المشهد الفلسطيني عام 2016 1 / 5

بقلم: رامز مصطفى

مدخل
غادرنا العام 2016 ، تاركاً ورائه أحمالاً وأثقالاً وخليطاً من التشاؤم والتفاؤل ، لملفات يتردد صداها وتداعياتها إلى كل أرجاء المعمورة بدولها الفقيرة والغنية ، الضعيفة والقوية . إنه الإرهاب العابر للحدود يضرب من دون رحمة أو تمييز ، وخصوصاً الدول الراعية له ما عدا الكيان الصهيوني ، الذي يوظف الدماء الغزيرة والدمار المهول لتلك الأحداث المُدبرة ، والمشغول عليها جيداً من قبل دوائر في الواقعين الدولي والإقليمي ، في طحن القضية الفلسطينية وعناوينها الوطنية ، على مرآى وسمع المجتمع الدولي ، الذي انتصر بالوهم لتلك القضية بإصدار مجلس الأمن للقرار 2334 المطالب بالوقف الفوري للاستيطان في الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس .
غادرنا العام 2016 والحرائق التي أشعلتها دول أبو لهب وإمرأته حمالة الحطب ، لا زال دخانها الكثيف يحجب بصيرة من أبقى رهانه على الولايات المتحدة وحلفائها وأدواتها الإقليمية في إمكانية إسقاط الدولة السورية ، وتالياً إلحاق الهزيمة بشركائها وحلفائها . ولكن أصبح من المؤكد أن كل المحاولات البائسة التي سلكتها الدول الممولة والداعمة والحاضنة لتلك المجاميع المسلحة في سورية قد فشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق أهدافها المتطابقة مع الأهداف " الإسرائيلية " في إلحاق الهزيمة بمحور المقاومة في المنطقة ، وجهودها البائسة في إعادة رسم خارطة المنطقة جغرافياً وديمغرافياً على أساس طائفي وعرق ومذهبي ، وذلك بفضل صمود سوريا قيادة وجيشاً وشعباً وبدعم من حلفائها وأصدقائها . ولكن أعتقد كما الكثيرين أن العام 2017 لن يكون عام إيجاد الحلول لما ورّثنا إياه العام الماضي .
وفلسطين وقصيتها ليست بعيدة عن مجريات ما تشهده المنطقة من حروب ، بل تقف في أعلى سلم الاستهدافات التي يسعى ورائها الحلف الأمريكي . وبهذا المعنى ، هي المستهدف الإستراتيجي ، والمتأثرة بشكل مباشر من ذاك الزلزال الذي يضرب منذ ست سنوات . وبالتالي فالتطورات التي شهدها العالم في أكثر من مكان ، أيضاً يُرخي بظلاله وبقوة على قضيتنا الوطنية ، وعلى مجريات الصراع مع الكيان الصهيوني . وتقف في مقدمة تلك التطورات ، أولاً ازدياد مساحة الإستدارة العربية والإسلامية بعيداً عن القضية الفلسطينية ، مقابل هرولة عربية مدانة نحو التطبيع مع الكيان ، وصل حد مجاهرة " نتنياهو " إلى القول أنهم بصدد تشكيل تحالف مع دول عربية لمواجهة خطر التمدد الإيراني في المنطقة . وثانياً المبادرة الفرنسية ، للتسوية بين الفلسطينيين و" الإسرائيليين " ، بالتأكيد على " حل الدولتين " ، والمقرر عقد مؤتمر دولي لهذه الغاية مع بدايات العام 2017 . وثالثاً الانتخابات الأمريكية ، التي حملت نتائجها الرئيس المنتخب " دونالد مرامب " من الحزب الجمهوري ، على حساب منافسته " هيلاري كلينتون " من الحزب الديمقراطي " ، إلى البيت الأبيض . وإذا كانت الخشية على الدوام من السياسات الأمريكية التقليدية في دعمها المطلق للكيان ، ولكن فوز ترامب يشكل ذورة تلك المخاطر من خلفية ما أعلن عنه خلال حملته الانتخابية في تبنيه للروئ " الإسرائيلية " ، حيث قال : " أتطلع إلى تقوية الروابط الوثيقة بين دولتينا العظيمتين " ، ومضيفاً " إنني أدرك أن إسرائيل هي الديمقراطية الحقيقية والوحيدة والمدافعة عن الإنسان في الشرق الأوسط ، وأنها الأمل بالنسبة لعدد هائل من البشر " . وأضاف " لن أفرض حلاً بخصوص السلام لا ترضاه . وسأعترف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل وأنقل السفارة الأمريكية إليها " . وترامب لم يجد في بناء المستوطنات عملاً يُناقض القانون ، وهو قد عينّ الصهيوني ديفيد فريدمان سفيراً للولايات المتحدة في الكيان " الإسرائيلي " ، وفريدمان من أشد المشجعين للاستيطان وتحديداً في القدس ، بل هو لا يعترف أصلاً بالشعب الفلسطيني . واليوم وبعد قرار مجلس الأمن 2334 ، الذي دعا إلى وقف فوري للاستيطان " في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس ، ناقض الرئيس ترامب موقف إدارة أوباما التي امتنعت عن التصويت ، في سياق مغاير للمواقف الأمريكية القائمة على استخدام الفيتو في مواجهة أية قرارات تمس " إسرائيل " ، حيث عبرّ ترامب عن غضبه بالقول صراحة أن بعد 20 كانون الثاني 2017 ، لن يكون كما قبله ، وأنه سيصحح الخلل الذي وقع في مجلس الأمن . وقد حذا حذوه الكونغرس الأمريكي وصوّت على قرار بعدم الاعتراف بقرار مجلس الأمن 2334 . وهذا كافٍ ليُعيد لنتنياهو وجوقة ائتلافه الحكومي شيء من التوازن الذي فقده بعد صدور القرار الأممي ، وجنّ غروره وعنجهيته وصلفه ، وفي خطوة شكلت سابقة ، حين استدعى نتنياهو سفراء الدول التي صوّتت على القرار ليُعنفهم ويقرع دولهم ، ويعلن تخفيض مساهماته المالية لعدد من الوكالات الدولية التابعة للأمم المتحدة .
