ترامب درس فى السياسة

بقلم: جمال ابو لاشين

ان إحجام الولايات المتحدة عن استخدام الخيار العسكري في الأزمات الإقليمية بشكل جدى والتركيز على الإجراءات الدبلوماسية (وبعضها إشكالي) فرض تحدياً استراتيجياً على إسرائيل، فتقرير الامن القومي الاسرائيلى لعام 2014 أشار لتراجع صورة القوة الأمريكية وقدرتها على ممارسة نفوذها في المنطقة وأي مكان آخر في العالم بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وأكد البعض أن ذلك (ضعف حقيقي) ، فيما رأى آخرون بأن الضعف محل النقاش هو بشكل أساسي مسألة "صورة" وأنه في الواقع سلمت الولايات المتحدة بكل بساطة بمحدودية قوتها التي لطالما كانت موجودة، ولكن لأن الصورة مهمة أيضاً نجد الصورة الضعيفة تقوض نفوذ الولايات المتحدة على حلفائها في الشرق الأوسط.
لقد أدى هذا الجدل أن يُسمع من بعض الدوائر في إسرائيل أنها بحاجة للبحث عن حلفاء آخرين للحلول محل الولايات المتحدة كداعم استراتيجي ولكن الاستنتاجات العملية تقول أن ذلك لا أساس له في الواقع إذ لا يوجد قوة دعمت إسرائيل في الساحة الدبلوماسية الدولية على مدار ما يقارب 60 عاماً مضت، أو عارضت على الدوام القرارات المناهضة لإسرائيل في الأمم المتحدة ، ولا منحت إسرائيل أكثر من ثلاثة مليارات دولار سنوياً على شكل مساعدات عسكرية مثل امريكا، ولا يوجد قرين مماثل لمجموعات الضغط القوية والنافذة والداعمة لإسرائيل خصوصاُ (الإيباك) والولايات المتحدة مدركة جيداً أن الفشل في التعامل مع مشاكل الشرق الأوسط سيكون تدميراً للذات وحلفائها، لذلك ترى إسرائيل أن تأخذ بعين الاعتبار كيف تقوي الموقف الأمريكي في الشرق الأوسط حتى لو كلف هذا الأمر الكثير.
وبمجىء ترامب الرئيس الأمريكي الجديد فرض تهديدات وآمال وتوقعات عدة لكل دول العالم التي تنظر للقوة الأمريكية ضمن معيارين ومنهم الدول العربية المعيار الأول بصفتها مدافعة عن الديمقراطية، وحقوق الإنسان والمعيار الثاني صورة رامبو والفتوة ذات النزعة التدخلية والتي تتعارض مع الأولى وباتت تلك الدول تقيس معاييرها بحجم المشاكل التي تواجهها و رد الفعل الامريكى عليها.
لقد انتقل جدل القيم الذي فجره ترامب لأوروبا التي تابعت حملته بقلق شديد بمجملها استشعرت عداءً في خطابه الانتخابي، وانتقاداته المبكرة للاتحاد الأوروبي، وتحمسه لنتيجة الاستفتاء البريطاني على الخروج منه فامريكا منذ بداية الألفية الجديدة سعت لاستخدام تفوق نفوذها، وقوتها التفاوضية كي تحصل على ما يمكن من الامتيازات القومية من حلفائها، وأصدقائها، وزبائنها، وهذا ما سيتبعه الرئيس ترامب وما ستثبته التطورات اللاحقة من أزمات وتوترات سببها الأساس إذا ما تمعنا فيه سيكون لجوء الأمريكان لتعديل النظام الدولي بشكل يتماشى مع مصالحهم، فإما سيحتوي البعض من خلال الحوار أو سيجابه البعض الآخر كقوة صاعدة، وذلك ما سيدفع السياسة الأمريكية القادمة، وممثل سياستها الرئيس الأمريكي ترامب.
