المشهد الفلسطيني عام 2016 2 / 5

بقلم: رامز مصطفى

.ثانياً إنهاء الانقسام والمصالحة الوطنية
لا شك أن الانقسام واستمراره قد شكلّ حالة من الإحباط لدى جموع الشعب الفلسطيني ونخبه ، من خلفية أن ذلك قد أتاح فرصة ذهبية للكيان الصهيوني في توظيفه لفرض وقائعه الميدانية على مجمل العناوين الوطنية ، وتهويد القدس وشطب حق العودة تقعان في مقدمة تلك العناوين التي تستهدفها السياسات " الإسرائيلية " ، من دون إغفال بقية العناوين وأهميتها.
وفي هذا السياق لم تسفر كل اللقاءات والاجتماعات التي عقدت بين قيادات حركتي حماس وفتح ، وبالتالي لم تفلح جهود الوساطة التي عملت عليها عدة أطراف سواء فلسطينية ( المجلس التشريعي .. ومبادرة الدكتور رمضان شلح ) ، وعربية ( قطر .. والرباعية العربية ) ، ودولية ( المبادرة السويسرية ) . وحتى مشاركة حماس في حضور افتتاح المؤتمر العام السابع لحركة فتح ، وإلقاء السيد خالد مشعل كلمة في الحضور ، لم تحرك دفة المصالحة نحو الأمام قيد أنملة . ولو استعرضنا عدد تلك اللقاءات والاجتماعات والاتفاقات لكانت أكثر بكثير من كافية لتحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام . فمن القاهرة في آذار 2005 ، إلى وثيقة الوفاق الوطني ( وثيقة الأسرى ) 2006 ، واتفاق مكة 2007 ، ولقاء صنعاء واتفاقه 2008 ، ولقاء السنغال 2009 ، ومن ثم القاهرة 2009 ، والخرطوم 2010 ، ودمشق 2011 ، والقاهرة في أيار 2011 والتوقيع على اتفاق المصالحة ، إلى المغرب 2012 ، والدوحة 2012 ، وبيروت 2013 ، ومخيم الشاطئ نيسان 2014 في غزة ، إلى الدوحة 2015 ، وجنوب أفريقيا 2016 ، وسويسرا 2016 .
ولكن بدلاً من ذلك فإنّ الانقسام قد تعمقّ أكثر فأكثر حتى بات أفقياً وعامودياً ، والأغرب ما صرحّ به الدكتور موسى أبو مرزوق حول خيار الفدرالية بين قطاع غزة والضفة الغربية ، على اعتبار أنه الحل الأمثل من استمرار الانقسام . سرعان ما نفت حماس وأبو مرزوق هذا الأمر ، وأنه لم يُطرح في مؤسسات الحركة لا من قريب أو بعيد . واللافت أن بقية الفصائل من خارج حماس وفتح لم تحرك ساكناً سوى تحميل المسؤولية للطرفين ، والتمني عليهما السير بالمصالحة قدماً ، من دون أن تبلور فيما بينها رؤية موحدة تتحرك وفقها . والإستعصاء في ملف إنجاز المصالحة مرده إلى تمسك كلا الطرفين برؤيته وأولوياته في هذا السياق ، فرئيس السلطة محمود عباس كان قد طرح على أمير قطر رؤيته لإنهاء الانقسام ، بدءاً من تشكيل حكومة وحدة وطنية تلتزم ببرنامج المنظمة ، ومن ثم إنجاز الانتخابات ، أو الذهاب إلى الانتخابات من دون تشكيل حكومة وحدة وطنية ، وعدم عقد المجلس التشريعي . وتريد حماس بالمقابل تنفيذ " اتفاق القاهرة " كسلة واحدة ، أو حل مشكلة رواتب الموظفين في القطاع ، وتشكيل حكومة وحدة تستعد للانتخابات ، وبالتالي تفعيل المجلس التشريعي والإطار القيادي المؤقت للمنظمة . مما يعني أن طرفي الانقسام يريد الاحتفاظ بمكاسبه .
ثالثاً الانتفاضة الثالثة
الشعب الفلسطيني كسائر الشعوب التواقة للحرية والاعتناق من نير محتليها ، يُدرك بحسه الوطني العالي أن مسؤولياته تُحتم عليه في كل مرحلة من مراحل نضاله وكفاحه أن يتحرك في مواجهة ومقاومة سياسات وانتهاكات الاحتلال الصهيوني ، وهذا ما ترجمه في الميدان خلال كل الثورات والانتفاضات التي خاضها مؤكداً حقه التاريخي على أرضه فلسطين ، كاشفاً الوجه القبيح للكيان " الإسرائيلي " الغاصب . وهذه هي حال الانتفاضة الفلسطينية الثالثة " انتفاضة السكاكين " التي اندلعت في تشرين الأول عام 2015 .
