في خطوة تؤكد اقتراب الصلح بين مصر والسعودية بعد شهور من الخلافات أثنى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، على المشاركة المصرية المتميزة في مهرجان الثقافة والتراث السعودي "الجنادرية" خلال تفقده أروقة الجناح المصري بالمهرجان، حيث تحل مصر ضيف شرف على الجنادرية هذا العام.
وأبدى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان إعجابه بمحتويات الجناح المصري قائلا: "مصر قامت مرة آخرى…مصر عادت من جديد" . كل ما تقدم كان مقدمة لخبر قرأته على وكالة أمد للاعلام ، وكنت اكتب عن تلك العلاقة وأسعدنى أن تبدأ خطوات كنت بانتظارها ولا أرى أملاً للامة بغيرها .
هناك حقيقة لا تقبل الجدل بأن مصر والسعودية تشكلان معاً العمود الفقري للنظام العربي، ولا يستطيع أي منهما أن يحيا إلا في ظله، ولأن هذا النظام بات مأزوماً خصوصاً مع وجود نظم تتسابق لقيادة النظام العربي، وتضع العرب أمام حسابات ضيقة تعتبرها قرارات قومية، وهي حسابات ذاتية تستهدف مصالح العرب ، وخير نموذج على ذلك التدخل القطري في الشأن العربي، وما يحدث في ليبيا واليمن ، وسوريا من صراعات خلقت انشقاقاً في المواقف العربية ووضعت الأمة على حافة الهاوية، وزادت افتراقها وخلافاتها.
لذلك شكلت طريقة إدراك كل دولة من الدول العربية لتهديداتها الأمنية والوطنية بسبب تباين وضعها الجيوسياسي سبباً آخر للاختلاف فكل دولة تدرك الخطر المحدق بها بنسبة تختلف عن غيرها من النظام العربي فمثلاً إدراك مصر للأخطار التي قد تنجم عن بناء أثيوبيا لسد النهضة، وتحول ليبيا الجارة الغربية لدولة فاشلة تختلف عن إدراك السعودية للأخطار نفسها، وبالمثل إدراك مصر لتمدد النفوذ الإيراني في المنطقة ليس كإدراك السعودية ومن هنا أصبحت الرؤى تتباين خصوصاً مع غياب الشخصية الكاريزمية التي بإمكانها إعادة توجيه النظام العربي، ووضع نموذج عقلاني لإدارة العلاقات العربية لا يتناقض المعلن منه مع المخفي.
كما أن دخول قوى إقليمية مثل تركيا، وإيران على خط العلاقات العربية في صراعها بين سني، وشيعي ، ودعمها لفصائل وأحزاب ومنظمات ساهمت بشكل كبير في تأزم الوضع العربي خصوصاً وأنها صاحبة قوة، ونفوذ، وتأثير وهو ما وضع العلاقات العربية في أوضاع متعاكسة أحياناً.
فمثلاً مصر التي تحارب الإخوان المسلمين، وتجد فيهم تهديداً أمنياً كبيراً لا تتفق مع تركيا، وقطر الحاضنتين لهما واللتان تهاجمان مصر ونظامها باستمرار، وفي نفس الوقت تتحالف معهم السعودية خصوصاً وأنها ترى في تركيا حليفاً مؤثر أكثر من مصر، وهو ما يترجم بأن السعودية في سبيل مصالحها قد تدعم الإخوان في مرحلة ما، وهذا لا يتماشى مع مصلحة مصر كما تراها هي، وبالتالي يعترض أى تحالف استراتيجي بين مصر والسعودية رغم عمق العلاقات بينهما، ويسمح فقط أن يكون بينهما توازن مصالح يعتمد على ما يمكن أن يقدمه كل طرف للآخر.
لذلك عندما دعمت السعودية مصر بعد الثورة، وقدمت لها تسهيلات مالية، واقتصادية كانت تدرك أهمية بقاء مصر وعافيتها، وتعلم جيداً أهمية مصر وتأثيرها عربياً، ودولياً، وكيف بإمكانها الاستفادة منها وهي متعافية عنها وهي ضعيفة بالمقابل أعلنت مصر أن حدود أمنها تصل السعودية في إشارة منها لوحدة المصير العربي.
إلا أن مصر، وخلافها مع الإخوان ، والأمريكان قربها من الروس ، وهي التي تتبنى موقفاً في سوريا مختلف تماماً عن السعودية، وبالمثل عبرت مصر أيضاً عن موقف مماثل للروس في حين أن السعودية التي تدعم معارضي النظام مالاً وسلاحاً لا تتفق مع رؤية مصر بأن الحل في سوريا يجب أن يكون سياسياً، وأن الشعب هو الذي سيختار ممثليه بل موقفها مغاير تماماً، وهذه نقطة خلافية تزعج الرياض التي ترى في ذلك اقتراباً مصرياً من إيران وموسكو أكثر منه تقارباً في المواقف السعودية المصرية.
وعليه هذا الالتزام والتقارب بين الرياض، والقاهرة حمل في طياته بذوراً للخلاف، والافتراق في بعض المواقف، وهو ما ترك مجالاً للآخرين للعبث بتلك العلاقة خصوصاً في الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما سيظهر لاحقاً في بعض مفاصل التوتر بين الطرفين.
