الصراحة مع القراءة

بقلم: سري سمور

أنا معجب ومؤيد إلى أقصى حد لانتشار المواد التي تتناول عملية القراءة، سواء أكانت تلك المواد مرئية أو نصوص مكتوبة، وأعني المواد التي موضوعها أهمية القراءة وكيفيتها، وترشيح بعض الكتب، والمقارنة بين كتاب وآخر، وبين كاتب وآخر، وطرح تجارب شخصية تتعلق بالقراءة والكتابة، لاسيما في عصرنا الذي تسوده سهولة الوصول إلى الكتب المختلفة، وفي ذات الوقت كثرت الملهيات والمشغلات والمغريات، التي تحول بين المرء والكتاب.
 

أرى أن كل هذه المواد والنصائح والتجارب المعروضة، لا تخلو من فائدة، ولست أدعو إلى اتباع ما فيها وكأن القارئ آلة، وهي "الكتالوج" بل يمكن الاستفادة منها جزئيا، وتطويرها وفق حالة كل إنسان قارئ أو يريد أن يصبح قارئا، أو يريد أن يجذب الناس إلى عالم القراءة وما فيه من أمور شتى.
 
وأنا هنا أكتب هذه الكلمات التي أرى بأنها تصب في ذات الاتجاه، مع أنها في بعض الأمور تتعارض وتتضارب مع ما بدأت بمدحه، ولكن لا بأس، فلنجعل الأمر مفتوحا، ولا نقصره أو نعلبه بضوابط صارمة، تجعل فنون القراءة، أو النصائح المقدمة للقارئ، جامدة مكررة، أو تستبطن رقابة، وتتغطى بالمجاملة لتتحول إلى شعارات بدل أن تكون نصائح مفيدة، وسأتحدث في نقاط، وأشدد أنها قابلة للتطوير والتنقيح، ولكنها خلاصة تجربة شخصية أولا، وقراءة واستماع إلى كثير، إن لم يكن معظم من تناول "الميكانيزم" الخاص بالكتاب والقارئ من مختلف الجوانب:-
 

1- عليك أن تتحلى بالصراحة ولا تخجل إذا لم تكن قد قرأت كتابا قد بلغت شهرته الآفاق، وإياك أن تدعي قراءته، أتذكر صديقا واسع الاطلاع، نهما في القراءة، قال لي بكل شفافية بأنه لم يقرأ كتاب الأمير لميكافيللي ولا طبائع الاستبداد للكواكبي، وبقدر دهشتي واستغرابي، كان هناك مقدار زائد من الاحترام والتقدير للصراحة، فاعلم أن أي كتاب مهما بلغت شهرته، لا ينقص قدرك، إذا كنت لم تقرأه، فهو ليس قرآنا كريما.. وعودة إلى صديقي فقد شجعته على قراءة الكتابين بالتوالي، واتخذت أسلوب التشويق، الذي جعله يقرأ الكتابين، ويستمع للتعليقات عليهما من وقتها بعد اطلاع عن كثب.
 

2- وعطفا على ما سبق، لا يكن حكمك على الكتاب هو حكم النقاد، والهالة الإعلامية حوله، كي تجاري التيار؛ وهذا ينسحب حتى على الكاتب، فمثلا أنا لا أخجل من القول بأن أعمال جبران خليل جبران لا تروق لي، ولا أشعر معها بما يقولون ويسطرون عنها وعنه، بل أشعر بنوع من البرودة الغريبة، ولست متيما بمحمود درويش وغالبية أشعاره، وليست كل رواية أخذت جائزة نوبل أو نالت البوكر تروق لي بالضرورة، ، فكن أنت الناقد والحاكم على ما تقرأ، ولا تبخلن على نفسك بالاطلاع الواسع على الآراء الأخرى، أي لا تجعلن نفسك سابحا عكس التيار تلقائيا، ولا تسايره، واتخذ بين ذلك سبيلا.
 

3- الجدل حول الكتاب الورقي ونظيره الإلكتروني طويل ولن ينتهي قريبا؛ وأنا المخضرم تستهويني المواد الورقية، ولي في الرومانسيات التي يتحدثون عنها بحكم زمني وعمري، ولكن دعونا نفكر قليلا؛ ألن نكتب ونقرأ النصوص المنقوشة على الأحجار لو عشنا قبل آلاف السنين؟ ألن يكون ورق البردي في مصر وبلاد النيل بدل الورق الذي نراه؟ هي حالة تطور إنساني، وأنا شخصيا تجاوزت حب قراءة الجرائد الورقية الذي لازمني منذ الطفولة، وأنظر إلى الجريدة الورقية حاليا بفتور ليس معه أي حنين لها.

