بداية كنت لا اريد الخوض في سجل نقدي حول كتاب الرفيق المناضل صلاح صلاح الذي حمل عنوان من ضفاف البحيرة إلى رحاب الثورة، ولكن اردت ان اتوقف للحظة عما كتبه عن جبهة التحرير الفلسطينية ، فكأنه لم يعلم أن جبهة التحرير الفلسطينية، وباعتبارها جزءاً من واقع العمل السياسي الفلسطيني، أصابها ما أصاب باقي فصائل العمل الوطني الفلسطيني بعد الانشقثاق الكبير بعد الخروج من بيروت حيث وقف الشهيد القائد ابو العباس ليطلق صرخة احتجاج واضحة على محاولة تصفية منظمة التحرير الفلسطينية عام 1983 ، وحصل تباين في الجبهة بوجهات النظر ، إلاان الجبهة توحدت في المجلس الوطني الفلسطيني التوحيدي في الجزائر وتكاتفت ايادي الرفيقين الشهيدين القائدين طلعت يعقوب وابو العباس وسط تصفيق القادة الرئيس الرمز ياسر عرفات والحكيم جورج جورج حبش ونايف حواتمة واعضاء المجلس الوطني الفلسطيني ، ولكن مؤسف حقا ان يتناول وصف الجبهة انها فريق ابو العباس المنشق عن جبهة التحرير الفلسطينية،لهذا نقول ان ما تناوله السيد صلاح صلاح بوصف الجبهة انها فريق ابو العباس المنشق عن جبهة التحرير الفلسطينية ، هو أداة استفزاز ومجرد وسيلة على إدارة الظهر والعقل للتفكير الإيجابي والإبداعي، بطبيعة الحال النقد العلمي والرصين مطلوب تماما ، ولكن هناك فرق بين هذا النقد ، وبين مواقف تسيئ للنضال الوطني وتاريخ عريق لجبهة التحرير الفلسطينية وقيادتها وامينها العام الشهيد القائد ابو العباس .
لذلك فأن الأزمة التي مرت بها جبهة التحرير الفلسطينية وتجلياتها ، مرت بها كافة فصائل العمل الوطني الفلسطيني، وهذا الموضوع ليس بحاجة لجلد متواصل للذات وتشكي وبكاء ووقوف على الأطلال والأمجاد والتاريخ،بل يجب دراسة الواقع الحالي بكل مستجداته وتطوراته وتداعياته،واشتقاق ما يمكن من تطوير و خطط وبرامج واليات تسهم،في فكفكة حلقات الأزمة التي تعصف بها الساحة الفلسطينية وخاصة الانقسام الكارثي .
أن جبهة التحرير الفلسطينية لها تاريخها وسمعتها وارثها وتراثها بين الجماهير،وعلى الجميع أن يغادر كتابات توصيفات مضرة ومسيئة،وليكن العمل والإنتاج هو الفيصل والحكم والسيد عند الجميع،وبما لا يشكل خروجاً أو تعارضاً مع الوحدة الوطنية الفلسطينية،وأنا ما زلت متيقناً بأن جبهة التحرير الفلسطينية أنجبت قادة عظام من طراز الرفاق الشهداء القادة طلعت يعقوب وابو العباس وابو احمد حلب وسعيد اليوسف وابو العمرين وحفظي قاسم وجهاد حمو ومروان باكير وغيرهم،ويقودها اليوم امينها العام الدكتور واصل ابو يوسف ،ما زال حضورها قوي في الساحة والخارطة السياسية الفلسطينية.
كنا نتمنى على السيد صلاح صلاح الذي تحمل مسؤوليات وطنية في الجبهة الشعبية ومنظمة التحرير الفلسطينية ان يتحدث عن تجربته، ولماذا ترك الجبهة الشعبية واسس جمعية ، وليس التجريح بتنظيم وجبهة لها دورها وتاريخها الكفاحي والنضالي وهو الاعلم بان الشهيد القائد ابو العباس هو من اشرف على كافة العمليات البطولية للجبهة من الخالصة الى ام العقارب والزيب
ونهاريا وبرختا والطيران الشراعي والمنطاد الهوائي واكيل لاورو والقدس البحرية والقدس الاستشهادية والعديد من العمليات البطولية في الداخل والخارج حتى اعتقاله في سجون الاحتلال الامريكي في العراق واستشهاده في معتقلات الاحتلال الصهيو امريكي في العراق .
