في ذروة الانتخابات الأمريكية أعلن المرشح آنذاك "دونالد ترامب" أمام منظمة "ايباك" اليهودية عن عزمه نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، حتى يكسب مزيدا من الأصوات اليهودية، وهو يستند في ذلك على القانون الأمريكي الذي سن من قبل مجلس الشيوخ ومجلس النواب الأميركيين في جلسة الكونجرس عام 1995. بعد الرسالة التي وجهها 93 عضوا من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي في آذار 1995 إلى وزير الخارجية "وارن كريستوفر" يحثونه فيها على البدء في التخطيط لنقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس.
ومنذ عام 1995 تعاقب على الرئاسة الأمريكية عددا من الرؤساء الذين لم ينفذوا هذا القانون، خوفا على مصالحهم الحيوية في العالم العربي، وخوفا من ردة الفعل الفلسطينية والعربية وتأثيرها على إسرائيل وعلى المصالح الأمريكية.
وفي نفس العام الذي صدر فيه قانون نقل السفارة، أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر/ كانون الأول 1995، مجددا على أن القرار الذي اتخذته إسرائيل قبل 15 عاما بفرض قوانينها على القدس غير شرعي. وأكدت على عدم صلاحية القانون الأساسي الذي صوت عليه البرلمان الإسرائيلي "الكنيست" في عام 1980 الذي أعلن القدس عاصمة موحدة لإسرائيل. وهي بذلك تعتبر الجمعية العامة أن فرض إسرائيل لقوانينها وقضائها وإدارتها على المدينة المقدسة غير شرعي وهو لذلك لاغ وباطل ولا صلاحية قانونية له، كما نددت الجمعية العامة أيضا بنقل بعض الدول بعثاتها الدبلوماسية إلى القدس خلافا للقرار 478 الذي تبناه مجلس الأمن في عام 1980. وقد صوت على قرار الجمعية العامة 133 دولة، وامتنعت 13 دولة من بينها الولايات المتحدة عن التصويت، وعارضته دولة واحدة هي إسرائيل.
وبعيدا عن الموقف الأمريكي وتراجع "ترامب" عن نقل السفارة، وعن موقف القانون الدولي من نقل السفارة. نؤكد أن السفارة الأمريكية المزمع إنشاؤها في القدس ستقام على أراضي فلسطينية مسروقة، مثل باقي أرضي فلسطين.
وفي الأيام الأخيرة لرئاسة الرئيس الأمريكي ريغان، في 18 يناير عام 1989، وقّع السفير الأمريكي لدى إسرائيل "ويليام براون" ومدير دائرة أراضي إسرائيل "موشيه غات" على اتفاق لتأجير إسرائيل للولايات المتحدة قطعة الأرض في القدس. وقد جاء في الدراسة التي أعدها الدكتور وليد الخالدي ونشرها عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية، أنه في عام 1989، وقعت الحكومة الأمريكية عقدا مع حكومة إسرائيل باستئجار قطعة من الأرض في القدس تبلغ مساحتها نحو (31.250) م2 بالحوض رقم (30113) بالقسيمة القديمة رقم (10، 11، 17، 20، 21، 22) ويبلغ سعر إيجارها دولارا واحدا سنويا للمتر، ويسري العقد لمدة 99 عاما قابلا للتجديد، شريطة أن تقيم أمريكا على هذه الأرض منشأة دبلوماسية أمريكية في القدس الغربية.
وهذه الأرض التي تم استئجارها تقع في منطقة كانت تعرف "ثكنة أو معسكر اللنبي" أي موقع الحامية العسكرية البريطانية في عهد الانتداب البريطاني، وطلبت أمريكيا من إسرائيل وقت إبرام العقد، أن يظل الهدف من العقد غير معلق ومبهم، كما طالبت إسرائيل أمريكا بتعهد صريح بأن مشروع نص العقد سيكون سفارة.
وقد استطاع د. الخالدي والفريق العامل معه في القضية، إثبات ملكية موقع الأرض المخصصة لبناء السفارة الأمريكية بالقدس الغربية، بأن 70% من مساحة الأرض ملكية خاصة لـ76 لاجئا فلسطينيا من الملاك الأصليين للأرض وأصبح لهم ضمن ورثتهم 90 مواطنا أمريكيا من أصل فلسطيني، (أي يعيشون في أمريكا ويحملون جنسيتها)، والجزء الباقي من مساحة الأرض وقف إسلامي صادرته إسرائيل في عام 1948م. وبلغ مجموع عدد ورثة الملاك الأصليين لهذه الأرض استنادا إلى قانون الإرث الإسلامي (1000) وارث.
وتؤكد الدراسة، أن الأرض التي تعرف بمعسكر اللنبي، هي أرض كانت مؤجرة من ملاكها الفلسطينيين إلى حكومة الانتداب البريطاني، وقد حصلت الدراسة على اتفاقيات إيجار بين حكومة الانتداب البريطانية والملاك الفلسطينيين لقسائم هذه الأرض متضمنة عروض دفعات الإيجار التي قدمها البريطانيون إلى الملاك الأصليين، فضلا عن وجود شهادات تسجيل لهذه القسائم وفقا للسجلات العقارية العثمانية والانتدابية البريطانية وخرائط عثمانية وبريطانية لموقع قسائم هذه الأرض محل النزاع التي تدعي إسرائيل ملكيتها بعد شرائها من البريطانيين. وظلت مراسلات دفعات الإيجار من الحكومة البريطانية للملاك الفلسطينيين الأصليين حتى نهاية الانتداب البريطاني في مايو عام 1948، وقد سددت دفعات إيجار من البريطانيين حتى يوليو 1951 وبذلك توجد مستندات للاعتراف البريطاني بالملكية الفلسطينية للقسائم المذكورة والمستأجرة في هذا الحوض.
وبهذا نؤكد أن الأرض التي تستأجرها الولايات المتحدة لإقامة سفارتها في القدس هي أرض مسروقة كباقي الوطن من أصحابها الشرعيين، وهذا مخالف للقوانين الدولية واتفاقية جنيف الرابعة التي وقعت عليها الولايات المتحدة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ناهـض زقـوت
كاتب وباحث، مدير عام مركز عبد الله الحوراني للدراسات والتوثيق.