هل تنجح باريس في انقاذ حل الدولتين ؟

بقلم: هاني العقاد

المؤتمر الدولي للسلام الذي اجلته باريس الشهر الماضي وانطلقت اعماله يأتي دون جلبة اعلامية كبيرة وهدوء كبير قياسا مع اهمية المؤتمر بحضور سبعين دولة وخمس منظمات دولية منها الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الاسلامي والاتحاد الافريقي ,وفي اعتقادي ان هذه تعتبر اكبر تظاهرة دولية منظمة الاهداف والاليات من اجل انقاذ حل الدولتين الذي تحاول اسرائيل منذ تولي نتنياهو الحكم القضاء عليه وجعله امرا مستحيلا بفعل فرض سياسة الامر الواقع الاستيطانية التهويدية التي تعمد الى فصل المحافظات الفلسطينية عن بعضها بالمستوطنات وتهويد مدينة القدس العربية وطرد الفلسطينيين منها , ومع انعقاد هذا المؤتمر باتت هنا في الشارع الفلسطيني ولدي المراقبين المحلين والدوليين سؤلا كبيرا حل تمكن فرنسا من انقاذ حل الدولتين ؟

اسرائيل لن تحضر المؤتمر ولا حتى الاجتماع الكبير بين فرانسوا هولاند والرئيس ابوما زن بعد انتهاء المؤتمر مباشرة ولن تنتظر نتائج المؤتمر , ليس فقط بل انها تسعي جاهدة مع حلفائها لان يخرج المؤتمر بتوصيات لا تتعدي حبر على ورق تضاف الى هذا الكم الكبير من الاوراق التي تتحدث عن ضرورة حل الصراع على اساس حل الدولتين, اما الفلسطينيين فيعلقوا اكبر الآمال على ان تنجح فرنسا في انقاذ حل الدولتين عبر قرارات عملية يصادق عليها المجتمع الدولي وتكون ملزمة للطرفين ينتهي على اثرها الاحتلال وتقام الدولة الفلسطينية , بالرغم من ان المؤتمر سوف يركز على اسس ومرجعيات دولية لحل الصراع باعتبار ان اخر قرار دولي هام يمكن ان ينقذ حل الدولتين وهو قرار مجلس الامن 2334 , وسيدعو كافة الدول الاعضاء بالمؤتمر الى ضرورة التميز بين الارض التي تقام عليها دولة اسرائيل والارض المحتلة من قبل اسرائيل لكن لا فائدة من كل هذا بلا خطوات عمليه على الارض لإنهاء الاحتلال والاستبطان .

في اسرائيل مات حل الدولتين والامل ضعيف في احيائه وخاصة بعد قدوم ترامب ومساندته للاحتلال والاستيطان وتبنيه الحل الاسرائيلي ,ولا يمكن ان تسمح اسرائيل باي شكل كان بتطبيقه على الارض لان الحل الوحيد الذي تراه اسرائيل هو دولة في غزة وحكم ذاتي في الضفة لا اكثر ولا اقل , اذن المجتمع الدولي يريد حل الدولتين واسرائيل تريد حل اخر لا يرتقي لدوله كاملة السيادة على حدود العام 1967 رفضه الفلسطينيين منذ زمن ومازالوا يرفضوه ,مؤتمر فرنسا اليوم سيطالب الطرفين بالاعتراف بحل الدولتين كحل وحيد للصراع والشروع بالمفاوضات على اساس ذلك لإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وهذا جيد لكن المطالبة لابد وان تترافق مع اجراء عقابي لمن يستنكف عن هذا القرار الدولي , لعلي اخش ان تبني فرنسا حل الدولتين على الموازنة بين احتياجات اسرائيل الامنية وبين حق الفلسطينيين في دولة ذات سيادة وبين انهاء الاحتلال وبالطبع هذا يعني انه لا دولة حرة مستقلة في القريب العاجل بل يعني ان المؤتمر سوف يضع بالحسبان بعض متطلبات الحل بإبقاء بعض المناطق الفلسطينية تحت السيطرة الاسرائيلية بسبب تواجد المستوطنين فيها , وسيقترح بالطبع تبادل نسب كبيرة للأراضي بين الطرفين على اساس نتيجة لذلك , وسوف يعتمد المؤتمر مجموعة من المحفزات الاقتصادية سيقودها الاتحاد الاوروبي عبر شراكة خاصة تتلخص في مشاركة الاتحاد في بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية .

يمكن لفرنسا ان تنقذ حل الدولتين من الانهيار التام وتغلق كافة الطرق امام اسرائيل بالتفرد في تغير الخارطة الجغرافية للأرض المحتلة اذا ما اقر المؤتمر تنظيف الارض الفلسطينية عام 1967 من الاحتلال والاستيطان , واقر في سبيل تحقيق ذلك مجموعة من التدابير الدولية للضغط على اسرائيل ومعاملتها كدولة خارج القانون اذا ما استمرت في التنكر للإرادة الدولية ورغبتها في انهاء هذا الاحتلال , وايضا تستطيع انقاذ حل الدولتين من خلال مطالبة كافة الدول الاعضاء في المؤتمر بالاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود العام 1967 وعاصمتها القدس واقرار تلك الدول باستقلالية الدولة الفلسطينية وحق العودة وازالة كافة المستوطنات من اراضي هذه الدولة ., اما اذا خرج المؤتمر بمجموعة من المقترحات واللجان لتوظيف كل ما هو متاح لتحقيق حل الدولتين في اي فرصة مناسبة او متى وافقت اسرائيل والولايات المتحدة على ذلك فان فرنسا لن تستطيع انقاذ حل الدولتين وسيدخل الصراع مرحلة جديدة ودائرة جديدة من المواجهة الكبيرة .

سينتهي المؤتمر ويعلن البيان الختامي وسترفض اسرائيل التجاوب مع المساعي الدولية لإنهاء الصراع وانهاء الاحتلال حتى لو جاءت بعض مخرجات المؤتمر لصالح اسرائيل, وهذا يعني ان العالم ومعه فرنسا في طريقهم الى مواجهة جديدة مع اسرائيل تلزم اتخاذ خطوات ضاغطة تجبرها على القبول بإنهاء الاحتلال و تطبيق حل الدولتين او ان العام امام جولة جديدة من المفاوضات السرية والعلنية تبني على اساس صفقات ترضية تدفع فيها الاموال والامتيازات الامنية والسياسية والاقتصادية لمحاولة اقناع اسرائيل واسترضائها لتقبل بحل الدولتين , وهنا ستأخذ القضية زمنا اخر وتأتي اجيال جديدة لتعيش المعاناة والاحتلال وتذهب اجيال عاشت المعاناة كان املها ان تري السلام يتحقق وتعيشه في الواقع وتتساوي حقوقها مع باقي شعوب العالم .

بقلم/ د. هاني العقاد