اقف امام شرب فنجان قهوة ، ولم اعرف الإجابة، لأنني لا اتقن المسايرة والمجاملة، ولأن المناضلون الذين يحملون أكثر الصفات من الاستقامة والترفع فوق الموقف ،والتهرب من الانتهازية ، فهم أصحاب الموقف.
أدركت منذ انتمائي للعمل النضالي بأن لا افقد البوصلة بسبب حساسيات شخصية، ولا مزاج ولا غضب ولا كسل ولا غيره ولا حسد ولا طمع ولا حب الزعامة ، وان ما اقوم به هو اقل الواجب ، بلا مقابل ، وعندما اكتب موقف دون مجاملات.
اما أولئك الذين يشغلون زوايا خاب أملهم فقط، لاننا نحن نحمل هموم الدنيا وفلسطين ، نشرب سيجارة طعمها مر المذاق ، مع فنجان قهوة ، ونكتب حكاية، نتأمل هذا الزمان ونتأمل من نحب.
من الصعب أن نلخص مسيرة في زاوية، لأن ما يتعرض له شعبي الذي يناضل من أجل استحقاق وطن،هو بحاجة الى نضال متواصل لقد جرى الكثير في التطورات التي تحيطنا، وليس لنا الا أن ننظر ان الحرية هي لب القضية ، فالاحتلال يجرد الناس مما لديهم ، بينما يخرج بطل من شباب وشابات فلسطين ليرسم خارطة فلسطين من أجل صراع البقاء.
ان الشعب المناضل لا يريد الكلام بل يؤمن بمن يساعده عند الحاجة ليخفف عنه متاعب الحياة اليومية , إضافة إلى ذلك فهناك نوع من الإستعلاء تمارسه النخبة ،وأهملت ما يعانيه الشعب، لذلك نقول ان الفعل السياسي اليومي يتطلّب نفسا طويلا , لأن السياسة تدار في المواقع الشعبية وليس في الصالونات الفخمة .
في هذه الزاوية أحاول ازالة سوء فهم والتباس في نمط الفهم السائد ،رغم أن المأساة كبيرة جدا، فنحن نريد ان يرى العالم مدى المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني يسجلها التاريخ في صفحات من نور.
ان عجز القوى التي تتدعي حرصها على الشعب يجب ان تخرج من أزمات وأمراض وسلبيات وقصورات خطيرة تطال البنى التنظيمية، والعمل على تقديم البديل الوطني الديمقراطي المطلوب.
الشعب الفلسطيني صاحب تجربة تاريخية رائعة في الربط بين الماضي والحاضر، فلم يقطع هذا الشعب علاقته بماضيه، حتى لو كان تحت الاحتلال الاستمعاري الصهيوني، فهو ينجح في استخلاص ما يريد ، ويكتسب منها ما يريد من دون تأثير سلبي في هويته وحضارته وثقافته، وموروثه الثقافي من ناحية وبين التجارب التي عبرت عليه .
جوابي بوضوح ...لا كبيرة وحاسمة..فلن تتحقق حرية شعبنا واستقلاله الا من خلال انسان فلسطيني عزيز يميز بين الحرية والديمقراطية ويناضل من اجلهما معلنا رفضه لكل اجهزة وممارسات الاستعباد والقهر السياسي والاجتماعي والطبقي ، يملك كامل حريته الشخصية والعامة معتدا بكرامته وقدرته على التعبير عن رأيه ومعتقداته الوطنية والمجتمعية، فالتحرر
الحقيقي من الاحتلال لن يتحقق الا من خلال الانسان الحر ، ذلك ان الرجل الذليل المهين - كما يقول بحق عميد الادب العربي طه حسين - لا يستطيع ان ينتج الا ذلا وهوانا ولن يحقق حرية واستقلالا.....
لكن الحقيقة الساطعة التي تعمي ابصار وبصيرة كل من يمارس الاستبداد والقهر ضد ابناء الشعب الفلسطيني ومناضليه ، بعيدا عن ابسط معاني الديمقراطية شكلا وجوهرا ، بحيث يبدو أن معاناة وتضحيات وصمود الشعب الفلسطيني في مجابهة العدو الصهيوني وممارساته التي فاقت في بشاعتها كل أساليب النازية وعنصريتها وهمجيتها ، وصموده في مجابهة الحصار والإفقار والبطالة وكل أشكال ومظاهر المعاناة الاجتماعية والاقتصادية والنفسية وكل عوامل الإحباط واليأس، حيث نرى أدوات ومفاهيم التخلف والاستبداد والقهر وقمع الحريات ، اذ لا معنىً ولا قيمةً أو مصداقية لأي نضال ٍوطني سياسي أو كفاحي في ظل وأد الديمقراطية وحرية الرأي ، وفي ظل استمرار القمع والاستبداد والاعتقال وتكميم الافواه.
وفي كل الاحوال نقول ان ما يجري في غزة لم يرهب ارادة الجماهير ولن تنال من عزيمتهم، كما ان ما تمارسه قوى تدعي الديمقراطية في صفوفها لتكميم افواه المناضلين الذين حملوا القضية على اكتفافهم لن تنجح ، فنحن نعتبر كل ساحات النضال هي مكملة لبعضها البعض .
ان شابات وشباب فلسطين رسموا بالدم – آلاف المرات – خارطة الوطن عبر نضاله وتضحياتهم ضد العدو الصهيوني من أجل الحرية والاستقلال وحق العودة فهذا شعب عظيم قادر مهما طال الزمن على مجابهة قوى الظلم والاضطهاد من ابناء جلدته لانه شعب حر عزيز قادر على تحقيق اهدافه الوطنية والديمقراطية.
ختاما : نشرب القهوة لانني لا اريد ان اتحدث في الكثير من الجوانب ولكن ما يهمني هو شحن الطاقات والهمم لتحقيق مزيد من الانجازات التي نتمناها جميعاً.
بقلم/ عباس الجمعة