ماذا لو صدق المجتمعون لمرة واحدة؟، كثيرة هي اللقاءات التي جمعت الفرقاء على طاولة المصالحة الوطنية، والكثير منها قيل فيها ما قاله مالك في الخمر بل وزادوا عليه، فدوماً ما وصفت اللقاءات بالبناءة والايجابية وأنها حققت تقدماً ملموساً في فك شفرة الانقسام، وتسابق المجتمعون في مرات عدة ليزفوا للشعب المغلوب على أمره بشرى التوافق وأن الانقسام بات خلف ظهورنا، وغلفوا ذلك بإبتسامة استحضروها على عجل كي تضفي على محياهم شيئاً من المصداقية التي هجرتهم خلال السنوات الماضية، وقبل أن نلتقط فحوى الأخبار السارة نصحوا في اليوم التالي على وقع خطوات الانقسام وهو يضرب بقدمية أديم الأرض، لنعود بعدها نجمع حسرتنا من خدعة جديدة كنا ضحاياها.
الثلوج في موسكو لم تمنع المجتمعين فيها من ممارسة لعبتهم، قالوا أن اللقاء دافئ وتم الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية، تكفي تلك الجملة لدغدغة عواطف المتلقفين لأخبارهم، ويمكن لهم الانشغال في حل كلماتها المتقاطعة إلى أن يكتشفوا الخطأ المطبعي، وكي لا يحلق المجتمعون بنا فوق سحابة صيف عابرة ونعاود الارتطام بالفشل من جديد، سيما بعد التجارب المريرة السابقة التي عشنا فصول كل منها على حدة بقسط وافر من التفاؤل على قاعدة تفاءلوا بالخير تجدوه، فلم نحصد سوى المزيد من الخيبة، من حقنا أن نسألهم عن فحوى اتفاقهم كي لا تصدمنا مستقبلاً حكومة الوحدة الوطنية بحملها الكاذب، كل ما نعرفه أن الاجهاض المتكرر لحكومة الوحدة الوطنية جاء بفعل برنامجها السياسي، فهل يعني توافقكم على تشكيل حكومة وحدة وطنية أنكم توصلتم إلى دواء لذلك الداء؟، وطالما الأمر يتعلق بحكومة وحدة وطنية تشارك فيها الفصائل والقوى الفلسطينية فهل اتفقتم على نصيب كل منها من ميراث حكومة الوفاق أم أن الاشتباك حول التركة سيطيح بها أرضاً قبل أن ترى النور؟.
قبل اتفاق موسكو طل علينا اتفاق آخر من عاصمة اخرى "بيروت"، الاتفاق يتعلق بمسألة لا تقل تعقيداً عن ملف الانقسام وتداعياته تتعلق بعقد جلسة للمجلس الوطني، الاتفاق حول ذلك جاء عبر جملة مقتضبة تتعلق بعقد جلسة لمجلس وطني جديد، لم يقل لنا المجتمعون ما الذي تعنيه كلمة جديد، هل نفهم من ذلك أن المجلس الوطني الحالي بات نسياً منسياً وأننا سنشرع عما قريب بماراثون حواري لتحديد نصيب كل فصيل من أعضائه؟، أم أن الأمر يتعلق بتجديد جزئي يمكن القوى الفلسطينية من خارج منظمة التحرير الانخراط فيها؟، كم هو رائع أن يتفق المجتمعون على عقد المجلس الوطني من خلال الانتخاب كلما أمكن ذلك والتوافق حيث يتعذر الانتخاب، بقدر ما تحمل تلك القاعدة قوة لا يستطيع أحد الافلات من جاذبيتها، إلا أن المجتمعين قبل غيرهم يعلمون جيداً أننا فشلنا عبر السنوات السابقة في اجراء الانتخابات في الأماكن التي يمكن اجراء الانتخابات فيها، فكيف الحال بالتجمعات الفلسطينية في الشتات؟، ألا يجدر بالمجتمعين التخلي عن استخدام الانتخابات لتجميل الصورة؟، أليس من المفيد لنا جميعاً أن نتحدث بشيء من المصداقية بعيداً عن لي عنق الحقيقة.
طالما أن المجتمعين اتفقوا على عقد المجلس الوطني، ليتهم يفصحوا لنا إن تمكنوا من تجاوز معضلة برنامج المنظمة والاتفاقات الموقعة أم أنهم أبقوا عليها كصاعق تفجيري يتم الاستعانة به وقت الحاجة من قبل هذا الفريق أو ذاك، والأمر الآخر هل نريد مجلساً وطنياً نفك به الالتباس القائم في العلاقة بين منظمة التحرير والسلطة الوطنية أم نكرس به الوضع القائم.
المؤكد أن بضاعتهم لم تعد تلقى رواجاً والأهم أنها منتهية الصلاحية، وبات من الواضح انهم لا يكذبون بل يتكاذبون.
بقلم/ د. أسامه الفرا