أيادي الخير البحرينية..وعي إنساني عابر للحدود

بقلم: عصام يوسف

تترسخ مفاهيم العمل الخيري في تطور التكوين الفكري للمواطن البحريني، بشكل متلازم مع منظومة المبادئ والمعتقدات المستمدة من الأحكام والتشريعات الإسلامية، وبما يتوافق مع الالتزام الأصيل بالقضايا الإنسانية والأخلاقية تجاه الوطن والأمة والإنسان.

ويحتل الفكر الخيري والإنساني حيزاً كبيراً من تكوين الشخصية البحرينية بما يتناغم مع محيطها الخليجي والعربي والإسلامي، على الرغم من بعض الخصوصيات التي لازمت الحالة البحرينية كاتساع هامش الفقر في المجتمع البحريني مقارنة مع مثيلاته من دول الخليج، فضلاً عن تحديات أخرى واجهت تطور القطاع الخيري في البلاد.

وقد استطاعت مؤسسات العمل الخيري في مملكة البحرين، خلال عقود مضت، أن تثبت نضجاً ووعياً كبيرين إزاء العديد من التطورات والتحديات، تراوحت بين تطوير أدائها من أجل القيام بمسؤولياتها كقطاع ثالث يسهم في عملية التنمية المستدامة ومحاربة الفقر، على المستوى الوطني، وأخرى دولية فرضتها تداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 على العمل الخيري العربي والإسلامي برمته.

ففيما تشتهر كأكبر مركز مالي في منطقة الخليج العربي، إلا أن إحصائيات تشير إلى نحو 44 ألف فرد في مملكة البحرين يتلقون مساعدات اجتماعية، كما أن مظاهر الفقر التي تنتشر في أحياء ومناطق عديدة في البلاد لا يختلف عليها اثنان، على الرغم من الاختلاف حول كون هذا الفقر "نسبي" أم "مدقع"، ما يؤكد على اتساع مساحة الوعي والالتزام الأخلاقي تجاه القضايا الإنسانية، والانسجام الكبير بين نقاء الفطرة والرقي الفكري مع الممارسة العملية للعمل الخيري والإنساني.

ويفرض هذا الواقع على المؤسسات الخيرية عبئاً إضافياً، يكمن في الحاجة لتطوير أدائها بهدف شمول كافة الأسر المحتاجة في كل أرجاء البلاد بما تقدمه من مساعدات عينية وغير عينية، وبما تنفذه من مشاريع تنموية تهدف لانتشال هذه الأسر من الفقر، وتحسين أوضاعها المعيشية.

كما أن واقع الفقر في المجتمع البحريني لم يمنع يد العطاء والإيثار لدى البحرينيين من أن تمتد للمنكوبين والأشد حاجة في مناطق مختلفة من العالم، حيث لم تميز بين شقيق عربي أو مسلم منكوب، وأخ في الإنسانية يعاني الفاقة يسكن في أقاصي الأرض، لينطلق معها فرسان الخير من القائمين على المؤسسات الخيرية، والعاملين فيها، كسفراء للإنسانية يرسخون الصورة المشرقة لبلادهم، ويسطرون أمجاداً تضاف إلى أمجادها في سجل الشرف والأصالة وتأدية الواجب الإنساني.

ولتحقيق غايات الحراك الإنساني انخرطت في العمل المجتمعي مؤسسات خيرية ومدنية تمثل مختلف الطيف المذهبي والفكري في البحرين، مستفيدة من الانفتاح الديمقراطي الذي بدأ مبكراً في المملكة الخليجية، حيث صُنف في ريادته ثانياً بعد الكويت، لتخوض هذه المؤسسات في ظل هذه الأجواء تفاعلاً مجتمعياً، نجحت من خلاله العديد منها في ترسيخ مفاهيم العمل الخيري والإنساني في مجتمع يشهد تاريخه على الانفتاح على الآخر باعتبار أن أرض البحرين استوطنت فيها حضارات، كما تفاعلت على مر تاريخها مع العديد من الحضارات.

وقد سعت المؤسسات الخيرية البحرينية، إلى التناغم مع مشاريع الإصلاح الاجتماعي والسياسي التي أطلقها العاهل البحريني منذ عدة سنوات، بهدف ترسيخ صورة المجتمع الواحد المتماسك الذي يقف بصلابة في وجه المتربصين به وبوحدة نسيجه، وذلك من خلال تكوين حالة من الوعي المجتمعي بضرورة التوحد ونبذ كافة أشكال الفرقة، والعمل على محاربة الفساد المالي والإداري وصولاً لترسيخ مبدأ العدالة الاجتماعية في البلاد.

