مأزق حماس ومبادرات دحلان

بقلم: محمد أبو مهادي

التظاهرات الاحتجاجية المطالبة بالكهرباء في قطاع غزة كادت أن تتفجر في وجه حماس وتعصف بحكمها في قطاع غزة، لولا الدور الذي قامت به الفصائل الفلسطينية والوساطة المتكررة منها في كل مرّة ينهض فيها الشعب بإتجاه مطالب سياسية أو إجتماعية معيشية تأتي على شكل موجات غضب تستمر أيام وتخبوا، تخبوا ليس لزوال أسبابها، بل لمجموعة من العوامل ساعدت في نزع صواعق التفجير، منها ما هو مرتبط بطبيعة الحكم القمعي الذي تمارسه حماس بحق كل من يختلف معها، والتجارب في ذلك كثيرة، ومنها عدم توافر نيّة عند الفصائل بإحداث تغيير جدّي في نظام الحكم في قطاع غزة، الفصائل تعلم أن سقوط حماس في قطاع غزة يعني سقوطاً لحكم محمود عباس في الضفة الغربية، حيث تتشابه الظروف ببعديها الديمقراطي الإجتماعي والأمني السياسي في كلٍ من الضفة الغربية وقطاع غزة، وإسرائيل والمانحين لا يرغبون بإنهاء مشروع سياسي يحقق قدر كبير من الإستقرار في العلاقات الأمنية مع الإحتلال، بتكاليف أقل بكثير من تكلفة التواجد المباشر للإحتلال الإسرائيلي داخل الأراضي الفلسطينية، بقاء السلطة والحرص على عدم انهيارها مصلحة إسرائيلية فصائلية فلسطينية مشتركة، ولنا في ذلك حديث آخر فيما بعد.

منذ فترة أعلن خالد مشعل رئيس حماس أن حركته أخطأت في الحكم لقطاع غزة، لكنّه لم يكمل بماذا أخطأت وأغفل شكل معالجة هذا الخطأ، أن يقول ذلك فهو أمرً جيّد، لكن أن يغفل بأنّ خير الخطّائين هم التّوابون، عندها يصبح الأمر استهبال سياسي يسوقه على أعضاء حركته وأنصارها وعلى أبناء الشعب الفلسطيني، هو يعلم أن الإعتراف بالخطأ فضيلة عندما يبدأ بسلسة خطوات لإصلاحه، أمّا أن يقوم بعكس ذلك حينها يصبح الأمر تحدي لعقل الناس وحاجاتهم الأساسية في العيش الكريم الآمن الخالي من أشكال الترهيب بحق مجاهرين من حركته لم يعجبهم تردي الحال، وبحق متظاهرين باحثين عن فرصة للحياة، فما حصل بعد تظاهرات مخيم جباليا وملاحقة المئات من نشطاء الحراك الشبابي ومداهمة بيوتهم ومصادرة حواسيبهم وتفتيش خزائن أمتعتهم ووصفهم بالمخربين (وصف أطلقه الإحتلال ضد المناضلين)، كل ذلك ممارسات تفيد أن اعتراف مشعل لا يعدو كونه محاولة منه للظهور بعباءة الحكمة والرزانة وهرباً متواصلاً من إستحقاقات الحكم في غزة.
خلال عشر سنوات من حكم حماس نفّذت الأجهزة الأمنية التابعة لها آلاف الإعتقالات، اعتدت على النساء والأطفال والإعلاميين ونشطاء حقوق الإنسان، وقامت بتهديد كل من اختلف معها تقريباً، حتى الذين انتقدوها من داخلها، واعتقلت بعض من تركوها، وغامرت بثلاث حروب مع إسرائيل ورفعت جملة مطالب من بينها إقامة ميناء وفتح المعابر وفك الحصار عن قطاع غزة، تركت خلفها مآسي وحصلت على خفّي حنين، فالإحتلال أوسع الشعب قتلاً وترويعاً وفازت حماس بالخفّ، واستمرت في دعابة الإنتصارات وعقود تصدير الصواريخ حتى فترة قريبة من الإنتشار الكبير لأجهزتها الأمنية في جميع حواري قطاع غزة، بعد أن أيقنت أنها وانتصاراتها وصواريخها في مهبّ الريح أمام غضبة شعب يريد أن يرى النور.