من هنا نقول ليس بهكذا يوثق المناضلون تجاربهم، للإضاءة على حقبات نضالية، كانت فيها الظروف أصعب من مراحلنا هذه، بل كا من الاجدى توثيق تجربة الثورة الفلسطينية و نضال الشعب الفلسطيني وتضحياته وتقديم قوافل الشهداء والجرحى، وصمود الأسرى والمُبعدين، وثبات الصامدين فوق أرضهم المحتلة أو في الشتات، حيث يتمسّكون بحق العودة.
في ظل هذه الظروف اقول ان من يبدي غيرة وحرص عاليين على جبهة التحرير الفلسطينية وسمعتها وهيبتها ، يجب ان يكون نقده يا رفيق صلاح متسرعاً وارتجالياً ،وجافى الحقيقة في العديد من ملاحظاته،وان كانت هناك ملاحظات حقيقية وجدية، وبالتالي كان الأجدى أن تتريث وتحصل على المعلومات من مصدرها،، لأن ما تناولته في كتابك هدفه بالأساس صب النار على الزيت، ونشر كل ما هو مشكوك فيه، وهو تعميق الخلاف والانقسام والشرذمة في الساحة الفلسطينية، والخروج عن كل الأصول والأعراف ، لأنك تعرف أكثر من غيرك، في أوقات الأزمات والثبات على المواقف والمبادئ،تقف الجبهة الى جانب الحقيقة ،لذلك نقول ان ما ورد في كتابك عن الجبهة لن يؤثر على مواقف الجبهة وهيبتها وسمعتها،ومثل هذه الظاهرة مرت بها الجبهة في أكثر من محطة،ولعل الجميع يذكر حالة التراجع والترهل واستفحال الأزمة التي أصابت كل الفصائل الفلسطينية بشكل كبير بعد أوسلو وتداعياته،ومن ثم وقوف الجبهة بقيادة أمينها العام الشهيد القائد ابو العباس، أمام تلك المرحلة والأزمة فرفضت اتفاق اوسلو ، وتم تحديد مواقف ورؤية الجبهة السياسية من مختلف القضايا ذات البعد الاستراتيجي،وتعميق الوحدة التنظيمية والسياسية والفكرية في الجبهة،ومغادرة دوائر النمطية والرتابة في العمل ،وإيلاء الحلقة الجماهيرية الاهتمام الجدي،والعمل على خلق كادرات وقيادات جماهيرية تعبر عن رؤية وهوية الجبهة بين الجماهير.
امام هذه الحقيقة التي تعكس قضية مهمة قد لا يدركها الكثيرون وهي أن جبهة التحرير الفلسطينية بالمعنى السياسي والتاريخي والفكري والسلوكي وعلى امتداد تاريخها كانت دائما باستمرار مستهدفة وملاحقة ومحاصرة من معظم الأنظمة ودائما يرى فيها الأعداء حتى في لحظات هدوئها خطرا كامنا قادر على المبادرة في أي لحظة، فهي مدرسة وطنية وقومية يسارية عريقة في المقاومة والبسالة كما الزيتون، مدرسة في السلوك والعناد وأحيانا حتى في المغامرة، هكذا هي جبهة التحرير الفلسطينية .
ختاما لا بد من القول: ان جبهة التحرير الفلسطينية ستبقى تحمل راية الشهداء التي على دروبها استشهد قادتها كما مناضليها ، وستبقى الفينيق الذي ينهض حضورا وتضحية ووفاء وتمسكا بجمرة الوطن والحرية.
بقلم/ عباس الجمعة