شكلت زيارة الدكتور واصل ابو يوسف امين عام جبهة التحرير الفلسطينية عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير للبنان بعد مشاركته في اجتماعات لجنة المتابعة للمجلس الوطني الفلسطيني مع نائب الامين العام للجبهة ناظم اليوسف ، ومن خلال زيارته للقوى والاحزاب الوطنية اللبنانية ولقاءه مع قيادة وكوادر ومناضلي واعضاء جبهة التحرير الفلسطينية وزيارة مخيم عين الخلوة في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها خطوة مهمة ، اضافة الى ظل الظروف الدقيقة التي تعيشها القضية الفلسطينية وخاصة اوضاع اللاجئين في مخيمات لبنان .
ونحن هنا نؤكد على اهمية زيارة امين عام جبهة التحرير الفلسطينية ، لأن تاريخ الجبهة من خلال دورها النضالي الذي تفوقت فيه بامتياز، من خلال فعل تحرري، هو عودة الحنين للزمن الجميل ، لا أستطيع أن أنكر شيئا ، قد يكون المخاض طويلا، لكن يأتي الأمل عندما ندرك بأننا أمام آخر فرصة للأمل.
واليوم عندما اكتب عن ذلك هو لتقدير الموقف ، لاننا نحن ما زلنا نؤمن بفكر ونهج الجبهة والقضية والثورة في صورة القائد الشهيد ابو العباس رمز الجبهة الذي استشهد من اجل حرية الشعب الفلسطيني ، وهو اختصر المعاني كلها، وارتفع عن حدود المألوف ، وعلى مدار مسيرة حياته ونضاله ثابر حتى لحظة استشهاده وهو يحاول توفير كل عوامل وأسباب النصر والوجود لشعب وهوية، ولقضية عادلة وطنية وقومية وإنسانية وأسهم فكرياً وثقافياً ونضالياً وعلى كافة الأصعدة وبأساليب النضال المختلفة من أجل تكريس الهوية الوطنية لشعب تمتد جذوره عبر التاريخ.، لانه رغم الصراعات العربية وانعكاساتها على القضية الفلسطينية والتدخلات الاقليمية لم يستقوي الشهيد القائد ابو العباس أبداً بمحاور وأجندة خارجية وكانت قضية شعبه واللاجئين والمخيمات خصوصاً أولوية له دفاعاً عنها وحماية لها، فلم يقاتل بسيف أحد ولم يستقوي بأطراف خارجية على الداخل الفلسطيني وكان يعي بدقة وجدلية ويربط بين استقلال القرار الوطني الفلسطيني والمسؤولية القومية في مواجهة المشروع الصهيوني الذي يستهدف الأمة العربية حاضراً ومستقبلاً، لذلك يجب علينا ان نتمسك بهذا النهج والعمل على الجمع بين صنوف السلاح وأجاد كافة وسائل النضال واستخدمها في كافة اشكال النضال المختلفة ،هذه كلمات أعيد قراءتها ، ونحن يجمعنا نهج الشهداء القادة ابو العباس وطلعت يعقوب وابو احمد حلب وسعيد اليوسف وابو العز ، نقرأ ونتعلم من سفرٍ الثورة، للعطاء، للتواضع، للإنسان، حتى تتعلم الاجيال التي تحمل راية التقدم والعدالة الاجتماعية ورفع الظلم عن الانسان الفلسطيني وعن الانسان العربي وعن كل إنسان حر.
ان المهمات كبرى والتحديات جسيمة، ويجب شحذ الهمم لمواجهة المخاطر القادمة ، فلا التعويل على مؤتمر باريس ونتائجه الخطيرة ستعيد القضية الى واجهة الاهتمام الدولي، ولا الارتهان لمواقف الرجعية العربية ستعطي دفع للقضية الفلسطينية ، فعلينا ان نتخطى أخطار التهميش والاستلاب والاغتراب، وان ننمي روح التمرد الايجابي وتخطي نفسية الخضوع، وإنتاج الفكر والمعرفة ، فلا مجال للتقدم دون التمسك بالثوابت الفلسطينية وفي مقدمتها حق العودة وبخيار المقاومة بكافة اشكالها من اجل تحرير الارض والانسان ، وتوجيهها ضمن رؤية وإستراتيجية شاملة.