فهناك تفكير لدى البعض في القاهرة بأهمية عودة العلاقات مع إيران خاصة بعد اتفاقها مع القوى الكبرى بحيث يكون هناك هدوء في تلك العلاقة ، والتزام بقواعد اللياقة الدبلوماسية، في نفس الوقت القاهرة لا تتعجل إعادة العلاقة مع إيران، ولا إفساد علاقتها مع السعودية، لذا مصر حذرة في التحرك بين المحورين السعودي والإيراني، وهي تخاف من تورطها في صراعات قد تفسد علاقاتها بقوة كبرى لها مصالح متبادلة مع مصر.
العجيب في الأمر أن القيادة السياسية الجديدة في السعودية تريد نتائج مقابل دعمها المالي لمصر، ورغم أن مصر موجودة ضمن التحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين أنصار إيران، وأعلنت موافقتها على إرسال قوات برية إذا ما استدعت الأمور ذلك ضمن التحالف، إلا أنه في نظر السعودية غير كاف لأنها ترى أن الاختلاف في الموقف من الحل في سوريا عقبة، وتريد من المصريين التطابق فيما تراه صحيحاً وهو إنهاء نظام حكم الأسد، ودعم المعارضة، وهذا الموقف لا تتبناه مصر وترى الأمور بطريقة مختلفة فهي غير مهتمة ببقاء نظام الأسد، وتختلف مع المعارضة لأنها ترى الحل السياسي هو الحل لأزمة الشعب السوري ومعاناته، وقامت باستضافة جزء من المعارضة في القاهرة للتداول حول حل سياسي للأزمة، وهذا ما لم يُرضِ السعودية لدرجة اندفاع كتابها بوضع مصر ضمن محور ( روسي. إيراني) وهذا يجافي الواقع وفيه تحامل على الموقف المصري وعلاقتها التاريخية بالسعودية، فأمن الخليج جزء أساسي من أمن مصر، ومن لا يدرك ذلك يكون مخطئاً، ورغم قوة العلاقة الروسية المصرية إلا أنها لا تزال دولة حليفة لأمريكا لكنها تحاول تنويع تحالفاتها مثل باقي دول المنطقة ومنهم تركيا، وإيران، وإسرائيل.
وكما ترتاب السعودية في التقارب المصري الروسي، ترتاب مصر أيضاً بالتقارب السعودي التركي القطري وكلاهما علاقاته متوترة مع مصر، لذلك زاوية الرؤية للطرفين مختلفة ويملؤها الشك خاصة وأن السعودية ترى في دعم مصر للحل السياسي انتصار لإيران، ولنظام الأسد، وحزب الله، وعندما تشاهد مصر مناورات تركية سعودية تستمر لخمسة أيام يداخلها الشك في الدور المطلوب منها، وتتساءل هل التقارب التركي الإيراني الذي سبق المناورات يختلف عنه فيما لو حصل تقارب مصري إيراني؟ .
السعودية ترى أن أموالها تذهب لصفقات تصب في صالح روسيا التي تقف في الموضوع السوري على الجانب الآخر، وهو أمر مؤلم بالنسبة لها ويضفي ظلالاً من الشك حول جهد مصر في تنفيذ السياسة السعودية، ومصر بتاريخها وتأثيرها ترى في ذلك تدخلاً في استقلال قرارها وأن المال الخليجي ليس لمساعدتها بقدر ما هو تدخلاً في شئونها، وتحقيراً لدورها المعروف في خدمة القضايا العربية.
رغم هذا التقارب، والتباعد في العلاقات ، وهى سمة مميزة للسنوات الأخيرة في علاقات الدول إلا أن العلاقة السعودية المصرية ستبقى قائمة ولن تتدهور أكثر من ذلك لعدة أسباب أهمها: -
1- حاجة كل طرف للآخر سواء اقتصادياً أو سياسياً.
2- الحكمة السعودية في التعامل مع القضايا السياسية، والتقدير المصري للسعودية.
3- مصلحة السعودية في خروج مصر من أزمتها فأي تدهور في مصر سينعكس سلباً على السعودية والتي ستجاور دولة فاشلة بحجم مصر.
4- الحاجة المصرية للسعودية سواء من خلال أبنائها العاملين هناك أو الدعم السعودي.
5- السياسة الأمريكية الجديدة في المنطقة والتي تحمل كراهية معلنة للخليج وعلى رأسهم السعودية، وهذا بحد ذاته تهديد لأمن مصر، ومستقبلها.
6- التحولات المتلاحقة في السياسات والتحالفات فيما يخص الدول الإقليمية غير العربية مما سيضع مصر والسعودية في النهاية ضمن مصلحة واحدة وهي عدم هيمنة تلك الدول على الإقليم.
لأجل كل ما سبق ستدرك البلدان وهما باعتقادي تدركان عمق الترابط بين الدولتين فهما الأقدر على لملمة الشمل العربي، والسير بالعرب لبر الأمان لأن قوتهما من قوة المحيط العربي.
بقلم/جمال ابو لاشين