والمشهد الفلسطيني في العام 2016 قد لا يختلف كثيراً من حيث العناوين ، ولكن من حيث القراءة واستعراضها ربطاً بالأحداث والتطورات التي أرخت بظلالها بشكل مباشر عليها . وعناوين المشهد هي :-
• المفاوضات ... توقفها وانغلاق أفقها
• إنهاء الانقسام والمصالحة الوطنية
• الانتفاضة الثالثة
• الحركة الأسيرة
• القدس وعمليات التهويد والاقتحامات للمسجد الأقصى
• قطاع غزة
• الانتهاكات " الإسرائيلية " والاستيطان
• الإخفاقات والنجاحات
• حملة المقاطعة ( B D C )
• الشتات الفلسطيني
• الانروا
أولاً المفاوضات .. توقفها وانغلاق أفقها
كيان " إسرائيل " الغاصب ، لم يؤمن للحظة واحدة ب" السلام " ، وهو لطالما استخدم المفاوضات تحقيقاً لجملة أهداف منها :-
1- مسايرة لظروف حليفها الإستراتيجي الولايات المتحدة الأمريكية ، واستجابة لرغبته .
2- محاولة منه توجيه رسالة للمجتمع الدولي أنه راغب في السلام وأنها تمثل بالنسبة إليه خياراً استراتيجياً مع الفلسطينيين ، مما يُحسن من صورته المهتزة بسبب ممارساته الإجرامية .
3- توظيف المفاوضات نحو المزيد من تمرير فرض وقائعه الميدانية في التهويد والاستيطان .
4- محاولته إظهار السلطة وفريقها المفاوض أنه غير مؤهل لإنجاز تسوية تاريخية قائمة كذباً على حل الدولتين وبالتالي الحصول على اعتراف فلسطيني بيهودية الدولة بعد أن حصل على الاعتراف ب" إسرائيل " بموجب " اتفاقات أوسلو " عام 1993 .
وفي المقلب الآخر لا زالت السلطة الفلسطينية عند التزاماتها في التمسك بخيار المفاوضات التي لا بديل عنها إلاّ المفاوضات والتنسيق الأمني مهما بلغ مستوى الإجرام " الإسرائيلي " بحق الشعب الفلسطيني .
ومنذ أن توقفت المفاوضات في أواخر آذار 2014 ، أي بعد أن رفض نتنياهو الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين ما قبل " اتفاقات أوسلو " عام 1993 . لا تزال تلك المفاوضات متوقفة ، رغم المحاولات والجهود التي تبذلها بعض الدوائر ، لدفع طرفيها مرة جديدة إلى الطاولة ، ولكن لم تفلح في ذلك ، وبتقديري أن نتنياهو وجوقة إئتلافه من غلاة المتطرفين هم من يقفون وراء إفشال المفاوضات ، من خلفية عدم تضييع الفرصة الذهبية المتوفرة بسبب ما تشهده المنطقة من حرائق وحروب في العديد من الدول ، يجب توظيفها واستثمارها في فرض الوقائع الميدانية في التهويد والاستيطان والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وتحديداً في مناطق المصنفة ( ج ) ، والتي تقع تحت السيطرة " الإسرائيلية " بموجب اتفاق " أوسلو " .
وتأتي المبادرة التي تقدمت بها فرنسا ، وروجت أنها تهدف إلى إيجاد حل شامل للصراع . حيث تقوم المبادرة على أساس الدعوة إلى عقد مفاوضات تحدد بفترة زمنية قصيرة ، ولكنها مكثفة حول الملفات الجوهرية بين كيان الاحتلال " الإسرائيلي " والسلطة الفلسطينية . حيث تضع المبادرة نصب أعينها أن هدف إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، باعتباره لب الصراع في الشرق الأوسط ، وسبب الاضطرابات وغياب الأمن في المنطقة . وأكد زير الخارجية الفرنسي " جان أيرولت " أن الاجتماع حول التسوية ، سيفتتح أعماله الرئيس الفرنسي " فرانسوا أولاند " ، الذي ستشارك فيه الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى عشرون دولة من دون الفلسطينيين و" الإسرائيليين " . على أن يليه مؤتمراً دولياً في النصف الثاني من هذا العام ، بحضور مسؤولين" إسرائيليين " وفلسطينيين .
إضافة لذلك فقد شهد العام 2016 ، محاولات روسية وأخرى مصرية ، هدفت إلى تحريك المفاوضات ، من خلال جمع كل من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ، ورئيس حكومة الكيان " الإسرائيلي " . وبالتالي كانت هناك محاولة لما تسمى ب" الرباعية العربية " ، من خلال تحقيق مصالحة وطنية وأخرى فتحاوية داخلية بين عباس ودحلان ، الهدف منهما الذهاب مرة جديدة نحو عملية التسوية مع الكيان .

بقلم: رامز مصطفى

المصدر: رامز مصطفى -