مريضات السرطان يكسرن عزلتهن الاجتماعية افتراضياً

" أصبح جزءا لا يتجزأ من يومياتنا، احتضن امالنا قبل آلامنا، أغنانا في كثير من الأحيان عن الأهل والأسرة والزيارات الدورية، نسينا أننا مريضات سرطان، منحنا مساحة من الحرية وشبكة دعم نفسي واجتماعي تجاوزت الفواصل الجغرافية والحدود".
كلمات انطلقت بآن واحد وكأنها نشيد وطني يردد عن ظهر قلب، من مجموعة (الواتس اب) التي دشنتها مريضات السرطان، ليشكلن حاضنة اجتماعية ونفسية ترافق حياتهن اليومية ساعة بساعة، يتبادلن خلالها أحلامهن وبرامجهن اليومية، ومشكلاتهن ويبثن همومهن عبر هذه الوسيلة التي ساهمت في خروجهن من دائرة الانطواء والعزلة النفسية الى دائرة الفعالية والايجابية والمشاركة.
أم اياد المرأة الخمسينية والتي بدت ملامحها وقسمات وجهها وكأنها شابة في مقتبل العمر، تقول:" حينما أصبت بالمرض بغتة دون سابق انذار، في يوم اجتمعا فيه الفرح والحزن معاً، يوم خطبة ابني، تأثرت كثيراً في بدايتها من الصدمة، ولكن سرعان ما تجاوزت تلك الازمة وقررت ان افرح بزفاف ابني".
تواصلت مع مركز صحة جباليا الذي فتح أمامي  أبوابه ، ومن خلال الاخصائية التي ساهمت بشكل كبير في احداث تحول نوعي في حياتي، بعد التمارين والترفيه وجلسات الدعم النفسي التي انخرطت فيها، جعلتني انسى أنني مريضة سرطان.
" حينما اكتشفت انني مصابة بسرطان الثدي، منذ ست سنوات مضت، اصبت بحالة اكتئاب، وخضعت لعلاج نفسي، لفترة من الزمن، وحينما توجهت للمؤسسات وتعرفت على أقراني مريضات السرطان، اللواتي سبقت تجربتهن تجربتي، فهذا كان بمثابة طوق نجاة لي".
هذه الكلمات عبرت عنها (ام محمد) التي أصبحت أكثر قوة وانتصاراً على المرض، ولا تخش جلسات الكيماوي ولا الوصمة الاجتماعية، ونظرات الناس التي تحدق النظرعلى الجزء المستأصل من جسدها، وترمقها بنظرات شفقة وعطف، فجلسات الترفيه واللياقة كانت بمثابة بلسم لجراحها.
ام علاء والتي تُعد الأصغر سناً في المجموعة والتي فقدت شقيقها وشقيقتها بذات المرض، أصبحت وفق قولها " اجد ضالتي في المجموعة الداعمة التي اقضي جُل وقتي ونحن على تواصل واتصال وتبادل للحديث والترفيه، والتي تعد " المصدر الأمين لأسراري" رغم وجود الأهل والاسرة.
تضيف بلهجة ثقة ورضا " كنت بزور أهلي في خانيونس كل فترة، الان أصبح لدي أسرة أخرى عوضوني عن أقاربي بعد أن اصبحنا أسرة متجانسة وموحدة ".
أم خالد التي تواجه وضعاً صحياً صعباً بعد انتشار الخلايا السرطانية في عدة مناطق في جسدها، إلا أنها ما زالت تمتلك ارادة  ومقومات الصمود بفعل الشبكة الداعمة من الصديقات، اللواتي وفق قولها" نساني وجعي ومعنوياتي في السما، وبطلع وبروح في الرحلات وبنرقص وبنغني وبنضحك وبننسى همومنا".
جمعهن الألم والمرض الواحد، رغم اختلاف مواقع سكنهن، أجمعنَ أن يواجهن الحياة معاً، وينظرن للمستقبل بعيون حالمة وقلوب مطمئنة، متجاوزات كل الظروف الصعبة التي تحيط بهن، فأوضاعهن الاقتصادية تنوء بقدرتهن على شراء العلاج المكلف للغاية، وتذبذب وجوده في المؤسسات الحكومية، فيحاولن دعم بعضهن البعض، وتبادل الادوية على قدر المستطاع.
