ثمة أسئلة برزت بعد تنصيب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، وفي مقدمها المواقف المرتقبة من الإدارة الأميركية الجديدة إزاء حل الدولتين والقضية الفلسطينية بتفاصيلها الكثيرة، الاستيطان، القدس، قضية اللاجئين، فضلاً عن إمكانية حصول فلسطين على عضوية مزيد من المنظمات الدولية.
يجمع متابعون أن مواقف إدارة ترامب المندفعة بقوة العنصرية وشعارات الدعم المطلق لإسرائيل، ستكون منحازة في شكل جلي إلى التصورات الإسرائيلية وبخاصة في ما يتعلق بحل الدولتين، حيث أشار ترامب خلال حملته الانتخابية إلى أن حل الدولتين ليس ممكناً طالما أن الفلسطينيين لا يعترفون بإسرائيل كـ "دولة يهودية" ولا يتوقفون عن التحريض، كما أنه لا يوافق في ذات الوقت على أن إسرائيل هي دولة احتلال، وأن أي انسحاب من الضفة الغربية ينبغي أن يكون في إطار حدود بإمكان إسرائيل حمايتها.
واللافت أيضاً أن حملة ترامب الانتخابية أكدت أنه لا توجد أية مشكلة في المستوطنات الإسرائيلية والجدار العازل، وأن القدس ستبقى "العاصمة الأبدية الموحدة لإسرائيل"، ولم يخف إصراره على نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى مدينة القدس، الأمر الذي دفع وزير البُنى التحتية الإسرائيلي يوفال شتاينيتس إلى القول "إن وزارته تنوي القيام بأعمال الاستيطان الواسعة النطاق في الضفة الغربية، في حين اعتبر وزير التعليم الإسرائيلي نفتالي بنيت أن مواقف الرئيس الأميركي المسبقة والداعمة لإسرائيل ستقضي على فكرة الدولة الفلسطينية.
كل الدلائل تشير الى أن إدارة ترامب ستستمر في دعم التوجهات والمواقف الإسرائيلية وإدارة الظهر والتنكر للحقوق الفلسطينية، ويعزز هذا المسار دور اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، الضاغط لاستمالة الموقف الأميركي لمصلحة إسرائيل على الدوام، وذلك عبر محاربة أعضاء الكونغرس الأميركيين الذين يحاولون الوقوف إلى جانب الحق العربي في فلسطين، واتهام عضو الكونغرس الذي يقف إلى جانب الحق الفلسطيني في أي لحظة بمعاداة السامية، وكذلك بمناهضة إسرائيل، ونجح اللوبي اليهودي في إبعاد المشرعين الأميركيين عن زيارة البلدان العربية أكثر من مرة، كما يستخدم هذا اللوبي عبر منظماته العديدة في الولايات المتحدة، المال لاستمالة بعض أعضاء الكونغرس إلى جانب إسرائيل، واستطاع اللوبي اليهودي على الدوام الضغط على الإدارات الأميركية والإبقاء على المساعدات الأميركية لإسرائيل، التي بلغت قيمتها التراكمية خلال الفترة بين 1951 و 2016 نحو 145 بليون دولار، منها 61 في المئة كانت على شكل مساعدات عسكرية.
إضافة إلى قوة اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة والتي ستكون عاملاً جوهرياً في دعم العهد الأميركي الجديد لإسرائيل، ثمة عامل مساعد آخر لدعم إدارة ترامب لإسرائيل، يتمثل في تحولات المشهد العربي والانقسام الفلسطيني، وقد تكون عملية نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى مدينة القدس من أولويات الإدارة الأميركية الجديدة، كما أنها ستسعى إلى الضغط على الطرف الفلسطيني بغية العودة إلى مفاوضات غير مشروطة مع الطرف الإسرائيلي، والذهاب إلى أبعد من ذلك لانتزاع قبول فلسطيني بفكرة "يهودية إسرائيل"، في مقابل الحديث عن تجميد النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية لشهور عدة – من دون تفكيك أي مستوطنة إسرائيلية -، الأمر الذي يقوض فكرة حل الدولتين.
وفي الوقت الذي يحاول فيه الفلسطينيون تعزيز حضورهم وكسب العضوية في عدد من المنظمات الدولية، ستحاول إدارة ترامب القيام بعمل ديبلوماسي وسياسي مكثف مع الحلفاء التقليديين في الغرب وكندا لإفشال تلك التوجهات الفلسطينية، وإسقاط أي مشروع قرار أممي سواء في مجلس الأمن أو في الجمعية العامة للأمم المتحدة يدين السياسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين وأرضهم.
وحول الموقف المرتقب من إدارة ترامب من قضية اللاجئين الفلسطينيين التي تعتبر من أهم القضايا في إطار القضية الفلسطينية، فإنها سترفض من حيث المبدأ تطبيق القرارات الدولية الداعية إلى عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم وتعويضهم عن الإضرار المادية والنفسية التي حلت بهم نتيجة طردهم، ونقصد على وجه التحديد القرار 194 الصادر في عام 1948 والقرارات ذات الصلة، بخاصة أن ترامب أكد أهمية الاعتراف وترسيخ فكرة "يهودية إسرائيل" وأمنها، شأنه في ذلك شأن إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش التي أكدت التزام الولايات المتحدة أمن إسرائيل والحفاظ على طابعها كدولة يهودية، وكان ذلك محاولة أميركية استمرت خلال إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما أيضاً، وستستمر تلك المحاولات خلال إدارة ترامب لشطب قرار حق العودة للاجئين الفلسطينيين من أجندة الأمم المتحدة.
يبقى القول إن إدارة ترامب ستقوم بعملية ضغط كبير على الطرف الفلسطيني للعودة إلى مفاوضات غير مشروطة بمرجعية سياسية معينة وبسقف زمني محدد مع المفاوض الإسرائيلي، وفي الوقت نفسه ستدعم التوجهات الإسرائيلية التهويدية عبر تشريع الاستيطان لمحاصرة فكرة إنشاء دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشريف، الأمر الذي يتطلب تجميع الجهود العربية السياسية والقانونية والديبلوماسية لمواجهة تحدي العهد الأميركي الجديد الذي سيتنكر بكل تأكيد للحقوق الفلسطينية الثابتة التي أقرتها الشرعية الدولية.
نبيل السهلي
* كاتب فلسطيني