اقترب مسلسل الردح الفلسطيني من اتمام سنته العاشرة، وعلى خلاف المسلسلات التلفزيونية التي تحرص على تقديم حلقة واحدة يومياً فإن حلقات مسلسل الردح لدينا تبث على الهواء مباشرة على مدار الساعة ولا نترك مناسبة إلا ونستحضر بعض مشاهده، رغم معرفة أبطال المسلسل ان السيناريو بات مملاً وأنه تكرار لذات الاسطوانة المشروخة وأنه لم يعد يحظى بالحد الأدنى من المشاهدة بل بات محل نقد ساخر، إلا أنه لا يلوح في الأفق ما يبشر بنهاية له تخرج المشاهد من حالة الاحباط التي تتملكه، ليس ثمة ما هو أسهل من أن يعفي البعض نفسه من المسؤولية عن الأزمات التي يعاني منها شعبنا وأن يحمل وزرها للطرف الآخر وكفي الله المؤمنين القتال.
اعتدنا في السابق أن نحمل الاحتلال المسؤولية الكاملة عن معاناتنا، وفي ذلك حقيقة دامغة لا يمكن لأحد إنكارها، حتى تلك الأزمات التي تبدو ظاهرياً لا علاقة للاحتلال بها لو أمعنا النظر فيها لوجدنا أن مسبباتها ترتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بالاحتلال وممارساته، والاحتلال لم يكن يوماً ما معنياً بتخفيف المشاكل التي نعاني منها والتي هو سبباً جوهرياً فيها باستثناء تلك التي يشعر أن تفاقهما تهدد أمنه، وإن كان الاحتلال يعمل جاهداً على تصدير الأزمات إلينا فواجبنا يحتم علينا محاصرتها وإيجاد الحلول الخلاقة لتجاوزها وعدم الاكتفاء بتحميله المسؤولية عنها، الواضح أن الكثير من الأزمات التي نعاني منها حالياً نعفي الاحتلال من مسؤوليته عنها وندخلها أتون المناكفة فيما بيننا ونجعل منها مادة يسجل كل منا نقاطاً على خصمه السياسي دون أن ندرك أن الضربات في حلبة المناكفة والردح تصيب جسد الوطن وتثخنه بالمزيد من الجراح.
ليست وحدها أزمة الكهرباء هي التي تحتاج منا جميعاً التوقف حيالها، بل جملة من الأزمات والمشاكل التي يعاني منها مجتمعنا بحاجة لقراءة جادة ومسؤولة لها ووضع الحلول لها طبق الامكانات المتاحة بعيداً عن فلسفة تحميل المسؤولية لهذا الطرف أو ذاك، فعلى مدار سنوات عدة لم تنتج لنا تلك الفلسفة سوى المزيد من المعاناة لشعبنا في الوقت الذي ازدادت فيها الازمات تعقيداً، أزمة الكهرباء تشكل مثالاً لحالة العقم التي وصلنا اليها، سيما وأن الأزمة ليست وليدة اللحظة بل يمتد عمرها لسنوات طويلة وتزداد تعقيداً بفعل اتساع الفجوة بين المتوفر والمطلوب، يمكن لحركة حماس أن تواصل اتهام الحكومة بالمسؤولية عن أزمة الكهرباء وأن تستحضر ضريبة البلو وخلافها في لائحة اتهامها، ويمكن للحكومة أن تصيغ هي الاخرى لائحة اتهامها لحركة حماس معتمدة على لغة الأرقام المتعلقة بالجباية وبما تتحمله الحكومة، سئم المواطن هذا الاسلوب ولم يعد قادراً على احتمال الاستخفاف بهمومه ومعاناته، ولا يعنيه تحديد المسؤولية بقدر ما يتطلع لمعالجة جادة لاحتياجاته الأساسية.
في خضم الاتهامات المتبادلة غابت الرؤية الجادة لوضع حل جذري لأزمة الكهرباء في القطاع، وبتنا نبحث عن حلول ترقيعية في ثوبها البالي، والجميع منا يعلم أن تلك الحلول الترقيعية لم تعد تجدي نفعاً فكل ما يمكن أن تفعله أن تعدل قليلاً في جدول الفصل لا يلبث هذا التعديل أن يلفظ أنفاسه مع الزيادة الطبيعة في استهلاك الكهرباء، ودون أن يكون هناك قراءة جادة ومنطقية للأزمة واستعراض الخيارات المتعددة التي يمكن لنا بها تجاوز الأزمة آخذين بعين الاعتبار قدرتنا على تنفيذ أي منها من جهة وجدواها الاقتصادية من جهة ثانية، سنبقى نراوح مكاننا وتزداد الأزمة استفحالاً، المواطن يريد عنباً ولا شيء سواه بعد أن ضجر من الشعارات والاتهامات المتبادلة التي لم تجلب له سوى المزيد من المعاناة.
د. أسامه الفرا