الصيغة المستحيلة

بقلم: نبيل عمرو

لم يجد الفلسطينيون غير بيروت تهيئ لهم لقاءً تشاوريًا تحت عنوان "التحضير لعقد مجلس وطني"، يفترض أن يضم جميع الفصائل التي كانت تشكل فيما مضى منظمة التحرير الفلسطينية.
اجتماع بيروت يضم أطرافًا تعتنق أفكارًا وتلتزم أجنداتٍ متباينة حدّ التناقض، وإذا ما نُظر إلى الهدف المعلن لاجتماعات بيروت، وهو التوافق على عقد مجلس وطني توحيدي، فإننا نجد خلافات عميقة حول كل العناوين والتفاصيل، وهي خلافات إن وجدت حلولاً على الصعيد الشعاراتي والنظري، فإنها تبدو مستحيلة في الواقع والحسابات، التي رهن فيها كل طرف نفسه حاضرًا ومستقبلاً.
نقاط الخلاف تبدأ من بديهية المكان، فالذين يريدونه خارج القبضة الإسرائيلية، كما يقولون، ينقلونه من جديد إلى القبضة العربية، حيث لا مكان محايد تمامًا في أمر كهذا، ولو حدثت معجزة ووجدت جزيرة مثالية يعقد عليها المجلس دون تأثير من أي جهة كانت، فسينهض الخلاف على الاتجاه السياسي، حيث أوسلو بيت القصيد، فهنالك إجماع على جملة سطحية في وصف أوسلو، مفادها أن هذا الاتفاق لم يعد قائمًا، وفي حقيقة الأمر أنه لا شيء قائم بالفعل على الأرض سوى أوسلو وما بني عليه، فمن الذي جاء بالآلاف المؤلفة من قوات الأمن الفلسطينية المنتشرة على الأرض، وتقوم بمهامها في حفظ الأمن الفلسطيني وأداء مهمات التنسيق في أمور كثيرة مع إسرائيل؟!
وتجاوزًا لهذا الأمر؛ فما هو حال الحكومة الفلسطينية التي ربطت نفسها بتمويل أساسي أنتجته أوسلو، ولا أحد يعرف كيف سيكون التصرف لو أُعلن إلغاء هذا الاتفاق البائس، وحتى المجتمعون في بيروت ينتمون إلى جيش من الموظفين الذين يتقاضون مرتباتهم من الحكومة الفلسطينية التي غالبًا ما يسمونها حكومة أوسلو.
وعلى افتراض أن التحليل الذي تقدمه الفصائل، والذي يستسهل إلغاء أوسلو وإنهاء التنسيق الأمني، وتسليم مفاتيح السلطة لنتنياهو، سيجري إجماع عليه، فهل لدى الفصائل بديلٌ مجسم يقدمونه لملايين الفلسطينيين غير الاعتذار عن أوسلو والحديث عن خيار المقاومة؟
لا أملك أي مسوّغ منطقي للتفاؤل بما جرى في بيروت، من محاولة إصلاح في يومين لما أُفسد على مدى عقدين، ثم من قال إن الحاضنة العربية جاهزة لاستقبال الحالة الفلسطينية، فالأمر ليس مجرد فندق يجتمع فيه المجلس الوطني، وإنما مليارات من الدولارات تحتاج إليها الحالة الفلسطينية للبقاء على قيد الحياة، فالمسألة ليست عددًا من قادة وكوادر الفصائل بقدر ما تهم الملايين الفلسطينية، خصوصًا على أرض الوطن.
إن الفصائل الفلسطينية بحاجة لأن تفكر بواقعية أكثر، لإدارة الحالة الفلسطينية التي إن زادها الإسرائيليون تعقيدًا بحكم النكوص عن الاتفاقات التي أُمّل منها أن تؤدي إلى دولة مستقلة، فأعباء البديل عن ذلك تحتاج إلى مزيد من التفكير العقلاني الواقعي والحسابات التي تقرب الفلسطينيين من أحلامهم السياسية، وتبعدهم عن دفع أثمان باهظة لخيارات غير مدروسة.
الفلسطينيون يريدون وحدة بين جميع مكونات حركتهم الوطنية، وهذه واحدة من بديهيات الإجماع الوطني، غير أن ما نلاحظه بعد عشر سنوات من الانقسام على أرض الوطن والتشرذم في العالم العربي، أنه يجعل الفلسطينيين بحاجة إلى تفكير جديد وصيغ جديدة لمعالجة قضيتهم، فما يجري اجتراره الآن هو تجربة لما جرب طويلاً وأعني به الصيغة المستحيلة.

نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني