“يعد الصحفيون الذين يباشرون مهمات مدنية خطرة في مناطق النزاعات المسلحة أشخاصاً مدنيين…..يجب حمايتهم بهذه الصفة بمقتضى أحكام الاتفاقيات وهذا البروتوكول شريطة ألا يقوموا بأي عمل يسيء إلى وضعهم كأشخاص مدنيين.”
(المادة 79 من البروتوكول الأول الإضافي لاتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب للعام 1949)
إنها الاعتداءات التي لا تنتهي على الصحفيين والمؤسسات الإعلامية في فلسطين المحتلة والتي تشكل عنصراً بارزاً في سياق جرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة التي تواصل قوات الاحتلال اقترافها بحق المدنيين ، ورغم أنهم يتمتعون بحصانة خاصة ضمنها لهم القانون الدولي الإنساني، ما يزال الصحفيون هدفاً لرصاص وإجراءات قوات الاحتلال التعسفية وعرضة لأساليب القمع والتنكيل والمعاملة المهينة التي تحط من الكرامة الانسانية. ولا يمكن تفسير هذه الاعتداءات إلا تغطيه على جرائمها ضد المدنيين الفلسطينيين وممتلكاتهم، ولفرض العزلة الإعلامية على الأراضي الفلسطينية المحتلة و مما لا يدع مجال للشك أن هناك علاقة وثيقة موجودة بين وسائل الإعلام وبين المجتمع بحيث لا يمكننا أن نتخيل مجتمعاً بلا وسائل الإعلام ولا وسائل الإعلام بدون مجتمع فكلاهما مرتبط بالآخر لذلك يعد الإعلام في العالم اليوم أحد أشد أسلحة الكفاح والنضال حضوراً وتأثيراً في يد الشعوب المقهورة والمحتلة ، وكما يعتبر السلاح الأشد فتكاً في أيدي الأعداء والمتربصين بأمتنا ومجتمعنا .
لذلك يعدصياغة وتشكيل الرأي العام في مجتمعاتنا من الأدوار الرئيسة التي تقوم بها وسائل الإعلام، ويتضاعف ذلك مع التطورات النوعية المتزايدة في مجالات تقنية الاتصالات ( الفيس بوك – توتير – يوتيوب وغيرها) ، والتي منحت وسائل الإعلام زخماً وقدرات هائلة في التأثير على صناع القرار، الأمر الذي جعل من وسائل الإعلام من العوامل الهامة والمؤثرة في صناعة القرار حيث إن المجتمع الفلسطيني تعامل مع وسائل الإعلام منذ عشرات السنين، وهو اليوم يملك صحفاً يومية وأسبوعية متعددة الاتجاهات والسياسات، وإذاعات ومحطات تلفزيونية خاصة وعامة، ومحطات فضائية، ووكالات أنباء وطنية ومواقع الكترونية وصفحات اخبارية على وسائل التواصل الاجتماعي حيث اصبح كل الصفحات الشخصية أيضاً تشلرك في نقل الخبر ، وهناك العديد من المؤسسات الإعلامية كوزارة الإعلام وهيئة الاستعلامات ونقابة للصحفيين وأقساماً أكاديمية للصحافة والإعلام في أغلب الجامعات وقانوناً للطبع والنشر أقر من شأن تطبيقه أن ينظم الحالة الإعلامية العامة..وكادراً إعلامياً متنوعاً .
وأود السؤال هنا: أين موقع إعلامنا من معركتنا مع العدو الاسرائيلي ؟ وهل أدركنا نحن الفلسطينيين خطورة الإعلام وبنينا مواقف وسياسات على هذا الإدراك لمواجهة آلة الحرب الإعلامية الاسرائيلية ؟
دور الإعلام في قلب الحقائق لصالح الكيان الاسرائيلي لدى الدول الغربية:
وهنا يلعب سلاح الإعلام دوراً هاماً في دائرة الصراع مع الاحتلال الاسرائيلي في ظل استمرار اعتداءاته المتكررة على أبناء الشعب الفلسطيني، وارتكابه لمجازر الحرب باستخدام الأسلحة الفتاكة والمحرمة دولياً التي يغض الطرف عنها المجتمع الدولي. فقد كانت الشعوب العربية تعاني من سيطرة الإعلام الاسرائيلي طويلاً على الإعلام العالمي، ، محاولة بذلك القضاء على الوعي والإدراك النفسي العربي وتغير المفاهيم لشعوبنا العربية والاسلامية .
وقد نجحت سلطات الاحتلال بحد ما في حربها الإعلامية ، فتشويه الحقائق الذي بلغته القضية الفلسطينية من خلال المعلومات المضللة التي تقلب الرأي العام ، فقد أشارت إحدى الدراسات الأمريكية إلى أن 60% من سكان الولايات المتحدة يعتقدون أن الفلسطينيين هم الذين يحتلون "إسرائيل"، وأن كل فلسطيني هو بالضرورة (إرهابي) حتى يثبت العكس! وهنا استطاعت وسائل الإعلام الاسرائيلية والغربية في قلب الحقائق، وقدمت المجرم الاسرائيلي على أنه الضحية، وأظهرت الفلسطيني على أنه المجرم والجاني .
و أيضا أضيف لك عزيزي القارىء بأن المجلس الإسلامي البريطاني أيضاً أجرى دراسة في "مانشستر" أشارت إلى أن 43% من الشعب البريطاني يَكرهون المُسلمين والإسلام ويَملكون شعورا سلبيا تجاه المسلمين، وأحد الأسباب الرئيسية لهذه المَشاعر البريطانية السَلبية يعود للهجمة الإعلامية الشرسة من الغرب، ولتَغطية وسائل الإعلام البريطانية التي تُصر على إعطاء فُسحات واسعة للأخبار العنصرية ضد العرب والمسلمين البريطانيين.
دعم الإعلام الفلسطيني لكفاح ونضال شعبنا :
إن أبرز ما قدمته وسائل الإعلام الفلسطينية بشكل عام لنضال لشعبنا ولفضح ممارسات الاحتلال حيث أنها شكلت جيشاً في الميدان الإعلامي بالأقلام والكاميرات وكاميرات الجوال وتمكنت بشكل عام بأن تكون داعماً قوياً لأعدل قضية عرفها التاريخ وأبرز الأمور التي حققها الإعلام الفلسطيني من خلال فضح ممارسات الاحتلال الاسرائيلي ضد شعبنا الأعزل وتعبئة الرأي العام العربي والعالمي تجاه قضيتنا الفلسطينية و استخدام الاعلام الالكتروني في الحرب الإعلامية المستعرة ضد أبناء شعبنا الفلسطيني ، وقد وفر الإعلام الجديد أدوات ومساحات كبيرة للإعلاميين والصحفيين الفلسطينين للتعبير عن رأيهم ونشر ما يصل إليهم من معلومات وصور وفيديوهات وهذا ما أتاح للفلسطينيين الاطلاع على جزء كبير مما تحاول إسرائيل إخفاءه أو تحريفه بحيث استفاد الفلسطينيون من نشر هذه الصور والفيديوهات لإبراز كذب ادعاءات الإعلام الإسرائيلي وبيانات الجيش الإسرائيلي. وهذا شجّع كل فلسطيني ونبّهه على أن يُبقي أدوات التوثيق من موبايل وكاميرا حاضرة معه لتسجيل كل ما يجري حوله وذلك كخط دفاع أول عن نفسه ولتوثيق كل ما يشاهدهويدور حوله ، وتبقى الصورة في العمل التلفزيوني هي العامل الأهم أيضا، لأنها قد تؤكد وقد تنفي رواية ما. وأيضاً، تحمل الصورة أهمية كبيرة في قدرتها على التأثير على الرأي العام العالمي.
