كانت ميشيل أوباما السيدة الأمريكية الأولى منذ 2009 وحتى بداية عام 2017م، فهي زوجة الرئيس الأمريكي الرابع والأربعون “باراك أوباما”. ركّزت ميشيل أوباما اهتمامها على العمل الاجتماعي، وتشجيع الشباب على العمل في المجالات الاجتماعية. تفانت السيدة السمراء خلال مسيرتها في البيت الأبيض وخارجه في نشر قيم الحب والتسامح والسلام ونبذ العنصرية بين فئات المجتمع وتحدت التوقعات والحدود المرسومة.
كانت ميشيل أول سيدة لأمريكا من أصول أفريقية، وقد ساندت زوجها في الانتخابات الرئاسية لتجعل منه شخصية لها وزنها في الولايات المتحدة الأمريكية. وما لبثت بعدها حتى برزت كإحدى رموز الإرادة الإنسانية تجاه الشعوب، ساعدها في ذلك كونها إمرأة قوية مستقلة، ونموذجاً للمرأة القيادية ساعدها على هذا دراستها للحقوق، وأنها شغلت العديد من المناصب في مؤسسات تعنى بالتنمية المجتمعية، وحقوق الأقليات، واتسمت مسؤوليتها الاجتماعية بالوضوح والاصرار على التنفيذ.
ومن اللافت أن الدور الحقيقى لهذه السيدة في السياق الاجتماعي لم يتوقف عند حد الظهور فى المناسبات الرسمية وتطبيق البروتوكولات الرسمية، بل كانت منارة في العديد من القضايا الهامة، حيث كانت مثال يحتذى به في سياق القيادة المجتمعية الموازية للحياة السياسية للشعوب متسلحة بالعظمة الإنسانية والتي تركز على العمل الخيري، والتنمية والتطوير والعدالة الاجتماعية.
وعلى مدار سنوات وجودها في البيت الأبيض؛ تركزت جهود ميشيل أوباما في العديد من المجالات من خلال إطلاق العديد من المبادرات تتضمن حملات توعية بشأن الفقر، البيئة، الصحة وغيرها، والتي توصف بالخطوات العملاقة، والتي ربما تكون ملهمة للكثيرين الذين يريدون مستقبلاً أفضل لمجتماعتهم. تركزت أبرز هذه الجهود على المجالات التالية:
1. التعليم: هدفت جهودها في هذا الجانب أن تجعل أمريكا ذات أعلى نسبة تعليم في العالم بحلول عام 2020، وذلك من خلال التركيز على تشجيع الشباب على التمسك بالتعليم الجامعي أو المهني من أجل مستقبل أفضل من ناحية، ومن ناحية أخرى دعم تعليم الفتيات من كافة الأطياف وتحديداً القاصرات اللواتي لديهن ظروف تمنعهن من الإلتحاق بالتعليم ومواصلة مسيرتهن التعليمية، بما يؤهل الفتيات عامة بالمطالبة بكافة حقوقهن مستقبلاً وتمكينهن بما يساعد على رعاية طموحهن ومواصلة تطوير أنفسهن من أجل محاربة الجهل والأمية وإمكانية تنمية الذات وتوفير حياة كريمة. لم تكن الدعوة مقتصرة على فتيات أمريكا، وإنما كانت رسالة موجهة لتشجيع ما يزيد من 60 مليون فتاة حول العالم وبالأخص الدول النامية في أفريقيا، وعدد من الدول العربية كالمغرب والأردن ودول من الخليج العربي، من أجل الاهتمام بالبنية التحية للتعليم، ومحاربة الفقر، وعدم ربط ثقافة المحافظة بمنع الفتيات من الحصول على حقهن في المعرفة وجودة التعليم.
2. المرأة: كانت المرأة هي الشغل الشاغل لميشيل طوال فترة حكم أوباما، وحازت على نصيب كبير من اهتمامها، حيث كانت تتحدث بشكل ملموس عن المرأة، ودعمها معنوياً، وعن دورها الريادي في تغيير المجتمع نحو الأفضل ونبذ الظلم الاجتماعي عنها. احتل الدفاع عن حقوق المرأة وتعزيز المساواة بين الجنسين ومكافحة التمييز والعنف القائم على نوع الجنس الذي تتعرض له النساء أولويات السمراء، وقد دعمت استصدار عدة قوانين تضمن حقوق المرأة منها قانون مساواة الأجور، وقانون الرعاية الصحية. كما طرحت على مدار سنوات طويلة عدد من المبادرات التى تدعم تعريف المرأة بحقوقها ومساعدتها على التمكين والدفاع هذه الحقوق في المجتمع من مختلف النواحي العملية والتعليمية والقانونية. بالنظر إلى كمية العطاء لدى شخصية ميشيل نرى أنها شكلت دافعاً قوياً للمرأة لإثبات وجودها وتعزيز دورها كأم وموظفة وقيادية قادرة على خلق التنمية والتطوير في الوقت نفسه.
