لا شيء مستحيلاً لدى من يؤمن بقدراته بتحقيق أهدافه، مهما صعبت، فالمستحيل هو الممكن الصعب الذي بالإمكان إنجازه باستغلال الظروف وإدارتها لمصلحته. هنا نتحدث عن معضلة الممكن الصعب في القضية الفلسطينية التي شارفت على الستين عاماً من الصراع مع إسرائيل، بينما تتوالى الحلول والمقترحات من دون أن يحقق الشعب حلمه بدولته المستقلة، لكنه لم يفقد الأمل بذلك، وهذا ما يؤكده ما يحدث على الأرض من مقاومة مشروعة في القدس والضفة وقطاع غزة .
في هذه الظروف الاستثنائية التي تمر بها القضية الفلسطينية هناك كثيرون متشائمون بعدم القدرة على تحقيق شيء ولا رؤية نهاية النفق الذي يعاني من ويلاته الشعب، خصوصاً في ظل الانقسام الفلسطيني وحكومة اليمين المتطرفة التي ترفض منح الفلسطيني أي حقوق، خصوصاً بعد التحقيقات مع نتانياهو والتي تشير إلى قرب انتهاء حكمه وما سيتمخض عنه ذلك، من إفرازات مقبلة لحكومات متشددة أكثر من سابقتها، ووصول دونالد ترامب إلى الحكم في الولايات المتحدة والتخوف من سياسته، خصوصاً مع تولي صهره اليهودي الأصل ملف السلام في الشرق الأوسط، والخيبة السياسية من مخرجات مؤتمر باريس، والترهل العربي، وتراجع القضية الفلسطينية في الأجندة العربية.
أمام كل هــــذه السوداوية وغياب أفق مخارج الحل ستبقى القضيــــة الفلسطينية الأهم في المنطقة والأكثر حضـــوراً، علـــى رغم كل الظروف السياسية المحيطة، وفرص الحل وإنهاء الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي الأكثر حظاً في هذه الآونة علـــى رغم كل ما يحيط بها من عوامل تدعو لليأس والإحــباط، لكن ذلك يتطلب من الفلسطينيين جهوداً على كل الجهات، المحـــلية والإقليمية والدوليـــة، وضـــرورة تفعيل الديبلوماسية الفلسطينية من خلال استثمار الــقرارات الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية ومن أهمها القرار الرقم 19/67 الخاص بالاعتراف الدولي بدولة فلسطيــــن والتلــويح بقوة بإعلان الدولة الفلسطينية وفق هذا القرار، وكذلك قرار مجلس الأمن الأخير الرقم 2334 والذي دان الاستيطان في أراضي 1967 واعتبره غير شرعي وغير قانوني، وبموجبه لا يجوز نقل السفارة الأميركية إلى القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية وفق حدود 1967.
كـذلك ضرورة صياغة برنامج وطني شامل وفق رؤيـــة وحدوية جامعة للكل الـفلسطيني على أسـاس الشراكة السياسية والتنازل عن الأجندات الحزبية الخاصة وتسخير كل الاستراتيجيات لإنجاح مشروع الاستقلال الوطني من خلال إنهاء الانقسام السياسي بين حركتي "فتح" و"حماس". واستكـمال ما تم الاتفاق عليه في اجتماعات لبنان حول المجلس الوطني والتئام الشمل الفلسطيني تحت مظلة وطنية واحدة.
وعلى رغم انخفاض توقعات مخرجات مؤتمر باريس إلا أنه يمثل مناورة سياسية مهمة لمصلحة الفلسطينيين، خصوصاً حينما تجتمع 70 دولة وتؤكد حل الدولتين وتدين إسرائيل المستمرة في تعنتها السياسي ورفضها منح الفلسطينيين حقوقهم، ما يزيد من عزلتها دولياً، ومخطئ من يظن أن مثل هذه الإدانات لا تؤرق إسرائيل وتزعجها وتدفعها إلى البحث عن طرق لتحسين صورتها، وهذا ما شهدناه من محاولات نتانياهو لمنع عقد مؤتمر باريس بكل الوسائل.
لدينا الكثير من الأوراق السياسية التي يجب أن نستغلها في ظل سعي القوى الدولية إلى لعب دور في المنطقة، وضرورة بناء علاقات وثيقة معها بما يضمن انحيازها إلى جانب حقوقنا السياسية، في حال إجراء أي مفاوضات لتسوية نهائية لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي.
عبير عبد الرحمن ثابت