رغم ذلك فهن بحاجة إلى دعم اقتصادي الي جانب الدعم النفسي اللواتي يتلقينه في المؤسسات الصحية، حتى يتمكنَ من الحصول على غذاء صحي متوازن يتوافق مع حالتهن المرضية، التي تستوجب توافر غذاء صحي وسليم ومكلف في ذات الوقت في ظل أن معظمهن يرزحن تحت وطأة الوضع المعيشي الصعب.
مركز صحة المرأة جباليا وعلى لسان طبيبته نها الخالدي أوضحت أن المركز يقدم بعض الخدمات لمريضات السرطان منها الكشف الطبي برسوم رمزية و التصوير أما اذا احتاجت الحالة إلى فحص الانسجة فيجرى تحويلها لمشفى الشفاء أو الرنتيسيلإتمام الاجراءات اللازمة للعلاج كون هذه الفحوصات ذات تكلفة عالية.
تُشير الخالدي أن المركز يستقبل الحالات من جميع المناطق الجغرافية، وجرى اكتشاف عدة حالات، ويوفر لحالات السرطان المكتشفة خدمات الدعم النفسي والاجتماعي والترفيهي، ما يساهم في تحسين حالتهن النفسية.
وتسدى الخالدي نصيحة للنساء فوق سن الثلاثين واللواتي لديهن تاريخ عائلي بالمبادرة بالكشف المبكر عن السرطان من خلال الفحص الذاتي، او من خلال اجراء التصوير الاشعاعي للاطمئنان لان الكشف المبكر يعنى النجاة من المرض، وعلى النساء اللواتي بلغن سن الاربعين التوجه لاجراء الفحوصات اللازمة، لافتة أن هناك زيادة في معدل اصابة النساء خاصة بعد العدوان الاخير على القطاع.
يذكر أن مستشفيات قطاع غزة تعاني من نقص كبير في الأدوية اللازمة لمواجهة المرض بما يعرض المرضى لمخاطر التراجع الصحي المتزايد وساهم الانقسام السياسي الداخلي في مفاقمة هذا الوضع الصحي.
تشير إحصائيات المركز القومي لرصد الأورام -التابع لوحدة نظم المعلومات الصحية بقطاع غزة- وجود  ما يزيد  (9000) حالة إصابة بالسرطان بالقطاع، منها( 1290 )حالة إصابة بسرطان الثدي.
 تمثل حالات الإصابة بسرطان الثدي ما نسبته (18% ) من إجمالي مرضى السرطان بقطاع غزة، بمعدل انتشار( 78 )امرأة مصابة مقابل كل(100000)امرأة في القطاع من إجمالي السكان، وبنسبة( 31.4%)  من مجمل الامراض الخبيثة التي تصيب الاناث.
مديرة مركز صحة المرأة جباليا مريم شقورة قالت :" أن المركز استهدف هذه الشريحة من خلال اخصائية  العلاج الطبيعي مها الشامى، والتي كان لها دور بارز تجاههن عبر تقديم خدمات الدعم النفسي الاجتماعي، والتنسيق الفاعل مع المؤسسات المقدمة للخدمة لمريضات السرطان.".
 ولفتت شقورة أنه جرى  تجهيز خطة تدخل فاعلة للنساء شملت دعم الأقران ومهارات العقل والجسم، ودمجهن في برنامج رياضي علاجي للتخفيف من حدة الأعراض الناجمة عن الاستئصال وزيارات ميدانية ورحلات وأيام ترفيهية ساهمت بشكل كبير في تجاوز هؤلاء المريضات لأزمتهن الصحية والنفسية .
ويشكل مركز  صحة المرأة  ملتقى دائم لهن يمارسنَ هواياتهنَ ويكتسبنَ مهارات متعددة حياتية ويدوية اضافة الى انه مساحة وحيز امن لدعم الأخريات من المصابات ومنبر للحديث حول تجاربهن وقصص حياتهن للاستفادة ونقلها عبر المثقفات الميدانيات للنساء.

المصدر: غزة - وكالة قدس نت للأنباء -