ولكن من المهم جدا ، وضع النقاط على الحروف ، منعا للإلتباس أو التأويل ، وخاصة بخصوص بعض من فقد توازنه ، في سبيل مصالحه وإمتيازاته وفئويته ، لا يلتزم بخط أحمر أو أسمر ، ولكن اقول انه عندما انتميت لفلسطين كنت في سن الـ 13 ربيعاً، وكنت قبلها شبلا ، لانها كانت وما زالت هي قضيتي القومية ، فانا عاشق لفلسطين ، حملت قلمي لاكتب عن فلسطين وشهدائها وقادتها ومناضليها وعن المقاومة وعن الشعوب العربية بفخرٍ واعتزاز وبكل شجاعة، عبر المواقف والصحف او عبر صحيفة الوفاء الزاخرة بالمهنية والموضوعية والجرأة، التي أرسل المودة صادقة لكل قرائها أينما كانوا، وستبقى كتابة المقال نبضا يرافقني إلى فضاءات ومنصات التواصل الاجتماعي، في علاقة مع القراء الكرام لا انقطاع فيها.
ان كل المنجزات والمكتسبات التي حققها الشعب الفلسطيني ، وعمدها بدماء شهدائه وأنات جرحاه وعذابات أسراه وحصاره وجوعه ، ولم يدر بمن اصابهم الغرور ، وأوغل في النرجسيه وحب الذات ، في الوقت الذي كانت فيه جبهة التحرير الفلسطينية ، وبشهادة القاصي والداني ، وفي كل مراحل ومحطات النضال الفلسطيني ، وفية لأهدافها ومبادئها وأخلاقها ، ودفعت ثمن ذلك دم وحصار وملاحقه وإعتقال وطرد ، ولكنها ظلت قابضه على مبادئها ، كالقابضين على الجمر ، ولم تهن أو تضعف عزيمتها ، أو تتنكر لأهدافها ومبادئها ، كما أنها كانت مدافعة عن القرار الفلسطيني المستقل وعن م – ت – ف ، وداعية الى وحده وطنيه حقيقيه ، وشراكه سياسيه ، على قاعدة شركاء في الدم والقرار ، وغلبت المصالح الوطنيه العليا للشعب الفلسطيني على المصالح الفئويه ، و لم تساوم على الحقوق والمباديء ، وهي ليس لديها عقدة الإستوزار ، والمصالح والإمتيازات ، وكانت دائما وأبدا صمام الأمان لوحدة الشعب الفلسطيني ، ولابد أن نعي وندرك حجم وأبعاد اي زيارة للقائد فلسطيني في هذا الوقت الدقيق وفي هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها المنطقة، وما لمسناه من ترحيب من قبل القوى الوطنية اللبنانية .
لذلك اقول ليس من حق اي جهة مصادرة طموحات الاجيال الشابة في تحديد أهدافها ، هذه حقيقة، لكن تقف إلى جانبها حقيقة لا تقل أهمية، وهي أن حياة الأمم والشعوب وتاريخها ومستقبلها ليست سلسلة مفككة لا يربطها رابط، إنما هي عملية تراكمية متواصلة، ومن لا يدرك تاريخه ويعيه لن يستطيع إدراك حاضره، وبالتالي مستقبله.
في ظل هذه الظروف نؤكد بأن الشعب الفلسطيني ما زال في حالة صراع مفتوح، ونضال مستمر، وصيرورة تاريخية في مواجهة الاحتلال، وعلينا الاستمرار في مسيرة النضال الوطني الفلسطيني، ومواجهة كل المؤتمرات التي تنتقص من الحق الفلسطيني ، ويجب أن يدرك الجميع أن القضية الفلسطينية لا تنحصر في عناوين.
ان الهوية الفكرية هي الاساس كونها تكمن في التحرر والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ومن خلالها تشكل القضية المركزية موقعاً هاماً أساسياً في سلم الأولويات الضرورية من أجل تفعيل العلاقة الجدلية بين الظرف الموضوعي والعامل الذاتي كشرط لا بد من توفره لتجاوز الواقع الراهن.
إن وقفة التأمل الايجابي التي نريدها، من وجهة نظري دعوة إلى التعمق في رؤية ما نحن عليه بصورة واضحة بلا أية رتوش ، إذ لم يعد هناك أية إمكانية للحديث عن تطور وتقدم المشروع الوطني الفلسطيني بانفصاله عن الحامل القومي العربي، أقول ذلك، رغم شدة التباعد أو الانفصام الراهن بين الوطني والقومي ، في ظل انهيار اغلب النظام العربي الرسمي وسيره في طريق تطبيع علاقات مع العدو الصهيوني، حتى نصبح أمام مرحلة جديدة، تطرح أمامنا بقوة وجدية بتطوير العلاقات مع حركة التحرر العربية للتصدي لهذه المحاولات .
