ملاحظات على قناة الميادين بعرض الفليم الوثائقي .. القنطار الى نهاريا ..

بقلم: عباس الجمعة

بكل تأكيد كنا نتمنى على قناة الميادين التي تشكل محطة مهمة على مستوى الاعلام العربي ، فكانت بالنسبة لنا هي محطة عربية بكل امتيازمن خلال احتضانها لقضية فلسطين ، وكنا نتطلع الى اهمية الفليم الوثائقي " القنطار الى نهاريا " والذي استضاف العديد من الشخصيات الوطنية اللبنانية مع حفظ الالقاب وعائلة الشهيد الذين تحدثوا عن سميرالقنطار الذي انتمى للجبهة في سن الثالثة عشرة من عمره، ولكن كان على المشرفين على هذا الفيلم الوثائقي ان يسعوا الى استضافة قيادة الجبهة باعتبار ان عملية نهاريا البطولية ، عملية الشهيد القائد جمال عبد الناصر هي جزء مهم في تاريخ جبهة التحرير الفلسطينية النضالي ، لأن ما قدموه ابطال هذه العملية هو نموذج نضالي لا يمكن أن تمحوه السنين والأيام، واليوم هم يعيشون في قلب وضمير كل المناضلين ، حيث كانوا شعلة النضال واناروا بدمائهم ارض فلسطين ، فهذه العملية الفدائية الجريئة، التي قام بها ابطال الجبهة انذاك كانت ردا على توقيع اتفاقية كمب ديفيد وعلى اغتيال عضو المجلس المركزي لجبهة التحرير الفلسطينية الشهيد القائد جهاد حمو وعلى العدوان الصهيوني المستمر على جنوب لبنان ، وللمطالبة باطلاق الاسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال ، حيث استشهد فيها عبد المجيد اصلان ماجد ومهنا سليم المؤيد ، شكلت منارة مضيئة في توحيد الشباب العربي من خلال الانتماء لقضية فلسطين.

من هنا اقول ذات ليلة ربيعية شديدة السواد فالقمر يتجنبه عشاق السلاح العابرون نحو الوطن فكان 22 نيسان من العام 1979 ، وقف الشهيدان القائدان ابو العباس وسعيد اليوسف على الشاطئ ليودعوا ابطال العملية بعد ان ودعهم الشهيد القائد طلعت يعقوب وهبط القارب في البحر حاملا ابطال عملية نهاريا البطولية من وحدة الرواد الخاصة في جبهة التحرير الفلسطينية ، ابطال عملية الشهيد القائد الخالد جمال عبد الناصر ، حيث تمكن ابطال المجموعة من الوصول الى الشاطىء الفلسطيني المحتل، ليخوضوا معركة شرسة مع قوات العدو ، على الساحل الفلسطيني في “نهاريا” حيث هزت كيان الغزاة، لم تكن “مغامرة” ولا ردة فعل آنية، بل كانت حلقة في سلسلة متكاملة من المواجهات المسلحة مع العدو في أكثر من مكان، قامت فيها جبهة التحرير الفلسطينية، داخل الوطن المحتل، وعبر الحدود التي رسماها “سايكس و بيكو” ، وتمكن ابطال المجموعة في ذاك الوقت من احتجاز عدداً من الرهائن، وطالب ابطال المجموعة بإطلاق سراح الاسرى في سجون العدو، لكن العدو الصهيوني، لم يبال بأسراه، فشن هجوماً كبيراً على هؤلاء الابطال، ومعهم الرهائن، حيث استطاع ابطال المجموعة أن يكبدوا العدو خسائر فادحة، قبل أن تصعد أرواح اثنين من ابطال المجموعة إلى السماء واصابة القائد سمير القنطار ورفيقه احمد الابرص اصابات بلغة واسرهم من قبل الاحتلال، فصمد االبطل سمير رغم الجرح النازف ووجه المحققين الصهاينة بكل جراءة رغم صدور الاحكام العالية عليه ، فابطال عملية نهاريا اناروا درب الحرية والاستقلال والعودة .

ومن هنا كان واضح المؤتمر الصحفي الذي عقده الرفيق القائد الشهيد ابو العباس في بيروت حول العملية وما نقلته جريدة السفير ، فصمود سمير القنطار في الاسر شكل نبراسا مضيئا لكل المناضلين مع رفيق احمد الابرص الذي حرر بعملية تبادل عام 1985 ، ولكن صمود سمير

ومواقفه البطولية خلال ثلاثون عاما حتى اصبح رمزا من رموز الحركة الاسيرة المناضلة ، رغم محاولات الجبهة عبر عدة عمليات لاطلاق سراحه ومنها عملية اكيلي لاورو وعملية القدس البحرية ، التي قدمت خلالها الجبهة الشهداء الذين اصبحوا عناوينها وانوارها الساطعة، فشجرة الثورة والصمود والمقاومة كانت تسقيها على الدوام دماء الشهداء، فضلا عن عرق المقاتلين والمناضلين الثوريين، وبتضحياتهم الجسام بقيت فلسطين شعبا وقضية حاضرة بقوة في كل الميادين والمحافل، ولم يستطع العدو االصهيوني رغم كل مؤامراته وعدوانه المتواصل على الشعب الفلسطيني أن يحجب شمس المقاومة او يكسر ارادة هذا الشعب العظيم، وما زالت راية فلسطين خفاقة بإنتظار اشراقة شمس الحرية واستعادة الحقوق الوطنية.

