تعويذة ترامب

بقلم: أسامه الفرا

ترامب ليس صاحب تعويذة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، فقد سبق أن تبنى الكونغرس الأمريكي قراراً عام 1995 بنقل السفارة الأمريكية من تل ابيب إلى القدس، وهو الذي اضطر معه الرؤساء المتعاقبين للولايات المتحدة كل ستة شهور بالتوقيع على قرار يقضي بتأجيل نقل السفارة إلى القدس، رغم أن قرار الكونغرس يعتبر سابقة في التاريخ إذ لم يسبق لبرلمان دولة أن اتخذ قراراً بنقل سفارته في دولة ما من مدينة إلى أخرى، وأن قرار الكونغرس يأتي مخالفاً للقرارات الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة ولموقف العالم باسره الذي يعتبر القدس الشرقية أراض محتلة تنطبق عليها اتفاقية جنيف الرابعة أسوة بباقي الأراضي الفلسطينية الي تم احتلالها ابان حرب حزيران 1967، حتى عندما اقدم الرئيس الأمريكي السابق "جورج بوش" على التوقيع على قرار الكونغرس بنقل السفارة لم تتمكن إدارته وكذلك الحال مع الادارات الأمريكية التي أعقبته على تنفيذ القرار، وبقي القرار رهن التأجيل على مدار السنوات السابقة.

ما الذي تغير كي يؤكد "ترامب" على أنه سيفي بالوعد الذي قطعه ابان حملته الانتخابية بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس؟، وهل يجرؤ على فعل ذلك في أيامه الأولى في البيت الأبيض؟، هل "ترامب" يعاني من قصر نظر فيما يتعلق بمصالح أمريكا؟، اعتدنا أن نستمع خلال الحملات الانتخابية التي تسبق انتخابات الرئاسة الأمريكية إلى سباق محموم بين المرشحين لكسب ود وتأييد اللوبي اليهودي "ايباك"، ثم لا يلبث الرئيس المنتخب أن يتراجع عن البعض منها بدافع المصالح الامريكية في المنطقة، من الواضح أن قرار نقل السفارة الأمريكية للقدس لا يتعلق فقط بشخصية الرئيس "ترامب" المثيرة للجدل، بل يرتبط كذلك بالوضع الذي باتت عليه الدول العربية والتي لم تعد من خلاله تمتلك أدنى مقومات التأثير على الموقف الأمريكي.

عندما بدأت المساعي لتقديم مشروع قانون في الكونغرس حول نقل السفارة الأمريكية عام 1984 سارع وزير خارجية المملكة السعودية باستدعاء السفير الأمريكي، وأبلغه بشكل واضح أن السعودية ستقوم بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع الولايات المتحدة الأمريكية إذا ما تم نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، هذا ما كشفته وثيقة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية تم تسريبها مؤخراً، لم يكن ذلك موقف المملكة السعودية لوحدها بل العديد من الدول العربية والاسلامية اتخذت الموقف ذاته حيال أي دولة يمكن أن تقوم بنقل سفارتها إلى القدس، لعل ذلك هو الذي دفع رؤساء أمريكا السابقين لتأجيل تنفيذ قرار الكونغرس كونه يلحق ضرراً بالمصالح الأمريكية في المنطقة.

منذ أن أعلن "ترامب" عن نيته نقل السفارة الأمريكية للقدس لم نسمع عن تهديد أطلقته دولة عربية أو اسلامية يحذر من مغبة الضرر الذي سيلحق بعلاقاتها مع الادارة الأمريكية في حال أقدمت فعلاً على نقل سفارتها، ولم تسارع منظمة المؤتمر الإسلامي لعقد إجتماع طاريء وهي المنظمة التي تأسست كرد فعل على جريمة احراق المسجد الأقصى، فهل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس بكل ما تحمله من مضامين لم يعد يستفز الدول الإسلامية؟، ولماذا لم تسارع الدول العربية لعقد قمة لزعمائها أو على أقل تقدير لوزراء خارجيتها للخروج بموقف يمكن أن تلوح به في وجه الادارة الأمريكية؟، ولكن قبل أن نطالب جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي ودول عدم الانحياز والأصدقاء في العالم، للتحرك لمنع إدارة "ترامب" من تنفيذ قرار النقل الذي يمثل شهادة وفاة لفكرة حل الدولتين، هل تمتلك السلطة الفلسطينية موقفاً واضحاً ستعمل على تنفيذه في حال اتخذ "ترامب" قراراً بنقل السفارة إلى القدس؟، أم أن السلطة ومعها الفصائل الفلسطينية ستكتفي بعبارات الشجب والإدانة والاستنكار وإطلاق التصريحات التي تتنبأ بتفجير المنطقة، إن لم يكن لدينا موقفاً واضحاً وحازماً يتم اشعار الادارة الأمريكية والعالم به، ليس من باب التهديد بقدر ما يحمل الجدية في تنفيذه، لن يتراجع "ترامب" عن تنفيذ قراره، بل وسيكون نقل السفارة مقدمة لخطوات أمريكية أكثر عدائية حيال الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

بقلم/ د. أسامه الفرا