وقد انعكس ذلك بشكل واضح على أداء هذه المؤسسات، التي وصلت مساعداتها لمستحقيها في كافة أنحاء المملكة، من بحرينيين وغير بحرينيين، لتؤكد على مفاهيم العمل الإنساني المتجردة من أية معتقدات قائمة على التمييز بين مستحقي الدعم الإنساني، والمستندة لتعاليم الدين الإسلامي الذي لا يقف فيه مد أيادي الخير عند حدود، ولا تخضع لأية اعتبارات ضيقة لا تحترم إنسانية الإنسان أينما كان.

وفي إطار تدعيم قطاع العمل الخيري وجعله جزءاً من هوية الدولة، صدرت الإرادة الملكية عام 2001 بتأسيس لجنة تقوم على كفالة جميع الأيتام البحرينيين من الأسر المحتاجة والأرامل البحرينيات، لتكون البذرة الأولى للمؤسسة الخيرية الملكية فيما بعد.

ويكبر الصرح الخيري خلال سنوات قليلة، حيث صدرت الإرادة الملكية بإعادة تنظيم "المؤسسة الخيرية الملكية" برئاسة فخرية من العاهل البحريني نفسه، لتتولى بعدها المؤسسة أداء دورها الريادي في تقوية أركان العمل الخيري والإنساني في البلاد، والنهوض بدورها الاجتماعي والاقتصادي، إلى جانب الإنساني.

وقد تسنى لها ذلك من خلال تنفيذها العديد من البرامج والمشاريع الخيرية ككفالة "الأرامل والأيتام ورعاية المسنين وذوى الاحتياجات الخاصة، وتقديم المساعدات الاجتماعية والصحية والتعليمية، والمساهمة في تخفيف الأعباء المعيشية عن الأسر المحتاجة، والمساهمة في إنشاء وتنمية المشاريع الاجتماعية والخيرية غير الربحية كدور الأيتام ورعاية الطفولة والمعاقين ومراكز المسنين ورياض الاطفال، وتأهيل الأسر المحتاجة ومراكز التأهيل الصحي والمساهمة في أعمال التنمية المستدامة"، بحسب برامج عملها المعلنة.

وقد جسدت المؤسسة روح الإخاء والروابط الإنسانية من خلال دعمها لأشقائها العرب والمسلمين في كافة أصقاع الأرض، حيث نفذت الحملات الإغاثية في العديد من المواقع التي تشهد أوضاعاً إنسانية صعبة، وحاجة ماسة للدعم الإنساني، كتقديم المساعدات لأبناء الشعب الباكستاني الشقيق عام 2010، بعدما أغرقت الفيضانات مساحات واسعة من البلاد، من خلال إرسال المواد الإغاثية العاجلة، ومواد المأوى المؤقت، إضافة لوحدات تنقية مياه الشرب.

كما لبت النداء الإنساني في الصومال عام 2011 بعدما تعرضت لموجة مجاعة شديدة، من خلال رصد ملايين الدولارات لتقديم المساعدات الإغاثية العاجلة، وحفر آبار المياه، ثم بنائها لمستشفى تخصصي، وبنائها المجمع العلمي في جامعة مقديشو الوطنية، وتأسيس مركز لطب وجراحة العيون.

علاوة على ذلك قامت المؤسسة بدور إنساني محوري في مواقع أخرى كدعمها للشعب التركي في مواجهة محنة الزلزال الذي ضرب البلاد عام 2012، ودعم الشعب الفلبيني الذي ضرب الإعصار بلادهم عام 2014، وكذلك مشاريعها الإنسانية في مصر، وتنفيذها للعديد من المشاريع التي تهدف لإغاثة اللاجئين من أبناء الشعب السوري الشقيق في مناطق تواجده في الأردن وبقية دول الجوار.

وفي الموضوع الفلسطيني أكدت المؤسسة الخيرية الملكية بأن مملكة البحرين على عهدها في الوقوف إلى جانب أبناء الشعب الفلسطيني، وقد ترجمت المؤسسة ذلك من خلال تنفيذها للحملات الإغاثية التي استهدفت المحاصرين في قطاع غزة، كـ "اللجنة البحرينية الوطنية لإغاثة الشعب الفلسطيني في غزة"، وكرست ذلك من خلال حملات التبرع عبر التلفزيون الرسمي.