امام كل ذلك لم نسمع اي ذكرى ودور للشهيد القائد ابو العباس او القائد سعيد اليوسف في هذه العملية البطولية من قبل من استضافتهم القناة ليتحدثوا باسم جبهة التحرير الفلسطينية عن العملية ، وكنا نتمنى على قناة الميادين استضافت قيادي من الجبهة من رافق الشهيد سمير بمرحلة النضال والاسير المحرر احمد الابرص ، لأن الشهيد القائد الاستثنائي سمير القنطار ترك وراءه إرثاً عظيماً ومسيرة مشرفة نفتخر بها، كما ترك وراءه اجيال من المناضلين الأشداء الذين حملوا الامانة ولا زالوا يواصلون طريق المقاومة والنضال، من أجل فلسطين، ومن اجل الحقوق الوطنية.

ان مسيرة الشهيد القائد ابو العباس وكل القادة والمناضلين ستبقى مسيرة العطاء في عقول الذين ساهموا في هذه التجربة الكفاحية الطويلة للثورة الفلسطينية ، والوفاء لذلك يستدعي العودة منا الى استخلاص التجارب والدروس والعبر الوطنية ، بما يخدم نضالنا الوطني في الوقت الراهن.

ان فلسطين بهذه العمليات البطولية الذي انتمى اليها المناضلين الفلسطينيون والعرب والاحرار من اصقاع العالم ، اكدت على اهمية العمق العربي للثورة الفلسطينية، وكان هذا ينعكس إيجابا على معنويات المقاتل الفلسطيني، عندما يرى ان الشعوب العربية ومناضليها مستعدون للتضحية في سبيل فلسطين.

إن انتصار المقاومة في لبنان هو انتصار للمقاومة في فلسطين ، وانتصار للمواجهة والتصدي للمشروع الاميركي الصهيوني في المنطقة، هذا الانتصار الذي يصبّ ضمن تيار التوجيهات الاستراتيجية التي ناضلنا من أجلها طويلاً، ومن اجل ترسيخها. فالحقوق تُنتزع ولا تعطى مجاناً والسلام العادل لا يصنعه إلا الأقوياء.

لقد هزم الشهيد القائد سمير القنطار العدو الصهيوني بأسره في عملية نهاريا البطولية وتحرره في صفقة الوعد الصادق وبنضاله على جبهة الجولان وبأستشهاده في سوريا ، حيث أعطى حافزاً وقوة دفع هائلة، لكي نقف أمام تطوير تجربة المقاومة وحمايتها عبر هذا الصراع المفتوح، وشكل نافذة أمل ونور في لحظة ليل حالك، فأعاد ضخّ الدماء إلى العروق ، كما رفع رأس الأمة العربية عالياً، وستبقى هذه التجربة القاسية والمؤلمة التي خاضها الشهيد سمير القنطار مصدر فخر واعتزاز لنا وللأجيال من بعدنا..

ان مرحلة صعود الحلم العربي الذي انتمى فيها المئات من الشباب العربي للثورة الفلسطينية المعاصرة اتت في مرحلة النضال القومي ، فكان القائد العربي الوفي لقضية فلسطين سمير

القنطار احد مناضليها ، حيث ضبط بوصلته إلى فلسطين، ورغم الإصابة والاعتقال لسنوات طويلة إلا أنه ظل مناضلاً صلباً وعنيدا متسلحاً بالإرادة والعزيمة والإصرار، مؤمناً بالمقاومة فكراً وقولاً وعملاً، وبحتمية الانتصار، وفياً لمبادئه التي سار على دربها بعد تحرره، حتى امتطى صهوة جواده مبكراً .

لقد شكّل الشهيد سمير القنطار مثلاً في الوفاء والتضحية، فأخذ مكانته عن جدارة في قلوب وضمائر شعبنا الفلسطيني وشعوبنا العربية، وإخوانه ورفاقه في كل الفصائل والقوى الوطنية والإسلامية الذين عاشوا معه في سجون الاحتلال.

ختاما : سنبقى دائماً اوفياء لمبادئ الشهيد القائد سمير القنطار وللقيم والاهداف الوطنية والقومية التي جسدّها مع رفاقه القادة الشهداء العظام طلعت يعقوب وابو العباس وابو احمد حلب وسعيد اليوسف وابو العز وجهاد حمو وكافة شهداء الجبهة، وجميع شهداء المقاومة في لبنان وفلسطين ، الذين ارتقوا في ميدان البطولة والكفاح من اجل تحرير الارض والانسان .

بقلم/ عباس الجمعة