحات وتحليلات البعض على تغريدة ابو مرزوق نراهم يكتبون فدرالية لكن تعليقاتهم وحججهم يقصد بها كنفدراليه والعكس ايضاً. شيطنة بعض المصطلحات والأقوال في المجتمع العربي جعل ابناء الامه العربية يتجنبون بعض هذه المصطلحات كتجنب الشيطان كلمة لا الله الا الله... وبرأيي هذه الشيطنة ووضع الحواجز امام التفكير الحر العقلاني التجديدي واستعمال مصطلحات بغير مكانها هو احد أسباب ترسخ الرجعيه والاستبداد في المشرق العربي.
منذ عشرات السنين والكل يكتب وينادي ويطالب بالوحده العربيه وهو يعني ويهدف الى الوصول الي كنفدراليه عربيه... الوحده مكوناتها وأسسها وقواعدها تختلف عن قواعد وأسس الكنفدراليه!
قبل ان اعود الى تحليل تغريدة ابو مرزوق وفهم أسباب التفوه بها الأن اود ان أُعٓرِف المصطلحين : كنفدراليه وفدراليه لنفصل الزوان عن القمح ...!
أولاً الفيدرالية : تعني الاتحاد الاختياري أي التعايش المشترك بين الشعوب والاقليات وحتى بين الشعب الواحد في أقاليم متعددة كما الحال في ألمانيا والنمسا ودوّل اخرى في العالم والاتحاد الاختياري هو أحد ممارسات حق تقرير المصير ، المنصوص عليه في العهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان وميثاق الأمم المتحدة .
إذاً الفيدرالية : تعني الاتحاد الطوعي داخل دولة سياديه بين أقاليم تجمعهم أهداف مشتركة ومصير وطني مشترك .
الفدرالية ليست حديثة العهد إنها فكرة قديمة ولكن تطبيقاتها ظهرت للوجود في العصر الحديث في عام 1787 في أمريكا وفي أستراليا عام 1901 والمكسيك عام 1917 ،وسويسرا عام 1948 وتوجد في العالم اليوم أكثر من 30 دولة إتحادية.
الضمان القوي للفدرالية وعلاقة الأقاليم ببعضها البعض وبالحكومة المركزيه هو إن الأساس الذي يقوم عليه النظام الفيدرالي هو أساس دستوري ، ولما كان الدستور هو أعلى قاعدة قانونية ( أعلى قانون ) أي يتربع على أعلى الهرم القانوني للدولة، فالحكام ونشاطهم والقواعد الناجمة عن هذه النشاطات تخضع لهذا القانون ( الدستور ) ولا يمكن للحكام في الأقاليم وبرلماناتهم الاقليميه ان تسن قوانين تتعارض مع الدستور.
ثــانــيــاً : الــكــونــفــيــدرالــيــة:
هو اتحاد بين دولتين أو أكثر من الدول ذات الاستقلال التام والسياسه التامه بعد عقد معاهدة تحدد الأهداف المشتركة التي يصبو التحالف الكونفدرالي إلى تحقيقيها ويتمتع كل عضو فيها باستقلاليته عن الأخرى وتديرها هيئات مشتركة ، تتكون من ممثلين من الدول الأعضاء لتحقيق الأهداف المشتركة وهذه الهيئة تسمى اما الجمعية العامة الكنفدراليه او المؤتمر او البرلمان الكنفدرالي وأعضائها يعبرون عن رأي الدول التي يمثلونها،وتصدر القرارات بالإجماع ، وتعتبر نافذة بعد موافقة الدول الأعضاء عليها.
إذاً الدولة الكونفدرالية تتكون باتحاد دولتين أو أكثر من الدول المستقلة ( وليست أقاليم ) لتحقيق أهداف مشتركة وذلك بموجب عقد معاهدة بينهم وتشرف على تنفيذ نصوص المعاهدة هيئات مشتركة بين الدول الأعضاء ، وتتمتع الدول الأعضاء في الاتحاد الكونفدرالي باستقلالها التام ، وترتبط ببعضها نتيجة مصالح عسكرية ، اقتصادية أو سياسة ، كما هو الحال في الاتحاد الأوربي.