واستمر دعم المؤسسة لأبناء غزة خلال السنوات الماضية عبر إرسال شحنات بالمواد الإغاثية، وبعثات ومواد طبية لعلاج جرحى الحروب الإسرائيلية المتكررة على القطاع، واهتمامها البارز بدعم القطاع التعليمي من خلال إنشائها لمدرسة "مملكة البحرين" في غزة، وتوسعة مدارس أخرى، وتجهيز المختبرات العلمية في الجامعة الإسلامية بغزة، وغير ذلك من المشاريع ذات الأثر العميق في تحسين حياة مستحقي هذه المساعدات من أبناء الشعب الفلسطيني.

وقد أتاح القانون الخاص بالجمعيات الأهلية، الصادر عام 2007، وضع البلد الخليجي الأقل مساحة على خارطة العمل الخيري والإنساني في نطاقاته الواسعة، حيث باتت مملكة البحرين من أعلى دول الخليج في عدد الجمعيات بالنسبة لعدد السكان، إذ يبلغ نسبتها إلى عدد السكان "جمعية واحدة لكل 1510 نسمة"، بحسب إحصاءات حكومية.

إلا أن ذلك لا يعني بأن هذا التاريخ هو بداية تدشين قطاع العمل الخيري في مملكة البحرين، التي انطلقت فيها "جمعية الإصلاح" كباكورة المؤسسات الخيرية البحرينية، تحت اسم "نادي الطلبة"، حيث تعتبر أقدم جمعية خليجية إذ تأسست عام 1941م، تلاها تأسيس العشرات من الجمعيات والمؤسسات الخيرية التي اتسم أداء العديد منها بالمهنية العالية في مجال العمل الخيري داخل مملكة البحرين وخارجها.

وقدمت "جمعية الإصلاح" نفسها للمجتمع البحريني كمؤسسة ملتزمة بالمنهج الإسلامي الوسطي، المستمد من الكتاب والسنة، ورفعت شعار "التعاون مع كافة الجهات الرسمية والأهلية على تنمية الوطن وازدهاره وتعزيز وحدته الوطنية، والإيمان بالوحدة الخليجية، والسعي لتعزيز انتماء المجتمع للعالمين العربي والإسلامي، ومؤازرة الشعوب العربية والإسلامية في سعيها إلى النهوض والوحدة".

وتنفذ الجمعية مشاريعها من خلال "لجنة الأعمال الخيرية"، التي تستهدف الداخل البحريني، إضافة لمشاريعها خارج المملكة، ساعيةً لشمول كافة الفئات المحتاجة، حيث يظهر ذلك في فلسفتها بتنويع المشروعات، لا سيما إعطائها الأولوية للأسر المتعففة في البحرين من خلال حزمة مشاريع تتضمن (الحقيبة المدرسية والزي المدرسي، ترميم البيوت القديمة والمساعدات المنزلية، والمساعدات الطارئة والموسمية، إضافة للمساعدات العلاجية وكفالة الأسر البحرينية).

كما تتبنى دعم المشاريع التنموية في البلاد من خلال مشروع (الأسر المنتجة)، ومشاريع التنمية البشرية، فضلاً عن دعمها لطلبة العلم، وكذلك المقبلين على الزواج.

وتخصص الجمعية قسطاً كبيراً من الدعم لأبناء الشعب الفلسطيني الذي يعاني تداعيات الاحتلال الذي يمارس كافة أشكال القهر والتجويع والتنكيل بحق الفلسطينيين، ويتجلى ذلك في إطلاقها "مشروع وقفية القدس" الذي يهدف لتوفير الموارد المالية التي يمكن من خلالها الإسهام في نصرة قضية القدس والمسجد الأقصى، ودعم صمود أهالي المدينة التي تعاني نتيجة مخططات الاحتلال التهويدية كما يعاني أهلها الاقتلاع والتهميش.

ولم يقتصر دور "الإصلاح" البحرينية في هذا الجانب من دعم لحقوق أبناء الشعب الفلسطيني في القدس المحتلة، بل ساهمت الجمعية في تنفيذ مشاريع إغاثية وتنموية في قطاع غزة الذي يعيش أهله حصاراً جائراً منذ نحو عشر سنوات، أدى لزيادة مساحة الفقر والعوز لتشمل غالبية سكانه الذين باتوا يعتمدون على المساعدات الإنسانية الخارجية، ونسب غير مسبوقة من البطالة، إضافة لتدهور كافة القطاعات الحيوية، على رأسها القطاع الصحي، ما أدى لوفاة مئات المرضى نتيجة الحصار.