أبرز الممارسات الاسرائيلية ضد الحركة الإعلامية :
وهنا أدركت سلطات الاحتلال خطورة هذا السلاح الذي يستخدمه أبناء شعبنا ضد هذا الكيان وبدأت باستهداف الإعلاميين والإعلام من خلال إعاقة تنقل بين المدن الفلسطينية ومنعهم من تغطية ممارسات الاحتلال الاسرائيلية في أثناء إرتكابها المجاز والاقتحامات في العديد من المدن الفلسطينية واستهداف المقرات الإعلامية ومقرات التلفزيون لمنع نقل الحقيقة إلى العالم و إطلاق النار على الصحفيين وإصابة العشرات وإغتيال العديد من الكوادر الصحفية أثناء تغطيتهم للإعتداءات الاسرائيلية و اعتقال العديد من الصحفيين وتحويل بعضهم إلى الاعتقال الإداري تحت حجج واهية وقد كفلت كافة القوانين والمواثيق الدولية حرية العمل الصحفي والإعلامي لكافة المؤسسات الإعلامية، وعملت على حمايتهم من أي هجوم مسلح يتم التعامل معه ومع العاملين فيها على أنهم أعيان مدنية يسعون إلى إيصال الحقائق إلى الرأي العام وفقا لما نصت عليه اتفاقية جنيف عام 1949 بالإضافة إلى المادة79 من البروتوكول الإضافي لذات الاتفاقية ، وهنا يجدر القول بأن قوات الاحتلال تعاملت مع الإعلاميين بعدة أشكال إجرامية وعنصرية وبشكل مقصود رغم وجود الشارات والعلامات والزي الخاص بالإعلاميين وسيارتهم، في شكل يدلل على العقلية الإجرامية لكيان الاحتلال وجنوده ، “وسجل عام 2016 (584) انتهاكاً اسرائيلياً ضد الإعلاميين حسب عدة تقارير .
وأخيراً عزيزي القارىء وبناء على ما تم ذكره في سابقاً .. كان لا بد من إبراز دور "الإعلام المقاوم للإحتلال "، لما له من أهمية بالغة في التأثير النفسي على الشعوب العربية والإسلامية. فقد كان له الدور الأبرز في إعادة ضبط البوصلة نحو فلسطين وأهميتها في اختراق الإعلام المضاد، وتغيير الرأي العام لصالح مشروع مقاومة الاحتلال، خاصة وأن تهمة "الإرهاب" باتت مصطلحاً واسعاً لاتهام كل من يواجه المشروع الصهيوأمريكي. ولأهمية دور الإعلام المناصر للقضية الفلسطينية في حجم التأثير على الجماهير الفلسطينية والعربية
وهنا أود الإشارة إلى أنه "يجب على إسرائيل أن تفهم جيدا أنها أخفقت في حرب شبكات التواصل الاجتماعي والحرب الإلكترونية والإعلامية مع شعبنا الفلسطيني فحالة التعاطف الذي نراه على المستوى العالم لا أعتقد أن سببه الإعلام التقليدي في تلك الدول، بقدر التغريدات والبوسترات والبوستات والحملات التي كان ينظمها الشباب الفلسطيني،في فضح ممارسات الاحتلال كما أن دور الإعلام يأتي ليوضح أن المقاومة هي دفاع عن النفس ومحاولة استعادة الحقوق، وكشف جرائم الاحتلال بصورتها الحقيقية والأدوات التي يستخدمها لقتل الشعب الفلسطيني، وهذا ما يحدث توازنا كبيرا لدى الرأي العام المحلي والعالمي والذي نحن بحاجة أن يكون هذا الرأي إلى جانبنا على الدوام ، وإن الإعلام المقاوم اليوم بات ركيزة أساسية ترتكز عليها فصائل المقاومة الحية، كونها وسيلة مهمة لا تقل أهمية عن طرق المقاومة الحديثة كالطعن والدهس و إن الاحتلال الاسرائيلي يسعى بشتى الوسائل إلى طمس الأهمية الإعلامية وتقليلها إلى أدنى درجاتها، الأمر الذي يدعونا إلى ضرورة التنبه إلى هذا المستنقع وعدم التغافل عنه والمضي قدماً في تطوير الخطاب الإعلامي وتوجيهه نحن الأهداف المطلوبة، فعلينا أن لا نقزم مسألة المقاومة النوعية خصوصاً الإعلامية، واعتبارها جزء من الهرطقات الفكرية التي لا تجدي بالاً، إذ ليس بإمكاننا كسب المعركة إذا لم نكسب عقول المجتمع قبل قلبه.
بقلم الأستاذ وسيم وني