ثــالــثــاً : الــفــرق بــيــن الــدولــة الــفــيــدرالــيــة والــكــونــفــيــدرالــيــة :
1. لكل دولة عضو من أعضاء الاتحاد الكونفدرالي ممارسة السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي المستقلين عن الأعضاء الاخرين.
أما أعضاء الدولة الفيدرالية فلا يحق لهم ذلك ويكون التمثيل الدبلوماسي والسياسة الخارجية من اختصاص السلطة التنفيذية في الدولة الفيدرالية (الحكومة المركزية). وكذلك الامر مع الجيش والدفاع الوطني فهمًا امر مقصوران على الحكومة المركزيه فقط
2. لدول أعضاء الدولة الكونفدرالية حق إعلان الحرب وليس بإمكان أعضاء الدولة الفيدرالية(حكومات الأقاليم) ذلك ، لأن ذلك من صلب صلاحيات الحكومة المركزية (الحكومة الفيدرالية).
3. الحرب التي تحدث بين أعضاء الدولة الكونفدرالية حرب دولية، أما الحرب التي تحدث بين أعضاء الدولة الفيدرالية فهي حرب داخلية (إهليه).
4. كل خرق للقانون الدولي من قبل أحد أعضاء الدولة الكونفدرالية يتحمل نتائجه العضو وحده وليس بقية الأعضاء والعكس هو الصحيح في الدولة الفيدرالية.
5. تشرف على الدولة الكونفدرالية هيئات مشتركة بين الدول الأعضاء ، أما في الدولة الفيدرالية الحكومة المركزية هي التي تدير الدولة وتترأس أعضائها وتقود جيشها وتسهر على مصالحه الوطنيه الكامله.
6. يحق لكل دولة عضو في الاتحاد الكونفدرالي الانسحاب متى شاءت لكونها دولة مستقلة ، أما أعضاء الدولة الفيدرالية فليس لهم الحق لأنهم يعتبرون أقاليم وجزء لا يتجزأ من الدولة الفيدرالية. ( البسك في اسبانيا افضل مثال على هذا الرباط المتين بين الأقاليم والدولة المركزيه)
7. مواطنو الدولة الكونفدرالية يتمتعون بجنسية بلدهم وليست هناك جنسية موحدة للدولة الكونفدرالية ، أما مواطنو الدولة الفيدرالية يتمتعون بجنسية الدولة الاتحادية الفيدرالية فقط.
8. في الاتحاد الكونفدرالي يتعدد رؤساء الدول بتعدد الدول ، حيث لكل دولة رئيسها،آما الدولة الفدرالية (المركزية) تتميز بوحدة رئيس الدولة وسيادة موحدة ، أي الدولة الكونفدرالية لا تعتبر دولة موحدة تضم بين جنباتها دويلات أعضاء، بعكس الدولة الفيدرالية تعتبر دولة على الصعيدين الداخلي والخارجي .
وعودة بنا الى فلسطين والدكتور ابو مرزوق وتغريدته التي لم تأتي من فراغ. الوضع السياسي الفلسطيني يسمح بمثل هذا العطاء الفكري المدمر للوحدة الوطنيه.
الحالة السياسية الفلسطينيه بوضع مأساوي. الانقلاب العسكري الذي قامت به حماس عام ٢٠٠٦ والانقسام السياسي والجغرافي والاجتماعي الذي أتى نتيجة لهذا الانقلاب واتى تجذره وترسخه وإطالة عمره لاستفادة شريحة ضيقه مهيمنه من كلا طرفي الصراع حماس وفتح من حالة الانقسام، ليس هو السبب الوحيد للوضع السياسي المزري للحالة الفلسطينيه لكنه العامل الأساسي والسبب الاكبر لتردي الأوضاع السياسية في فلسطين المحتله.