كما أن الجمعية لم تألُ جهداً في تقديم يد العون للأشقاء السوريين الذين يعيش الملايين منهم منذ سنوات مرارة الصراع الدموي الدائر على أرضهم، الذي آل بهم كنازحين في أرضهم، ولاجئين في دول الجوار، ومشردين في مختلف قارات العالم، فقد نفذت الجمعية العديد من المشاريع الإغاثية التي استهدفت اللاجئين السوريين في الأردن ولبنان..وغيرها من أماكن تواجدهم، حيث لا تزال في هذه المرحلة قضية اللاجئين السوريين تشكل إحدى الأولويات لدى الجمعية.

وللهلال الأحمر البحريني فلسفته في العمل الخيري والإنساني، من خلال انتهاجه منهجاً عصرياً في العمل التطوعي، حيث راكمت المؤسسة خبراتها بفضل تنفيذها للمشاريع الإغاثية في الدول والمناطق التي تعاني الكوارث والنكبات، واستفادتها الكبيرة من أساليب وبرامج عمل المؤسسات الإنسانية الإغاثية الدولية عن طريق عضويتها في الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر عام 1972، وذلك بعد عام من تأسيسها.

وقد أكد الهلال الأحمر البحريني على المسؤولية العالية التي يتحلى بها، ليثبت بأنه أحد الحراس الأمينين الذين يقومون على حماية ونشر مبادئ القانون الدولي الإنساني، من خلال تقديم الخدمات والمساعدات الإنسانية للمحتاجين، إضافة لتدريب وتأهيل متطوعين بالعمل الإنساني وفق أعلى المعايير الدولية.

ويقوم الهلال الأحمر البحريني بعمل جليل يكمن في توعية العاملين والمختصين في مجال العمل الإغاثي الإنساني وذلك من خلال عقده الدورات وورش العمل بشكل مستمر، ما أسهم في رفد قطاع العمل الخيري والإنساني بالكفاءات المهنية العاملة في هذا المجال.

ويعمل الهلال الأحمر البحريني في بؤر عدة ومواقع تشهد أزمات في العالم، كسوريا واليمن والعراق والصومال والسودان والهند وباكستان وبنغلادش واندونيسيا والفلبين، فضلاً عن اهتمامه الخاص بدعم المحتاجين من أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات.

أما الجمعية الإسلامية فقد حملت على عاتقها شمولية العمل الخيري والدعوي في آن واحد، حيث يجمع برنامج عملها بين تحفيظ القرآن وتعلم معانيه، وتعليم سنّة نبي الرحمة محمد (صلى الله عليه وسلم)، ونشر الوعي الإسلامي وبناء المساجد، كما أنها تفتح ضمن أهدافها أفق الحوار بين أتباع المذاهب والأديان والأفكار المختلفة، إضافة لتنفيذ المشاريع الخيرية التي تسعى من خلالها لشمول كافة الفئات المحتاجة في مختلف أماكن تواجدها داخل مملكة البحرين وخارجها.

وقد ركزت في تنفيذ مشاريعها خلال السنوات القليلة الماضية على مناطق التوتر والاضطراب في المنطقة، حيث كثفت من دعمها للاجئين من أبناء الشعب السوري، إضافة لمد يد العون للأشقاء في اليمن في ظل المحنة التي يمرون بها.

ولم يغب الجرح الغائر لأبناء الشعب الفلسطيني عن برامج المؤسسة منذ تأسيسها في العام 1979، والتي كانت حاضرة على مدى سنوات طويلة، لم يكن آخرها تنفيذ العديد من المشاريع الإغاثية والتنموية داخل قطاع غزة المحاصر، والتي تشهد على إبداعها في مساعدة المحتاجين وانتشال العشرات من شباب غزة الذين يعانون البطالة، وكفالة أيتامها، وعلاج جرحاها ومرضاها.

وفي قصة "جمعية التربية الإسلامية" تجربة نجاح أخرى لصرح خيري إسلامي، بدأت بمبادرة من جانب مجموعة من المتطوعين في السبعينيات من القرن الماضي، لتتحول إلى مؤسسة تخوض العمل الإنساني، كشجرة نمت سريعاً ووصلت بظلالها الوارفة إلى المحتاجين والباحثين عن الظل هرباً من الجوع والمرض..وغيرها من النكبات.