طوت الانتفاضة الثالثة صفحة عامها الأول كاتبة أسطرها بأحرفٍ من دم مُسيج بإرادة وإيمان لا ينضب بعدالة القضية والحقوق التي لن تموت بالتقادم ، أو بتواقيع من تنازل وفرط . صفحة تُضاف إلى صفحات العزة والكرامة الوطنية ، ومعارك البطولة والشموخ والإباء التي سطرها شعبنا منذ ما يزيد على الأعوام الثمانية والستين من عمر النكبة الفلسطينية والاغتصاب الصهيوني . صفحة في كتابِ مقاومة لن تُكسر إرادتها وإن خبت ، أو راوحت في المكان ، حتى وإن تراجعت . صفحة في السياق التاريخي الطويل من الصراع مع عدو قد حدد شعبنا مساره في الانتصار عليه مهما طال الزمن ، وغلت التضحيات .
والانتفاضة بما مثلته من نموذج للمقاومة الفلسطينية الذكية ، تستدعي التوقف أمام نقاط أربعة ، قبل الخوض في إنجازاتها وحصادها :-
أولها اندلعت الانتفاضة من خارج تكهنات وتوقعات ما كانت تؤكد عليه النخب الحاكمة في الكيان " الإسرائيلي " ، لا انتفاضة سيُقدم عليها الفلسطينيون
ثانيها بدأت الانتفاضة ولا زالت بمبادرات ذات طابع شعبي ، وعمليات ذات طابع فردي
ثالثها الانتفاضة اندلعت من خارج إرادة السلطة الفلسطينية ، على اعتبار أنها تلحق الضرر بالتوجهات والخيارات السياسية القائمة على المفاوضات
رابعها فشل الرهان على إنهاء الانتفاضة وإجهاضها
أما في حصاد الانتفاضة وانجازاتها ، فهي وعلى الرغم من شح الوسائل المتاحة لديها من أجل مواجهة ومقاومة الاحتلال وقطعان مستوطنيه ، الذين أملوا ألاّ تتطور تلك الوسائل إلى مشهد العمليات الاستشهادية التي نفذتها المقاومة خلال الانتفاضة الثانية عام 2000 ، ورغم ذلك تمكنت من :-
أولاً أن توحد قطاعات وفئات الشعب الفلسطيني حولها ، إما من الذين قد انخرطوا فيها ، أو احتضنوها والتفوا حولها وساندوها .
ثانياً أن تفرض تأثيرها ووقعها على مجتمع الاستيطان وكيانه الغاصب ، نفسياً ومعنوياً واقتصادياً حيث الارتفاع الملحوظ على هبوط مستوى الاستثمارات ، وتأثر البورصة والشلل في السياحة بشقيها الداخلية والخارجية خاصة في مدينة القدس .
ثالثاً ، أن تؤجج الخلافات بين المكونات السياسية والحزبية في الكيان ، وطفو الاتهامات المتبادلة بينها إلى سطح المشهد الحكومي والائتلاف المكون له حول المسبب في اندلاع ما أسموه ب" العنف الفلسطيني " .
رابعاً ، أن تعمل على مزيد من انكشاف السياسة الإجرامية والإجراءات التي اعتمدتها حكومة نتنياهو ، مما أثر على صادرات المستوطنات وعدم استقبالها في معظم دول الاتحاد الأوربي ، واتساع رقعة المقاطعة من خلال حملات ( B D S ) .
خامساً ، تمكنها من تنفيذ العشرات من الهجمات والعمليات النوعية والتي تنوعت بين الطعن والدهس واستخدام السلاح ، والتي نوجز أهمها (عملية " إيتمار " في الأول من تشرين الأول 2015 - عملية طعن وإطلاق نار نفذها الشهيد البطل " مهند الحلبي " في الثالث من تشرين الأول 2015 - عملية طعن في ساحة باب العامود نفذها الشهيد " محمد سعيد علي " - في الثالث عشر من تشرين الأول 2015 ، نفذ الشهيد بهاء عليان والأسير بلال غانم عملية مزدوجة تخللها طعن وإطلاق نار داخل باص صهيوني - عملية دهس ينفذها الاستشهادي " علاء أبو جمل "، في إحدى محطات الباصات - الاستشهادي " مهند العقبي " ينفذ عملية جريئة داخل محطة باصات في بئر السبع - الاستشهادي " محمد حروب " يُقدم على تنفيذ عملية قرب مستوطنة " غوش عتصيون " - الاستشهادي " نشأت ملحم " نفذ عملية في قلب تل أبيب - الاستشهادي " عبد الحميد أبو سرور " ، ينفذ عملية تفجير باص صهيوني - المقاومين محمد وخالد المخامرة ينفذان عملية إطلاق نار على مقهى بوسط مغتصبة تل أبيب ) .
جاءت " انتفاضة السكاكين" كشكل جديد من أشكال مقاومة الاحتلال ، إذ يحاول شبان عزل إلا من سكين ، مهاجمة جنود أو مستوطنين ، لينتهي بهم المطاف إلى الاستشهاد برصاص الاحتلال أو الاعتقال . ونتيجة لهذه الهجمات ، استشهد 243 فلسطينياً منذ تشرين الأول عام 2015، فيما قتل 40 إسرائيلياً .

بقلم: رامز مصطفى

المشهد الفلسطيني عام 2016 1 / 5

المصدر: رامز مصطفى -