ولن يكون الحل لتلك المعضلة بالتطابق مع الموقف الامريكى فالنتائج التي حصدتها إسرائيل ولا زالت من معارضة اتفاق الأمريكان مع إيران تفوق أي مكاسب ممكن أن تتحصل عليها في علاقتها بالعالم العربي لو وقفت في تطابق مع الموقف الأمريكي، فعدم قبولها الاتفاق أدى لفتح علاقات مع دول الجوار، ومع دول كثيرة سنية ما لم تكن تحلم به يوماً، وأصبح عداؤها المكشوف لإيران نقطة جذب كبيرة لمد جسور العلاقات، والمشاورات مع عدد من الدول العربية، وما كان يجري في الخفاء صار يجري جهراً وعلانية، لا سيما وأنه قد تم فك العلاقة بين تطور الموقف الإسرائيلي مع القضية الفلسطينية، وبين تطور علاقتها مع العرب بحيث أن هذا الفصل أغرى إسرائيل بتهميش القيادة الفلسطينية لصالح البحث عن حلول مع العرب، ليس هذا فحسب، بل أنها تدرك تماماً أن العرب اليوم ليسوا في وارد التقدم على المسار الفلسطيني الإسرائيلي ويفضلون مراوحته في مكانه فالأولويات تغيرت لديهم لأن التحديات المحيطة بهم باتت أكبر وأكثر عنفاً وفي جميع المجالات، وما يسهل على إسرائيل الأمر أن العرب لا يمكنهم استعداء الأمريكان بالنظر لها كقوة عظمى، ونظراً لعدم قدرتهم على فتح جبهات معها، وباتوا يجدون في إسرائيل العدو اللدود قارب الإنقاذ والمعين لهم في اتخاذ قراراتهم فيما يتعلق بتطورات المنطقة.
هذه هي الخطة الإسرائيلية التي أعلنها أفيغدور ليبرمان عندما كان وزيراً لخارجية إسرائيل قبل أن يتولى حقيبة الجيش التي ترتكز على فكرة الخروج بتسوية سياسية تعتمد على ترتيبات إقليمية مع تهميش السلطة الوطنية الفلسطينية.
وليسهل تنفيذها يدير نتنياهو الصراع راغباً في كسب الاعتراف بإسرائيل دون اتهامها بالاحتلال، ولا يرى اشكالاً ببقاء الانقسام والتعامل مع غزة تحت حكم حماس ضعيفة ، وأنه لن تكون لديه مشكلة في نشوء تقسيم وظيفي ثابت في غزة، بناء على معادلة السلطة في الأطراف أي (المعابر) وحماس في الوسط كسلطة في غزة وهذا يتضمن إبقاء الوضع القائم بأقل الخسائر السياسية والأمنية لإسرائيل، لذلك على السياسة الفلسطينية عموماً أن تكسر هذا المخطط بالمصالحة، وأن تتحمل إسرائيل لوحدها تبعات الأفق السياسي الإقليمي الذي يتحدثون عنه، وأن يتم كسر معادلة الأطراف، والمركز في العلاقات الفلسطينية في غزة تحديداً .
ترامب يهدد ويتوعد إيران وإسرائيل يخرج نتنياهو رئيس وزرائها ليغازل الإيرانيين فى خطاب متلفز للمرة الأولى ، وكأنه يقول لهم انا هنا منقذكم ومخلصكم وسبيلكم لدخول البوابة الأمريكية ، وحتى يبقى كل الخيوط بيديه يوجه حديثه للشعب الايرانى ، هذا النوع التكاملى فى تحقيق الأهداف الأمريكية الإسرائيلية أثبتت نفسها لسنوات ، وكسبت اسرائيل من خلاها العديد من العلاقات والتحالفات ، وهو درس على العرب والفلسطينيين تعلمه .
هذا هو نوع الحكم الجديد الذي من المقرر أن يهز العالم، ولا يمكن لأحد حتى الآن أن يدعى أنه صديق لأمريكا، أو أن الرئيس ترامب في جيبه.
 

بقلم / جمال ابو لاشين