فبرنامج عمل المؤسسة يقوم على النهوض بالمجتمع البحريني، فضلاً عن تقديم يد العون للمحتاجين خارج المملكة، حيث شملت مشاريع المؤسسة مناطق مختلفة من بقاع الأرض، التي تتضمن: دعم الأسر المحتاجة وتمكينها اقتصادياً، وتقديم المساعدات لتيسير الزواج، وبناء وترميم بيوت الفقراء، وكفالة الأيتام وبناء الدور الخاصة بهم، إضافة للمشاريع الموسمية، ومشاريع الدعم الإغاثي..وغيرها من المشاريع.

كما يتجاوز عمل المؤسسة حدود بلادها لتترك أثرها الخيري والإنساني في بلاد إسلامية أخرى، حيث تكثف جهودها الخيرية في الوقت الحالي لتنفيذ مشاريع إغاثية في سوريا والعراق، وغيرها، إضافة لدعم أبناء الشعب الفلسطيني نظراً للظروف الإنسانية الصعبة والاستثنائية التي تعيشها هذه الشعوب.

وللحقيقة التاريخية الواجب ذكرها، أن الجرح الفلسطيني جمع الشعب البحريني بكل أطيافه ومذاهبه على مر التاريخ تحت راية واحدة، وهي التضامن مع قضية أشقائهم العادلة، فيما تمتلئ ذاكرتي وذاكرة أبناء شعبي بمشاهد التظاهرات والفعاليات المختلفة التي نظمها أبناء الشعب البحريني، على اختلاف مكوناتهم وتوجهاتهم الفكرية والعقائدية، لا سيما في الملمات والأحداث الفلسطينية الجسام، فقد كان قلب المنامة والمحرّق وغيرها من المدن البحرينية ينبض مع القدس ورام الله ويافا، ومختلف بقاع الأرض الفلسطينية كجسد واحد، كما أن صرخة الألم الفلسطيني كانت تجد صداها لدى الشقيق البحريني الذي لم يتوان لحظة عن نصرة أشقائه.

وتعتبر "جمعية مناصرة فلسطين" إحدى الأيقونات الدالة على عمق الوعي الشعبي البحريني بقضية أمته المركزية، ومدى التزامه بترسيخ مفاهيم عدالة القضية الفلسطينية في عقول الأجيال المتعاقبة، حيث يظهر ذلك من خلال رسالة الجمعية التي تتلخص في "سعيها إلى إيقاد ذاكرة المجتمع بقضية فلسطين وإيقاظ همّته لنصرتها، وإبقائها ضمن اهتمامات الأمة الأولى، حيث تعمل على تحقيق ذلك بكافة الوسائل المشروعة، ضمن الإطار الفكري والثقافي والإعلامي".

وتتنوع وسائل الجمعية في تحقيق أهدافها المناصرة للأشقاء الفلسطينيين، والتي تنسجم في ذات الوقت مع خصوصيات مراحل النضال الفلسطيني، ومن أمثلة ذلك "التوعية بأهمية المقاطعة الاقتصادية الشعبية للعدو الصهيوني، و"التوعية بمفهوم الصهيونية ومدى خطورتها على العالم العربي والإسلامي، وتأكيد عزلها، ومقاومة كافة أشكال التغلغل الصهيوني في الشؤون العربية والإسلامية".

وقامت في سبيل ذلك ببذل جهود كبيرة تنوعت بين "تنظيم الفعاليات عبر الوسائط المختلفة كالندوات والدورات والمحاضرات والأمسيات والمعارض والمطبوعات الثقافية"، وبين "الترويج لمشاريع نهضة فلسطين في مختلف المجالات، ودعوة الأمة إلى تبنيها ودعمها من خلال إقامة فعاليات بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني والجهات الرسمية وبمشاركة الخبراء والمهتمين بالشأن الفلسطيني".

وفي موازاة ذلك تنفذ الجمعية مشاريع خيرية في شقيها الإغاثي والتنموي، تستهدف أبناء الشعب الفلسطيني، من أبرزها كفالة الجمعية لأكثر من مائة ألف يتيم فلسطيني في الضفة الغربية وغزة ولبنان وسوريا، بدءاً من الروضات حتى إنهاء الدراسة الجامعية، فضلاً عن تنفيذها لعدد من المشاريع الخيرية في قطاع غزة، ومشاركتها في القوافل الإنسانية التي تدعم أهل القطاع المحاصرين، وتقف إلى جانبهم في محنة الحصار المستمر منذ سنين طويلة.

