أزمة كهرباء غزة، السلاح الغير أخلاقي

بقلم: جبريل عودة

ملف كهرباء قطاع غزة , الصورة القبيحة للحصار الظالم ,من المُسلم به بأن الحصار المرير هو نتاج الإنقسام السياسي الفلسطيني , ويشكل للأسف سلاحاً غير لائق أخلاقياً , في معركة حزبية فلسطينية داخلية , وكأننا نحاصر أنفسنا بأنفسنا , لقد جاء الحصار كإفراز للتجربة الديمقراطية المشوهة بالتدخلات الخارجية , التي رفضت نتائجها أو التعاطي معها, ولعل كل هذا الغضب الذي يصب على رأس أهلنا في قطاع غزة , منذ عشرة سنوات حصاراً وقنابلاً وقمعاً , هو بمثابة المعركة القذرة التي تستهدف تغيير الخارطة السياسية الفلسطينية , بأساليب الإقصاء السياسي والقمع الأمني, هذه الحقائق قد يغيبها البعض عن قصد أو لدواعي الحيادية المفرطة , لذا حديثه عن ملف الكهرباء في قطاع غزة , الحقيقة الراسخة التي لا يمكن إغفالها أن الإنقسام السياسي بين قطبي الحكم في فلسطين , هو السبب المباشر لمعظم المشكلات الحياتية اليومية في قطاع غزة , والواضح للعيان بأن فريقاً من الفلسطينيين شريكاً أصيلاً في الحصار الظالم الواقع على أهل قطاع غزة , والا ما هو التفسير الدقيق للقول الفج , بأن غياب حماس عن الخارطة السياسية الفلسطينية , سوف يحل جميع الأزمات في قطاع غزة ! , فهل يا من تمتلك الحلول تعترف بلا تردد وبلا خجل , بأنك تعاقب الشعب الفلسطيني في قطاع غزة بمختلف توجهاته وتنوع أزماته , بذريعة حربك ضد خصمك السياسي في قطاع غزة , فكن على يقين بأنك لن تهزم حماس في قطاع غزة بهذا الأسلوب , كما أن حماس لن تستسلم ولو صبت عليها أزمات الكون, لذا فإن السلاح الحقيقي لمواجهة خصمك السياسي هو خدمة الجمهور الفلسطيني , والدفاع عن حقوقه , ومواجهة عدوه الأول الممثل بالإحتلال , والحفاظ على مقدساته من العبث والتدنيس, فدع عنك سلاح التضييق والحصار , وساهم بكل ما تملك من وسائل للتخفيف عن معاناة الشعب في قطاع غزة , فكما أن السلطة الفلسطينية وحركة فتح تملك برنامجها التفاوضي الذي يقدس التنسيق الأمني مع العدو الصهيوني , وتعتبر ذلك طريقاً لإنجاز الحقوق الفلسطينية و تسوق لذلك في إعلامها وعبر ناطقيها وممثليها ! , فكذلك حماس تمتلك برنامجها المقاوم الذي خاضت من أجل ترسيخه حروباً , وقدمت رؤوس قادتها السياسيين والعسكريين من أجل الدفاع عنه , وبعد الفشل في التوأمة بين البرنامجين , وعدم مقدرة السياسيين صياغة برنامج سياسي مشترك القواسم والأهداف , فلا يُعقل أن تستمر الأزمات الحياتية لأكثر من عقد من الزمن في قطاع غزة .

لا يمكن لعاقل أن ينكر محاولات حركة حماس الحثيثة , في سبيل وضع الحلول لمشكلة كهرباء قطاع غزة , عبر تقديم الكثير من العروض والضمانات بعدم تدخلها بأي شكل من الأشكال في ملف الكهرباء , وإرسالها الوساطات المحلية والدولية , بما تحمله من الحلول الجذرية والحقيقة لأزمة الكهرباء و التي تنتظر توقيع الرئيس محمود عباس , بإعتبار أن ملف الكهرباء من المشاريع السيادية التي تحتاج موافقة الرئيس مباشرة , ومنها على سبيل المثال مشروع الربط الثماني الممول من البنك الإسلامي للتنمية بقيمة 32.5 مليون دولار , ومشروع محطة توليد الكهرباء في رفح المصرية , وخط الغاز المباشر لمحطة توليد الكهرباء في غزة المول من الحكومة التركية ويشكل بديلاً عن السولار الصناعي , وخط كهرباء 161 القادم من مدينة عسقلان المحتلة, فلماذا لا يتم تنفيذ تلك المشاريع عبر مؤسسة الرئاسة الفلسطينية وبإشراف مباشر بالتنسيق من سلطة الطاقة وشركة توزيع الكهرباء في قطاع غزة , ولتكن غايتكم في ذلك التخفيف والحد من المعاناة التي يقاسيها أهالي قطاع غزة وإعلام الجمهور بذلك , و بالإمكان أيضا تنفيذ تلك المشاريع عبر الإتحاد الأوربي , حيث أن للإتحاد الأوربي العديد من المشاريع في قطاع غزة , والتي يشرف عليها بشكل مباشر عبر مؤسساتها المتخصصة , أم أن هناك من يريد إشغال قطاع غزة كقلعة للمقاومة الفلسطينية في أزماته الحياتية ؟! .

ملف الكهرباء في قطاع غزة , يجب أن يخرج من جعبة الخصوم السياسيين , لأنه من المعيب إستخدام معاناة المواطنين سلاحاً , أو وسيلة تحريض على المقاومة ووسائلها القتالية , كما بدى واضحاً في أداء تلفزيون فلسطين التابع للسلطة , والذي حرض مستخدما معاناة المواطنين بشكل واضح على أنفاق المقاومة التي أرعبت ولازالت جيش الإحتلال , وهو أسلوب مرفوض وغير أخلاقي , رفضه مجمل أبناء شعبنا الفلسطيني , بمن فيهم الضيوف الذين ظهروا في البرنامج المسجل على تلفزيون فلسطين , والذي تناول أزمة الكهرباء بأسلوب تحريض بعيداً عن المهنية بهدف تعزيز الإنقسام وتعميقه , فلماذا لم تتم مناقشة الموضوع بطريقة إيجابية عبر البحث عن الحلول الضرورية من أجل إنهاء الأزمة بشكل كامل ؟! .

في إعتقادي بأن أزمة الكهرباء ومشاكلها المتراكمة , ستتواصل مع تواصل فصول الإنقسام البغيض , ولعدم وجود إرادة سياسية جادة لإنهاء الإنقسام على قاعدة الشراكة الحقيقية , فإن المطلوب هو تحييد ملف الكهرباء عن تعقيدات الإنقسام وأدواته القذرة , وهذا يتطلب جهود كبيرة ومحاولات حثيثة من الفصائل والأحزاب الفلسطينية , ومؤسسات المجتمع المدني , ورجال الأعمال والتجار وهيئاتهم النقابية , للضغط على السلطة ومؤسسة الرئاسة بتبني ملف كهرباء قطاع غزة , وإلزامهم بعدم وضع العراقيل أمام إنهاء الأزمة , أو العمل على تأسيس شركة كهرباء جديدة منافسة , من مؤسسات وهيئات المجتمع المدني المتعدة , لتكون بمثابة مشروعاً خاصاً له حرية الحركة والعمل مع كافة الأطراف والجهات المعنية , وبإمكانها أن تعمل بشكل سلس بعيداً عن تأثيرات الإنقسام الحاد , بما يضمن توفير خدمة كهرباء لائقة للجمهور في قطاع غزة .

بقلم/ جبريل عوده