3. الشباب: قادت ميشيل أوباما برنامج "القيادة غير الربحية" التي ساعدت به الشباب على المنافسة، وتطوير مهاراتهم بما يتناسب مع مهن المستقبل وإعداد الشباب لتحقيق الاستفادة القصوى من العالم الرقمي وإمكانات التكنولوجيا غير المحدودة في حياتهم المهنية والاجتماعية والشخصية وخاصة في ظل التطور التكنولوجي الرهيب الذي يشهده العالم، حيث أصبح عالم الشباب ساحة متراكبة تجمع بين تقنيات التمكين والحماية الإلكترونية، وتوفر كم هائل من البيانات، والواقع المدمج، ووسائل الاتصال المحفزة بين أطراف العالم. شجعت أوباما الشباب على التفكير النقدي والإبداع والابتكار، علاوة على تعزيز التماسك الاجتماعي واحترام قيم وتراث المجتمع، والتفاعل البنّاء مع المجتمعات الأخرى.
4. الصحة: لم تغفل جهود ميشيل برامج الرعاية الصحية، فقد تصدر أعلى جدول أعمالها برنامج صحة الأطفال، ومكافحة السمنة في مرحلة الطفولة، وذلك من خلال جهد وعي يستهدف الوعي العام من أجل تطبيق أحدث الممارسات الناجحة في هذا المجال بما يساعد على تطوير عادات صحية مدى الحياة. وقدمت ميشيل أوباما الكثير من التدريب من أجل نقل الخبرات في هذا المجال إلى دول العالم وتحديداً النامي حول السياسات في المجال الصحة والمعايير الغذائية وإلاصلاحات لبرنامج الغذاء مساهمة في تحسين صحة الأطفال، وحمايتهم من الجوع، وسوء التغذية، وتحسين العادات السلوكية الغذائية.
تعتبر ميشيل أوباما شخصية قيادية بامتياز على مستوى العالم ونموذجاً لزخم العمل على كافة الأصعدة، إلى جانب أنها رمزاً للمطالبة بالحقوق ومثالاً يحتذى به في محاربة العنصرية والظلم والاستبداد، مقدمةً صوراً من النضال السياسي والاجتماعي. إنها احدى مشاعل العطاء المتواصل وشخصية مبادرة في الفعالية والنجاح لا يستهان بها، مؤمنة بقدرتها على التغيير المجتمعي. تستحق هذه الشخصية أكثر من وسام شرف وتقدير، حيث تمكنت من إنجاز مبادراتها الريادية والأعمال المشهودة لها في الولايات المتحدة والعالم ليس فقط على الصعيد النسائي فقط وإنما في الجانب الإنساني في المجتمع الأمريكي وخارجه.
ما أحوجنا اليوم في مجتمعنا الفلسطيني إلى تكرار نموذج هذه الشخصية البارعة، تكون ذات شأن في العالم تحرز تطوراً في مختلف المجالات، وتضيف تدخلاً جديداً على التنمية المجتمعية محلياً مستفيدة من الخبرات العالمية في مجال تحقيق السلام المجتمعي الشامل، وتعمل على تبني مبادرات وبناء شخصيات قيادية لامعة تُلهم الأخرين وتعنى بالتغيير المجتمعي نحو الأفضل، وتساعد على النهوض بالمجتمع على أساس النوع الاجتماعي ونبذ العنف والتمييز وتنمية وتطوير الشباب وتعزيز الحقوق والحريات وانصاف المرأة وتقديم الدعم لها لما تعانيه من تحديات، إلى جانب حقوق الأقليات كذوي الاحتياجات الخاصة وغيرها، فضلاً عن المساهمة في إبراز القضية الفلسطينية على الأجندة العالمية في مختلف المحافل الدولية بصورة مميزة.
بقلم/ أ. سلوى ساق الله