ولا أنكر أنني لم أصل إلى مرحلة أحبذ فيها أو حتى أساوي فيها بين قراءة الرواية تحديدا بطريقة إلكترونية وقراءتها ورقيا؛ والرواية الوحيدة التي قرأتها إلكترونيا كانت رواية "آلموت-فلاديمير بورتال" والسبب أنني لم أجدها مطبوعة، ولكن أشعر أنه بالمراس سأعتاد على الأمر، خاصة أنني في قراءة الكتب الدينية والفكرية والسياسية والعلمية لا أجد مشكلة في النص الإلكتروني في هذا النوع من الكتب، فلا تكتفي بالورقي، ولا تتركه إلى الإلكتروني، وأرى الأمر رديف لضرورة أن نتقن كتابة النصوص على برامج معالجتها مثل المايكروسوفت وورد، ولكن في ذات الوقت، لا غنى عن إتـقان الكتابة بقلم الحبر أو الرصاص على الورق.
 

4- هناك من يهزأ من قراءة المقالات لأنه يرى في قراءة الكتب أفضلية وتميزا؛ ولكن هناك من وقته ضيق أو مزاجه متعكر، والمقالات تربطه بالقراءة؛ وخاصة بأن هناك مقالات هي عصارة مجموعة من الكتب؛ فعليك اختيار الكاتب صاحب اللغة الجيدة، وأعني باللغة الجيدة الذي لا يضرب قواعد الإملاء والنحو الأساسية عرض الحائط، والذي يقدم لك المعلومة الدقيقة الصحيحة، ولن أذكر أي اسم لأن هذا يرجع إلى اهتماماتك، ولأن لك رأيك الخاص.
 

5- تعلم أن تكتب ولو سطرا عن أي كتاب قرأته، وسواء احتفظت به لنفسك، أو نشرته على الملأ فإن كتابتك عما تقرأ مفيدة كثيرا، وجرب بنفسك، مع صبر عليها!
 

6- النقاشات حول الكتب في فضاء الإنترنت جيدة ومشجعة، ولكن من المهم، بل أهم منها، أن يكون هناك نقاش وحوار إنساني مباشر، مشافهة بينك وبين شخص آخر، فالقراءة عملية يجب أن تزيد الروابط الإنسانية، لا أن تجعل حوار القارئ مع القارئ في العالم الافتراضي فقط.
 
7- ابتعد عن المقارنة شرط المواصلة؛ وأنا كنت أشعر بنوع من الخسارة حينما أرى من قرأ في سنة عددا من الكتب، لم أقرأ نصفها، أو ممن تمكن من إنهاء سلسلة كاملة، أو ممن قرأ أعمالا كثيرة لكتبة كبار، أقول خسارة، ربما امتزجت بغبطة أو غيرة أحيانا، ثم تخلصت من هذا الشعور، بفضل الله وتوفيقه..

وانكشف لي أن المواصلة هي الأهم في القراءة، وأنه قد ينفتح لك وتكتشف وتستفيد أكثر ممن ترى أنه بزّك كما ونوعا في قراءاته؛ وانظر إلى الأمر كالطعام، أولو لم تأكل مقدار ما أكل فلان من الناس، تكون قد خسرت مثلا؟ لا طبعا، ولكن اجعل المقارنة لا بالعدد ولا بالنوع، بل اجعلها حافزا على المواصلة، وفق قاعدة القليل الدائم، فلك ظروفك ومشاغلك، وأيضا لك مزاجك الذي مهما روّضته وهذبته سيظل عاملا مؤثرا، فإن تواصل القراءة ولو شيئا قليلا يوميا، مع كثرة مشاغلك، وتقلب مزاجك لهو إنجاز كبير، يضاهي في حالتك من تراهم التهموا عشرات الكتب في السنة!
 

8- حاول المزج بين نصك الذي تقرأ ومادة مضاهية مسموعة أو مرئية؛ فمثلا في موضوع السيرة النبوية، لو سألتني مم استفدت اكثر من كتب السيرة أو من برامج متلفزة حولها، لقلت لك بأنهما يكملان بعضهما بعضا ولا يغني أحدهما عن الآخر، وكل البرامج الوثائقية لا تغنيني عن أدب الرحلات، ربما هذا صعب، ولكن طبقه ولو جزئيا، فإذا كان الحديث يدور عن كتاب النقاش المتلفز حوله ساعة، تابع ولو دقائق معدودة، واقرأ الكتاب وسترى النتيجة.
 

هذا ما أراه في القراءة بصراحة، وهو قابل للزيادة والنقصان، والقبول والرفض، وبالتأكيد التجربة هي الحكم.

سري سمّور