إن تكامل أشكال النضال المختلفة السياسية والاقتصادية والكفاحية والإعلامية والجماهيرية كلها معاول يجب أن تستخدم بطريقة واعية وعلمية واستثمارها بأعلى طاقة ممكنة من الكفاءة ووضوح الرؤية.
لذلك نرى ان حق العودة هو حق طبيعي، وقانوني، وجمعي وفردي، ليس لأحد في العالم أن يعبث به، فالمسألة واضحة كالشمس، هناك لاجئون أرغموا على ترك أرضهم وديارهم.. لهم الحق في العودة كحق طبيعي، ولهم الحق في العودة وفق قرار الأمم المتحدة 194، وهو قرار يجيز لهم العودة . والمنطق الطبيعي أن يعودوا لا أن يحل مكانهم مستوطنون قادمون من آفاق الأرض، وعليه فنحن ننظر إلى حق العودة كأساس وجوهر للقضية الفلسطينية، ولا حلّ سياسياً بدون ربط حق العودة بالأرض والوطن والكيان السياسي للشعب الفلسطيني
إن المرحلة السياسية الراهنة ليست ذاتها التي انطلقت منها الثورة الفلسطينية المعاصرة.. وبالتالي الشيء الطبيعي أن تختلف وسائل وأشكال النضال، وأولويات النضال وفقاً للظروف المناسبة، وعلى القيادات الفلسطينية أن تقرأ اللوحة الدولية بكل تضاريسها كي تعرف أين موقعها في هذا الصراع الدائر على مستوى العالم، وابتداع الأشكال النضالية المناسبة، كما عليها أن تدرك أن هذا التوازن الآن، بل الاختلال بتوازن القوى الدولية ليس إلا مرحلة سياسية قد تقصر أو تطول. فهو عالم ليس سرمدياً وأبدياً ،إنما يتطلب أن تؤسس لحركة وعي وطنية وقومية جديدة لدى الإنسان الفلسطيني والعربي، لانه لا يمكن ان يكون هناك تنظيم دون نظرية ثورية، يركز على الفكر السياسي والرؤية الواضحة للعدو ولقوى الثورة وللواقع الاجتماعي بكل تفاصيله، انطلاقاً من الوعي والالتزام بضرورة الربط المتبادل بين النضال الوطني الفلسطيني والنضال القومي العربي، في مسيرة الكفاح الوطني الفلسطيني، بل لا نبالغ في القول إنها تمثل حتى اليوم أحد مكونات الذهنية الشعبية والوعي السياسي والاجتماعي للجماهير الشعبية الفقيرة، في وطننا العربي عموماً وفي فلسطين خصوصاً، وهو ما نعتبره في الجبهة، وفاءاً من جماهير شعبنا وأمتنا لكل شهدائنا ومناضلينا عموماً ولشهداء الجبهة وفلسطين وقادتها العظام ، بما تركوه لنا من إرث ثوري وطني وقومي، وفي تأسيس العديد من العلاقات مع القوى الثورية اليسارية في أرجاء العالم.
ان الأمر يحتاج أولاً إلى الوحدة الوطنية الفلسطينية وانهاء الانقسام لأن فلسطين هي الهدف، والهدف الراهن والاستراتيجي، فالشعب الفلسطيني تحت الاحتلال ولا مجالاً لانتصار فلسطين الا بالوحدة والعمل على وضع الخيار الكفاحي أمام الجميع.
ختاما : اقول بكل وضوح الكتابة فعل إبداعي، ولأنها كذلك، كما قلت، فإنها فعل تحرري، وربما يدل عليه ذلك الصوت الجبهوي ، الشعب الفلسطيني شعب عظيم، وبالتأكيد، بفعل قوة الذاكرة، وحجم الأمل، ونحن نتطلع الى فكر متجدد للقضية الفلسطينية، ينسجم مع رؤية الجبهة لموقع الجماهير ودورها في العمل الكفاحي من أجل تحرير فلسطين واستعادة كل الحقوق الوطنية، وللحديث بقية في عناوين أخرى ،نتمنى أن تكون زيارة الامين العام للجبهة شكلت خطوة مهمة في تعزيز العلاقات الفلسطينية اللبنانية وتأكيده على التمسك بالثوابت وبالحقوق الوطنية في مقدمتها حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة على ترابه الوطني.
بقلم / عباس الجمعة
كاتب سياسي