"إخلاء مستعمرة عمونا" لم يكن سوى كذبة كبرى ومسرحية خداع إعلامية نظمها نتنياهو وحكومته، للتغطية على عملية الاجتياح الاستيطاني للضفة الغربية، والتي شملت، حتى ساعة كتابة هذا المقال، إقرار 8000 وحدة استيطانية جديدة، وعلى الأغلب فإن الرقم سيتجاوز عشرة آلاف وحدة قبل نشر المقال.
ومنذ تولي ترامب الرئاسة في الولايات المتحدة ونشاطات الاستيطان تتصاعد في الضفة الغربية، بما فيها القدس، بشكل جنوني لا سابق له. ومعها تتوالى مخططات تشريع قوانين تسمح بمصادرة أراضي الفلسطينيين الخاصة لمصلحة المستوطنات، ولتبييض مئة وعشرين بؤرة استيطانية جديدة، وقوانين أخرى لتشريع ضم أجزاء من الضفة الغربية لإسرائيل تماماً كما جرى للقدس.
لم يحدث إخلاء في عمونا، فالإخلاء لا يكون بنقل بيوت المستوطنين من أرض فلسطينية مسروقة إلى أرض فلسطينية مسروقة أخرى. وهذا النقل لا يعطي شرعية لا لمستعمرة عمونا الجديدة، ولا لأي مستعمرة استيطانية، فكلها مخالفة للقانون الدولي، وجميعها يجب تصنيفها كجرائم حرب.
الشيء الذي عرته مسرحية الإخلاء، بالمقارنة مع عمليات هدم بيوت الفلسطينيين في أم الحيران بالنقب، هو نظام الأبارتهايد (التمييز العنصري) الإسرائيلي.
فمقابل النعومة واللطف اللذين أبدتهما شرطة الاحتلال تجاه مجرمي الاستيطان في عمونا، كان هناك الضرب والقتل والتنكيل في أم الحيران، الذي طال حتى نواب الكنيست الفلسطينيين.
"أبارتهايد" بلغة الأفريكان تعني وجود قانونين مختلفين لمجموعتين سكانيتين تعيشان على نفس الأرض. وهذا هو النظام العنصري الذي يعيشه الشعب الفلسطيني ليس فقط في الضفة والقطاع المحتلين، بل كذلك في عكا ويافا وحيفا والنقب وسائر أراضي 48. وهو نظام نجح في مزج التهجير والتطهير العرقي بالاحتلال الأطول في التاريخ الحديث وبمنظومة تمييز تتغلغل في أعماق حياة الشعب الفلسطيني. نظام يجب أن يزول حتى يصل الناس إلى الحرية والكرامة والعدالة والمساواة، ولكنه لن يزول وحده، ولن يزول بالأمنيات، ولن يزول بالكلام والبيانات، ولن يزول بمواصلة المراهنة على المفاوضات مع صانعيه، سيزول بمقاومته، وبتغيير ميزان القوى لصالحنا، وبالإيمان المطلق بقدرتنا على تحقيق آمالنا وأحلامنا وتجاوز كل من يحاول إحباطنا وبث اليأس في صفوفنا، أو إقناعنا بنظرية "ليس في الإمكان أحسن مما كان".
مرة أخرى... استيقظوا، فالنار وصلت إلى دار كل واحد منا.
بقلم د.مصطفى البرغوثي
الامين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية