إن الاستيطان الإسرائيلي، عقيدة صهيونية، تقف عقبة في طريق السلام، وفي طريق تحقيق الاستقلال الفلسطيني المنشود، لقد نظر قادة الحركة الصهيونية وفي مقدمتهم رؤساء حكومات إسرائيل من اليسار واليمين على السواء، أن الاستيطان الإسرائيلي يعدُ تعبيراً عن الحيوية الدائمة للصهيونية ورؤياها الخلقية، وأن الأمن والسيادة والاستيطان أمور مترابطة لا انفصام لها، وبهذا التفكير الإسرائيلي، فإن الأمن الذي يوفره الاستيطان، هو في جوهره مفهوم وجودي، أكثر مما هو ضرورة أمنية، وقد عبر وزير الحرب الإسرائيلي موشي ديان في سبعينات القرن الماضي عن ذلك بقوله ((إن المستعمرات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة حيوية، ليس لأنها تستطيع توفير الأمن أفضل من الجيش، بل لأنه من دونها لا يمكننا الاحتفاظ بالجيش في هذه المناطق، فمن دونها تصبح القوات الإسرائيلية جيشاً أجنبياً يحكم شعباً أجنبياً)) !!!!
لذلك مارس الاحتلال الإسرائيلي على اختلاف حكوماته المتعاقبة، سياسة استيطانية متصاعدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتصاعدت بوتيرة أكبر بعد اتفاق أوسلو، ليتجاوز عدد المستوطنين اليوم أكثر من 700 ألف، نصفهم في القدس ومحيطها والنصف الآخر في باقِ أنحاء الضفة الغربية، وذلك بهدف خلق أمر واقع يحول دون تقسيم القدس من جهة، واعادتها إلى ما كانت عليه قبل الاحتلال في 5/حزيران/1967م ودون إمكانية أن تكون عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة، يضاف إلى هذه السياسة الاستيطانية العدوانية، بناء جدار الفصل العنصري على أراضي فلسطينية محتلة متمماً لهذه السياسة الخرقاء من جانب الاحتلال، ليصنع أوضاعاً جغرافية تزيد الوضع تعقيداً، أمام الاستقلال الفلسطيني المنشود والذي تؤكد عليه قرارات الشرعية الدولية وحكم محكمة العدل الدولية الخاص بالجدار عام 2005م، والذي اعتبره عملاً غير مشروع على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وسلسلة القرارات الأممية التي صدرت بعد ذلك سواء عن الجمعية العامة، أو عن مجلس الأمن وآخرها القرار 2334 الذي يدين ويعارض الإستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م، والتي يقر المجتمع الدولي أنها ستكون هي أراضي الدولة الفلسطينية التي ستتمخض عن الحل السياسي للصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كل ذلك يواجه بزيادة وتيرة الإستيطان في القدس وفي بقية أنحاء الضفة الغربية بل يتمادى الكيان الصهيوني في تحديه للمجتمع الدولي من جهة وللشعب الفلسطيني من جهة أخرى بمحاولة إسباغ الشرعية القانونية من وجهة نظره على مستوطناته القائمة والمنوي إقامتها أو توسعتها عبر ما أقره الكنيست الصهيوني من ((قانون تسوية المستوطنات)) ليؤكد رفضه الموضوعي لمطالب الفلسطينيين والمدعومة من المجتمع الدولي بإنهاء الإحتلال والإستيطان وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على أراضيه المحتلة عام 1967م، رغم معرفته المسبقة أن كافة التشريعات التي يسنها أو يقرها بشأن تواجده على الأراضي المحتلة الفلسطينية باطلة بطلاناً مطلقاً، ولا يمكن أن تكسبها أية مشروعية وأنها مخالفة لميثاق الأمم المتحدة ولقراراتها المعنية بالصراع، ولقواعد القانون الدولي وفي مقدمتها قانون الحرب، وإتفاقيات جنيف الأربعة وخصوصاً منها ما يتعلق بحماية المدنيين وممتلكاتهم، وتحريم وتجريم نقل السكان للإستيطان والسكن في الأراضي المحتلة وإعتبارها جريمة حرب، فهو يتمادى في صلفه وتحديه للقانون الدولي وللمجتمع الدولي قاطبة بما فيه صُنّاعِه، ما يؤكد على حقيقة صارخة وصادمة للجميع وهي أن الصهيونية لا يمكن أن تنتعش وتستمر بدون متلازمة العنصرية ضد الغير وإستمرار حركة الإستيطان أيضاً في أراضي الغير وهم الفلسطينيين، مما يهدد كافة الجهود الدولية الهادفة إلى إيجاد تسوية للصراع، وفرض شكل وحيد للصراع وهو العنف والتحدي بحيث يصبح صراع وجود لا حدود، وعدم قابليته للإنتهاء أو الإختفاء أو التسوية دون فرض إرادة طرف على الطرف الآخر.
إن هذه العقلية الصهيونية الخرقاء والقائمة على أسس من العنصرية والتوسع، لا يمكن الوصول معها إلى شكل من أشكال التسوية، هذا ما يفرض على الشعب الفلسطيني أن يواجه هذا العدوان السافر على أبسط حقوقه الدنيا في العيش بوطنه أن يقاوم هذه السياسات بمختلف الوسائل والأساليب الممكنة والمتاحة والتي يمنحه إياها القانون الدولي بكل أشكالها للدفاع عن حقوقه الوطنية غير القابلة للتصرف، ويفرض على المجتمع الدولي القيام بواجباته التي يفرضها عليه ميثاق الأمم المتحدة من أجل تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير وإتخاذ كافة الإجراءات والتدابير التي تقضي إلى إذعان الكيان الصهيوني، لتنفيذ ما يتوجب عليه إزاء ذلك، ودون ذلك فإن السياسات الصهيونية القائمة على العنصرية والإستيطان والتوسع ستبقى صاعق التفجير للأمن والإستقرار في المنطقة، فلابد من جراحة في عقلية وذهنية الكيان الصهيوني تخلصه من فلسفته العنصرية والتوسعية الإستيطانية التي تهدد وجوده من جهة وتهدد الأمن والسلام في المنطقة من جهة أخرى، لأنه من غير الممكن أن يكون هناك أمن وسلام مع الإستيطان.
بقلم/د. عبد الرحيم جاموس