أحد عوامل تعقيد المسار الفلسطيني - الإسرائيلي، هو الطريقة الأميركية في التعاطي معه.
كل الإدارات التي تصدت لهذا المسار، فضّلت أو استسهلت إدارة الأزمة، دون بذل جهد كافٍ لحلها، وفي حالات كثيرة، كانت تتعامل مع مكونات الأزمة بصورة مجتزأة، ولا أغالي لو قلت: سطحية.
إدارة الأزمة والتعامل معها بالقطعة له مردود كارثي، نراه الآن في تحول العلاقات الفلسطينية - الإسرائيلية إلى ما هو قريب من حالة الحرب الشاملة، بعد أن توفرت ظروف موضوعية، حملتنا، ولو بصورة مؤقتة، على الاعتقاد بأن اختراقًا تاريخيًا قد حدث، وأن الحل النهائي صار في متناول اليد.
في هذه الأيام تفاقم الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي ودخل طورًا لم يسبق أن دخله منذ احتلال عام 1967، ليس الأمر فقط في شرعنة خمسة آلاف وحدة سكنية كانت توصف بالعشوائية أو غير القانونية، فهذه الخمسة آلاف تُحتسب ضمن مئات ألوف الوحدات الاستيطانية التي يعتبرها الفلسطينيون والعالم كله غير شرعية، إلا أن ما فعله الكنيست تحت عنوان التسوية، وضع العالم أمام قضية أعقد وأخطر من قضية الاستيطان بصورتها النمطية. إنها ما وُصِفت بالمقدمات السياسية والقانونية لضم الأراضي الفلسطينية، والتعامل مع الشعب الفلسطيني كساكن أمر واقع وُجِد بمحض الصدفة على "أرض إسرائيل".
لا أستبعد أن تبطل المحكمة العليا في إسرائيل قرار الكنيست، كما لا أستبعد إحجام نتنياهو وليبرمان عن تنفيذ القرار، إمّا إذعانًا لرفض المحكمة العليا، أو اتقاءً لعاصفة الإدانة الداخلية والخارجية، التي جعلت إسرائيل، موضوعيًا ودون إعلان، دولة مارقة بالنسبة للعالم كله.
لا يخفى على المتابعين الدور المباشر للإدارة الأميركية الجديدة في تشجيع اليمين الإسرائيلي على جر الدولة العبرية كلها وراء خطوة خطرة من هذا النوع، وحتى نتنياهو الذي لم يكن متحمسًا لعرض الموضوع على الكنيست، قبل أن يتوثق من موقف واشنطن الحقيقي من موضوع الاستيطان، ومخططات استيلائه التدريجي على الأرض الفلسطينية، ويشاطره في ذلك وزير دفاعه أفيغدور ليبرمان، وجدا نفسيهما أمام خيار كانا يتمنيان تفاديه؛ فإما الامتناع عن التصويت من أجل صورة إسرائيل، وإمّا التصويت من أجل الحفاظ على الائتلاف الحكومي الذي هو الغاية الأسمى للاثنين معًا.
إدارة الرئيس ترمب تبدو كما لو أنها تهرب إلى الأمام؛ فلقد تسرب عنها ما يُمكن اعتباره خطة شاملة ليس لحل النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، وإنما لما هو أوسع من ذلك، أي خطة يسميها صفقة لإنهاء أزمة الشرق الأوسط على اتساعها وتعقيدها.
ما تسرب فيه جديدٌ يستحق التأمل والتحليل الموضوعي، ولعله ينطوي على ذكاء في اختيار المدخل الملائم للتشجيع على توسيع دائرة المشاركين في الصفقة... إنه المدخل الأمني، شعاره المجمع عليه هو محاربة الإرهاب، والضيف الجديد على الطاولة العربية هو نتنياهو، الذي لم نتحقق بعد من صدقية ادعائه بأن علاقاته مع العرب تحولت من العداء إلى الصداقة، وإذا كان الأمر كذلك فيفترض ولو منطقيًا أو نظريًا أن تكون الصفقة الأميركية، موضع بحث دون أن أذهب إلى القول موضع قبول.
هنالك مفتاح سحري يمكن أن يدير الأقفال التي اعتراها الصدأ، وهي المبادرة العربية للسلام، التي إن قبل بها نتنياهو، فلن يكون محرجًا لأحد جلوسه على الطاولة العربية، كواحد من أطراف الصفقة، ولا يضر تعديل المقدمات والحيثيات كأن يُدعى الفلسطينيون للمشاركة في العملية، كي لا يشعروا بأن شيئًا ما يُلعب من وراء ظهرهم.
كل هذا مخالف تمامًا للتوقعات التي بلورتها تصريحات الرئيس ترمب في الحملة الانتخابية، وإلى أن يلتقي نتنياهو بالرئيس الأميركي بعد أسبوع، فإن الأيام التي تسبق هذا اللقاء، ستكون مليئة بالتساؤلات والتخمينات والاستنتاجات الحذرة، وسيكون سيد الأسئلة خلال هذه الأيام السبعة... هو: هل سيفعلها ترمب؟
نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني