لم أدرى صباح اليوم بأنه انتقل إلى رحمة الله ، ولا أدرى لم خطر في بالى دون مقدمات وأنا جالس احتسى قهوة الصباح ، حين تساءلت أيحتمل أن يكون مصاباً بنزف في الدماغ ،وتمنيت أن يكون بخير .
فأمس حضر لمركز عبد الله الحورانى ودخل مكتبي ومظاهر الإعياء بادية عليه ،لم يكن بحيويته المعهودة التى عودنا عليه ، ومازحته قائلا هلل ضللت طريقك ولم يكن رده هو المعهود بالضحك والشعر خاصة شعر المرأة هز رأسه وطيف الحزن لم يغادره ، ثم توجه للغرفة المجاورة وهنك حثه الشباب على القاء الشعر فألقى بعضه وهللوا له مصفقين .
ونزلنا أسفل المكتب حيث القاعة التى ستدار فيها إحدى ندوات المركز وهنك لم يبق طويلاً ، وخرج والصمت يخيم عليه لقد كان حزيناً فأوقفته ممازحاً وبقايا حلوى يمضغها فى فمه ماالذى تأكله فرد انها حلوى من القاعة ، ثم سألته ثانية لماذا تخرج مبكراً على غير عادتك فقال اننى متعب ، ويعلم الله فى حينها اننى شددت على يده كأنني سأراه لآخر مرة ، وواصل سيره وأنا انظر اليه متمنياً له السلامة .
من لم يعرف المناضل والشاعر عمر خليل عمر الإنسان فكأنه لم يعرفه ، فهو المتواضع الذي لايعيش على بطولاته ، فقد التقى بأحد الأسرى المحررين من صفقة وفاء الأحرار والذى اخذ يتحدث عن الأسر والتجربة النضالية وتاريخها ، وعندما تحدث المناضل عمر خليل عمر رد عليه المحرر أنت لا تعرف شيئاً عن التجربة النضالية والأسر ، لم يسارع بدوره ليحكى نضالاته بل اكتفى بابتسامة خفيفة ولم يعقب شيئاً هنا تدخلت وقلت للمحرر أنت لاتعرف مع من تتحدث وأسلوبك في فرض رأيك وتجهيل الناس غير مقبول فالذي أمامك قائد قومي كبير ، وعسكري ، وشاعر ، ومعلم أجيال، وسجين ايضاً . هنا بدأ صاحبنا يالتراجع وصار أكثر انصاتا للسيد عمر.
ويحضرني من إنسانيته انه لم يترك أحداً من معارفه المرضى إلا وزاره ، حتى الذين أصابهم مرض الزهايمر وسألته لماذا تذهب وهم لم يعرفوك وتعود كئيباً بعد كل زيارة ؟ فأغرق الدمع عينيه وقال انه واجبي ، حتى الأرامل كان يتردد عليهن داعما لهن ومخففا من ويلات فقدان أعزاءهن .
هذا هو شاعرنا العظيم الذى لم يترك فعالية ثقافية أو نضالية الا وحضرها رغم كبر سنه ، فشارك الناس همومهم واحزانهم وكان جزءاً اصيلا من الوطن لايشكو ولايئن هكذا عاش وفى صمت رحل عن الجميع وهو يمضغ الحلوى . فليرحمك الله ايها المربى الفاضل ، والمناضل المتواضع ، والشاعر الوطنى ، والانسان الانس.
بقلم/ جمال ابو لاشين