كل المجد للشهداء والجرحى والمعتقلين، لمن كان هدفهم الأساسي مقارعة الإحتلال ونصب الكمائن لمجرميه على حدود غزة وأكثر من مكان، أرفع القبعة وأنحني لمناضلين أمضوا أياماً في نفق لا زاد فيه ولا شراب، امتلكوا إرادة المقاتلين وعزم الصابرين، تزنروا بالعزّ والكبرياء، وحفظوا عن ظهر قلب وصايا الشهداء وأحلام الأحياء، هم ليسوا في معرض مقالي، بل هي قيادتهم السياسية التي أغمضت عينها عن مقتضيات الحكم والإدارة، وحوّلت حياة مليونين من الفلسطينيين إلى جحيم، وأضافت إلى المأساة كوارث، ونكثت عهدها الانتخابي مع الشعب، فرضت الضرائب والجزية على المواطنين، وتركت آلاف المتعطلين عن العمل بلا أمل، حتّى أنها لم تعد تقوى على تسديد رواتب موظفي حكومتها، وسلمتهم بدلاً من الراتب هراوة ينزلون بها على رؤوس المحتجين المطالبين بالكهرباء.

لا يمكن أن تحكم شعباً بالشعارات وبعض البطولات، ولا بهراوات أجهزة القمع والتنكيل، جميعها لا تأت بسلة غذاء لعائلة يستفرد بها الفقر والجوع والعتمة، ولا تسدد رسوم جامعية لطالب حُجزت شهادته لحين استكمال دفع الرسوم، ولا توفر سرير لمريض ضاقت به مشافي غزة وعجز أطباءها عن تشخيص العلاج، لن تفتح مشفاً جديداً ولا تمنح فرصة عمل، هذا ما أدركه بعض قيادات حماس الذين يواجهون صعوبة التعبير عن موقفهم داخل حركة أخطأت في تعبئة كوادرها، ورهنت سياساتها بأجندات مع قطر وتركيا، اللتان خذلتاها في أكثر من موقف، سياسياً ومالياً وأخلاقياً، حتّى خلال الحرب على قطاع غزة لم يكن لهما دوراً مهماً في وقف الجريمة الإسرائيلية التي فاقت كل الجرائم، وتركتا غزة تنزف من كل جسدها، قدّموا الوعود في وسائل الإعلام وجاءوا لغزة بإتفاق تطبيع تركي مع دولة الإحتلال وراتب شهر خاضع للرقابة ويستثنى منه عشرات الموظفين.
الحالة في غزة التي تتحدث عن نفسها بالأرقام والصور والحكايا، هي المأزق الحقيقي لحركة حماس، إذا ما استثنينا من جملة مآزقها العلاقات مع دول الجوار العربي، وانتكاسة الإخوان المسلمون حيث أطاحت بهم الشعوب، والتغيرات الكبيرة على الموقف التركي بعد ترتيباتها الأخيرة مع روسيا والموقف المعلن للرئيس الأمريكي الجديد ترامب من حركات الإسلام السياسي، وقبل كل ذلك الحالة الوطنية الفلسطينية المبكية بعد ما وصل إليه النظام السياسي الفلسطيني من هشاشة وعجز، كل ذلك دفع الحكماء في قيادة حماس بالتعامل الجدّي مع مبادرات القيادي الفلسطيني محمد دحلان، ليس بوصفه أحد مسارات المراوغة التي يستخدمها بعض قيادات حماس في الضغط على الرئيس محمود عباس، بل لأنه حقيقة يمتلك حلولاً لجملة من مشكلات قطاع غزة، وحلولاً للعلاقات الشائكة التي تورطت بها حماس مع النظام العربي الرسمي.

لا تمتلك حركة حماس الكثير من الوقت لتقوم بخطوة ثورية تحدث تغيير، تتغلب بها على الإتجاه القطري داخلها، حيث ورّط الحركة في صراع لا ناقة لحماس فيه ولا جمل، وتلجم فيها عبث رئيسها "المنتهية ولايته" الذي أقرّ بالخطأ ويرفض دفع الثمن، ويناور حتّى اللحظة الأخيرة من أجل إفشال أي تفاهمات بين حماس ومصر والتيار الإصلاحي في حركة فتح، لعلّ زيارة القيادي في حماس إسماعيل هنية لمصر حالياً تضع حداً لمأزق السياسة والحكم عند حماس، تساعد في التخفيف من مآسي غزة، سنرى ونكتب.

بقلم: محمد أبو مهادي
[email protected]