إن المتبع لسلوكيات المجتمعات منذ نشأتها في العصور القديمة مروراً بالعصور الوسطى انتهاء بالعصر الحديث، يستنتج بأن العامل الأساسي والمنظم لبقائها واستمراريتها هي الأخلاق على اعتبارها شكل من أشكال الوعي الإنساني يقوم على ضبط وتنظيم سلوك الإنسان في كافة مجالات الحياة الاجتماعية بدون استثناء في المنزل مع الأسرة وفي التعامل مع الناس, في العمل وفي السياسة, في العلم وفي الأمكنة العامة.
والدين وضع أساساً لتنظيم حياة الإنسان وعلاقته مع الناس وعلاقته مع نفسه, ومن جملة هذه العلاقات تتكون الأخلاق والقيم الإنسانية, حسب القاعدة العامة التي يستوحيها الإنسان من خلال تاريخ الإرث الإنساني والاجتماعي بشكل عام ومن القاعدة العامة التي يستوحيها الفاعل الأخلاقي.
ومنذ القدم يسعى الشعب العربي الفلسطيني كباقي الشعوب لان يكون له قيماً ومبادئ يعتز بها, ويعمل على استمرارها وتعديلها بما يوافق المستجدات ويتم تلقينها وتدريسها وتعليمها وينبغي عرفياً وقانونياً عدم تجاوزها أو اختراقها .
فالأخلاق التي نتحدث عنها هي دراسة وتقييم السلوك الإنساني على ضوء القواعد الأخلاقية التي تضع معايير للسلوك, يضعها الإنسان لنفسه أو يعتبرها التزامات وواجبات تتم بداخلها أعماله أو هي محاولة لإزالة البعد المعنوي لعلم الأخلاق, وجعله عنصراً مكيفاً, أي أن الأخلاق هي محاولة التطبيق العلمي, والواقعي للمعاني.
فكلمة أخلاقيات تعني وثيقة تحدد المعايير الأخلاقية والسلوكية المهنية المطلوب أن يتبعها أفراد جمعية مهنية. ومن هنا تختلف المسؤولية القانونية عن المسؤولية الأخلاقية باختلاف إبعادها, فالمسؤولية القانونية تتحد بتشريعات تكون أمام شخص أو قانون, لكن المسؤولية الأخلاقية فهي أوسع واشمل من دائرة القانون لأنها تتعلق بعلاقة الإنسان بخالقه وبنفسه وبغيره, فهي مسؤولية ذاتيه أمام الله والضمير.
والإنسان منذ قدم التاريخ وأدواره كان له تقييم ثابت وواضح من بعض الصفات مثل الكذب والنفاق و السرقة والغش وما إلى ذلك من صفات رفضها الإنسان بفطرته السليمة, وهذا يوضح أن للإنسان نزعة أخلاقية فطر عليها لا تتغير ولا تتبدل بمرور الزمن. فموقف الناس من الشجاعة والصبر والأمانة والعفة في القديم هو نفس موقفها الآن وسيبقى كما هو مستقيلا, والمجتمعات الإنسانية على مر العصور قامت بحماية نفسها والحفاظ على كيانها ممن يحاولون المساس بالمجتمع وكيانه وذلك عن طريق وضع قوانين صارمة يسير عليها الناس داخل المجتمع لتكون هذه القوانين معيارا لهم في تصرفاتهم وأفعالهم. والنزعة الأخلاقية في المجتمع الفلسطيني على سبيل الذكر لا الحصر شديدة الارتباط بالنزعة الدينية عند الإنسان الفلسطيني, فلا دين بدون أخلاق ولا أخلاق بدون دين فالتلازم بينهما ضروري لان كل منهما يكمل الآخر لقول الرسول محمد (صلعم) "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق", فكأنما الدين الأخلاق.
ودراسة الأخلاق تنقسم إلى :
- الفلسفة الأخلاقية وهي الدراسة التي تهتم بوضع قوانين السلوك الإنساني.
- علم الأخلاق وهو الذي يدرس الظواهر السلوكية الموجودة في المجتمع من العادات الأخلاقية.
والأخلاق في مجتمعنا الفلسطيني هي قواعد راسخة لا تغير بتغير الزمان والمكان فالسرقة يحرمها الشرع في أي زمان وأي مكان وعقوبتها ثابتة لا تتغير أيضا, وهذا هو موقف الدين من كثير من القضايا مثل الكذب والزنا وغيرها .
وعلى ضوء ما ذكر أعلاه فالتربية الأخلاقية التي نسعى إليها في المجتمع الفلسطيني هي المقياس الصادق الذي تقاس به خطوات شعبنا الفلسطيني, بل هي الأساس المتين الذي تبنى عليه عظمة شعبنا, فما ارتقت أمة في العالم القديم أو الحديث إلا وكان بسبب ذلك سمو أخلاق أفرادها وقناعتهم واقتصادهم وحبهم الناس محبتهم أنفسهم, ولإخلاصهم في العمل لوطنهم وانتشار روح النشاط والإقدام بينهم, وبعدهم من الفخر والرياء, والدسائس والفتن ونفورهم من الانقسام والمخاصمة.
لذا, في ذلك يقول مارتن لوثر: ليست سعادة الدول بوفرة إيرادها, ولا بقوة حصونها, ولا بجمال مبانيها, وإنما سعادتها بكثرة المهذبين من أبنائها أو على مقدار الرجال ذوي التربية والأخلاق فيها .
بقلم/ د.حنا عيسى