في فلسطين المحتله لا يوجد اليوم برنامج سياسي وقناعات سياسيه جامعه لعموم اطراف الطيف السياسي الفلسطيني . هذا الوضع ليس بجديد فهو يغيم على الحالة الفلسطينيه منذ خروج م ت ف من لبنان . آنذاك بدأ الشرخ في البرنامج السياسي والنضالي الفلسطيني بما سمي بجبهة الرفض وخروج فصائل من م ت ف واستمر الانقسام السياسي، رغم محاولات تداعي الانقسام والمؤتمر التوحيدي لفصائل م ت ف الذي تكلل بإعلان الاستقلال في نوفمبر عام ١٩٨٨، مع بداية الانتفاضه الاولى. آنذاك غردت حماس خارج السرب الفلسطيني وبدأت بطرح نفسها بديل عن م ت ف ورسخت المشروع الاخواني الذي كان دائماً موازي للمشروع الوطني الفلسطيني. محاولات ردع حماس وبرنامجها الانقسامي الإقصائي وضمها للصف الفلسطيني الموحد بائت بالفشل وزاد الضياع السياسي الوطني الفلسطيني بتوقيع اتفاقيات الاستسلام المسماة اتفاقيات اوسلو وتأزم الوضع بقيام السلطة الفلسطينيه التي دمرت م ت ف والمشروع الوطني الفلسطيني وأصبحت السلطه المرجعيه السياسية الاولى وأصبحت م ت ف شبح دون روح ودون تأثير. وأصبحت مؤسساتها من لجنة تنفيذيه ومجلس مركزي ومجلس وطني هلامية لا حولة لها ولا قوة.
وها نحن اليوم نقف امام ضياع وافلاس سياسي فلسطيني على كل الاصعده. الشأن الفلسطيني خرج مرة اخرى وبشكل فج من الايدي الفلسطينيه ورجعنا الى وضع يشابه ما كنا عليه قبل طرح وتبني البرنامج المرحلي كخط سياسي فلسطيني لعموم اطياف الشعب الفلسطيني. القوتين السياسيتين الكبيرتين في الساحه الفلسطينيه - حماس وفتح - أصبحت أجندتهم السياسية وقراراتهم تؤخذ في عواصم عربيه، مدعومه من اطراف عالميه، ضاربه بعرض الحائط بوحدة الصف الفلسطيني. الحالة الفلسطينيه عادت لتكون رهينة حسابات اقليميه وعربيه ضيقه بعيدة كل البعد عن طموحات الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره وبناء دولته المستقله. والطرف الثالث بالمعادلة التنظيمية الفلسطينيه - التيار اليساري الديمقراطي - لم ينجح حتى الان بقراءة الواقع الفلسطيني بوضوح كامل لاستخلاص العبر واتخاذ الخطوات اللازمه ببناء تيار جبهوي يساري ديمقراطي بديل للإسلام السياسي وبديل للتيار التقليدي المحافظ وبطرح برنامج سياسي واقعي اخذاً بعين الاعتبار للواقع الجديد الذي يعيش به ابناء شعبنا في فلسطين المحتله ووضع الشتات الفلسطيني الجديد في دول الطوق.
اليوم اصبح النضال الفلسطيني اليومي في فلسطين المحتله ونضال ابناء شعبنا المشرد بالعالم دون تغطية سياسيه. النضال بوادي والسياسه بوادي اخر لا قاسم بينهم ولا جامع لهم.
لم يعد يكفي البكاء على الاطلال والطلب بإعادة بناء م ت ف وانهاء الانقسام. هذه كلها أصبحت شعارات رنانة لا تغني عن جوع ولا تلبي طلب بغياب برنامج سياسي جديد لإخراج الحالة السياسية الفلسطينيه من طريق الاندثار الذي دخلته عام ١٩٩٣ ويزداد تأزماً يوم بعد يوم.
الفدرالية الفلسطينيه ممكن ان تكون جزء من البرنامج السياسي الجديد ان احسنا التعاطي مع هذه الفكره وهذا اللون من تقاسم السلطه لكنه ممكن ان يكون سبب للدمار ان لم ندعمه ببرنامج انتخابي عصري عموده الفقري الانتخابات لكل المؤسسات الفلسطينيه بالقانون النسبي الكامل. فقط هكذا نقفل أبواب الهيمنه والاستفراد بالسلطة الذي أوصل الحالة الفلسطينيه الى ما هي عليه الان من تشرذم وضياع للبوصلة.
رائف حسين - المانيا