ومن المؤسسات الخيرية ما يستهدف في مشاريعه دعم قطاعات معينة باعتبار أن التركيز على مجالات بعينها، يسهم في تدعيم بنيان المجتمع البحريني، خاصة حين يتمحور هذا الدعم حول الأسرة، ومن أمثلة ذلك جمعية "الكلمة الطيبة" التي توجه مشاريعها نحو دعم الأسرة البحرينية، حيث ساهمت في بناء مراكز رعاية للوالدين، كما تنظم برامج تستهدف الأطفال، كتنظيم ملتقيات الأشبال وعطلة الربيع السنوية، والحقيبة المدرسية، إضافة لتنظيم حفلات الزواج الجماعية،

كما تنظم الجمعية المشاريع الموسمية، كمشاريع إفطار الصائم في رمضان، والمشاريع الخاصة بالأعياد، إضافة لتنظيم معارض تسويق منتجات الأسر الفقيرة.

ولجمعية "الهداية الإسلامية" الدور بالغ الأهمية في تربية الشباب البحريني في بيئات صالحة، والذي يعتبر من أبرز أهدافها، حيث تعمل من خلال برامجها على "تأسيس الشباب وتعليمه تعظيم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة".

وبالإضافة لتنظيمها المعسكرات الشبابية، والأنشطة الصيفية فإن لها أنشطة إغاثية، حيث تعمل من خلال برامجها على المزاوجة بين العمل التربوي والإغاثي في آن معاً.

وإضافة لما تم التطرق إليه من مؤسسات خيرية رائدة، فإن من الضروري الإشارة إلى أن القطاع الخيري البحريني يزخر بالعديد من المؤسسات الخيرية ذات البرنامج الشامل لكل فئات المجتمع، ومنها المتخصصة بشؤون فئة معينة كالجمعيات النسائية، أو تلك المتعلقة برعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، وغيرها، والتي تركت بصمات إنسانية لا يمكن محوها عبر الزمن، تشهد لها بعظيم الإنجاز وإخلاص العطاء.

ولعل من أهم إنجازات المؤسسات الخيرية البحرينية عملها تحت عنوان عريض مؤداه تنمية المجتمع المدني البحريني بشكل عام، جنباً إلى جنب مع مؤسسات الدولة وأجهزتها، بما يخدم أبناء المجتمع البحريني الواحد، ويقوي دعائم الوحدة الوطنية فيه.

ولا بد من التأكيد مراراً وتكراراً على عظم الصنيع الخيري البحريني، وما تجود به يد الخير البحرينية داخل الوطن وخارجه، لا سيما وأن هذه اليد قد اقتسمت مع أشقائها المحتاجين في العالمين العربي والإسلامي، ومختلف أرجاء العالم رغيف الخبز، كما أن أداء مؤسسات العمل الخيري البحريني خلال العقود الماضية قد أعطى المثل الأعلى لرفعة خُلق الشعب البحريني، وكرمه الكبير، وإحساسه بالمسؤولية الأخلاقية تجاه أشقائه العرب والمسلمين، وإخوانه من بني البشر.

ومما لا شك فيه، فقد استطاع الشعب البحريني أن يكوّن هويته الخاصة متكئاً على انجاز مشروعه الإنساني وطنياً وعربياً وإسلامياً ودولياً، عبر أدوات حضارية قامت على استنهاض الطاقات التطوعية للشباب، وزرع قيم العمل الخيري والإنساني في عقول النشء، مروراً بدعم وتطوير قدرات المنظمات الأهلية، وصولاً إلى إدماج هذه المنظمات وتمكينها من أداء دورها المجتمعي الأساسي في الإسهام بصنع القرار، وتنفيذ مشاريعها وبرامجها الاجتماعية، بغية تحقيق المشروع التنموي الشامل، خدمةً للإنسان والمجتمع من جهة، وإبرازاً للصورة الحضارية للثقافة العربية والإسلامية التي يتميز بها الشعب البحريني من جهة أخرى.


بقلم: الدكتور عصام يوسف – رئيس الهيئة الشعبية العالمية لدعم غزة