هل حقاً قطاع غزة يشكل عبئاً مالياً على السلطة الفلسطينية؟، وهل حقاً تنفق السلطة الفلسطينية أكثر من نصف مصروفاتها على القطاع المنكوب؟، ولماذا يتم تداول هذه المعلومات على عواهنا دون أن تقدم وزارة المالية ما يؤكد على ذلك بلغة الأرقام التفصيلية كي تقطع جهينة قول كل خطيب؟، وهل حقاً الايرادات التي تدخل خزينة السلطة من قطاع غزة خجولة للدرجة التي تفرض علينا الصمت حيال كل حالة التهميش التي يعيشها القطاع؟.
خلال اجتماع لوزير المالية "شكري بشارة" مع ممثلين من القطاع الخاص وردا على سؤال بشأن الايرادات من قطاع غزة قال بأنها تقتصر على 7_ 8 مليون شيكل شهرياً من مقاصة الوقود المورد إلى القطاع، في الوقت الذي تستمر الحكومة بالوفاء بكامل التزاماتها تجاه القطاع، سواء الرواتب والمخصصات الاجتماعية أو تنفيذ المشاريع التطويرية، اضافة الى 40_50 مليون شيكل شهريا يخصمها الجانب الاسرائيلي ثمناً للطاقة الموردة للقطاع، حسب أقوال وزير المالية تشكل ايرادات المقاصة من قطاع غزة ما نسبته 10% فقط من ايرادات المقاصة التي تدخل خزينة السلطة، لسنا هنا بمعرض تفنيد ذلك يكفي أن نقول أن قطاع غزة يستهلك مليون لتر محروقات يومياً والمقاصة المتعلقة بذلك تفوق بكثير تلك الارقام التي تناولها.
أقرت حكومة الوفاق الفلسطيني الموازنة العامة للسلطة الفلسطينية لعام 2017 بقيمة 4,48 مليار دولار، فيما بلغت النفقات الجارية 4,1 مليار دولار والميزانية التطويرية بقيمة 350 مليون دولار، بعجر في الموازنة العامة بقيمة 465 مليون دولار بواقع 39 مليون دولار شهرياً، هذا بالإضافة الى 300 مليون دولار متأخرات على السلطة واجب تسديدها، وتم احالة الموازنة للرئيس للمصادقة على مشروع القانون الخاص بذلك، ما يلفت الانتباه النقاش الذي سبق اقرار الحكومة للموازنة والذي اقتصر على جلسة مع أعضاء من المجلس التشريعي تم تسمينهم إلى هيئة الكتل البرلمانية وتلك التي جمعت وزير المالية بممثلين عن القطاع الخاص، كان من الممكن ألا يستوقفنا مشروع الموازنة لهذا العام اسوة بالأعوام السابقة من عمر الانقسام، إلا أن النقاش في الجلسات الضيقة التي خصصت لاستعراض الموازنة تفرض علينا التوقف حيالها:
أولاً: الجلسة التي جمعت وزير المالية مع "هيئة الكتل البرلمانية" افتتحها الأخ عزام الأحمد مرحباً "بزيارة" الوزير مثمناً حرص وزير المالية على تقديم الموازنة العامة لهيئة الكتل والقوائم البرلمانية، ولعل هذا يكفي لأن نترحم من جديد على المجلس التشريعي السابق الذي كان ينقب في التفاصيل الدقيقة للإيرادات والمصروفات المتعلقة بالموازنة، والجلسات التي تخصص لمناقشة الموازنة كانت الأكثر سخونة والتي أوشكت في احداها على حجب الثقة عن الحكومة لولا تدخل الرئيس أبو عمار وسيطاً كي يخفف التوتر بين الحكومة والمجلس التشريعي على خلفية الموازنة.
ثانياً: ما تفضل به وزير المالية في حلسته مع ممثلين عن القطاع الخاص والذي استحضر من خلاله الجغرافيا بصورتها المقيتة، وطالما أن وزير المالية عمل مقارنة سريعة بين ما تصرفه الحكومة على قطاع غزة وبين ما يدخل خزينتها منه في ايحاء منه بما تمنه الحكومة على القطاع، وبما يعزز الشعور بأن الضفة الغنية تنفق على القطاع الفقير، فمن حقنا التوقف أمام ذلك بجملة من الأسئلة برسم الاجابة دون حرج الجغرافيا، كم عدد الموظفين الذين تم تعيينهم من قطاع غزة في السلطة منذ الانقسام، وكم عدد الموظفين الذي احيلوا للتقاعد خلال ذات الفترة؟، ما هي البدلات التي يحصل عليها الموظف في الضفة ومحجوبة عن موظفي غزة؟، ليتك سيادة الوزير تبين لنا بجدول مقارن عدد موظفي السلطة بين عامين 2006 و2017 حسب توزيعهم الجغرافي، ونكون شاكرين لكم إن قدمتهم لنا جدول مقارن بقيمة الرواتب في شقي الوطن، كم هي المصروفات التي تنفقها السلطة على مؤسساتها في قطاع غزة؟، ما الذي يمنع الحكومة من معالجة ملف تفريغات 2005 حسب القانون؟، هل تعتقد أن الأموال التي يتم جبايتها في القطاع ولا تدخل خزينة السلطة يتحمل المواطن المسؤولية عنها؟، فقط للتذكير بأن الحكومة جاءت بثلاث مهمات لا رابع لها، توحيد مؤسسات السلطة واعادة اعمار غزة والتحضير للانتخابات.
ان تكرار الحديث الغير صحيح حول انفاق الحكومة على المحافظات الجنوبية من الوطن اسس لجدار نفسي بتنا نلمس تأثيره في العلاقة بين شقي الوطن، وأخشى أن يقودنا إلى مفاهيم مغلوطة من الصعب مستقبلاً علاج تداعياتها، إن مداراة الفشل بجملة من الاكاذيب المعنونة بالجغرافيا ينكأ جرحا مشبعاً بالألم والوجع.
بقلم/ د. أسامه الفرا