الشباب الفلسطيني في قطاع غزة بين الأزمة والخيارات المتاحة

بقلم: إياد مسعود رابعة

قبل الخوض في غمار هذا المقال المتواضع أستذكر مقولة الكاتب والمفكر غازي القصيبي عندما أشار بأن التحدي اليوم هو أن ننحاز إلى الحل لا إلى الأزمة، وأن نكون مع التنمية ضد التخلف، ومع التسامح ضد التعصب، ومع الحرية ضد التسلط، ومع التعليم ضد الجهل، لأن أزمتنا في نظره هي تخلف، جهل، قهر، قمع تعصب، في مناخ مرتبط بانعدام الحرية، والحل يكمن بالاستمرار فى ممارسة التنمية وتشجيع التعليم وإشاعة ثقافة التسامح، وبناء مجتمعات حرة معافاة.
وهنا يحضرني أن أتطرق إلى واقع أليم وحزين يعيشه المجتمع الفلسطيني كباقي بعض شعوب المنطقة إلا أن هناك خصوصية للمجتمع الفلسطيني تختلف عن شقيقاته العربية.
لم تصدمنِ تلك المؤشرات والبيانات التي تصدر بين الفينة والأخرى حول واقع قطاع غزة، وآخرها كان حول إرتفاع نسبة المواطنيين المدمنيين على المخدرات بكافة أشكالها وألوانها حيث بينت إحصائية صادرة عن منظمة الصحة العالمية أن 100 الف متعاطي ومدمن على العقاقير المخدرة في القطاع، وأخرى تشير أن نسبة البطالة بلغت نحو 42.7٪ ، ودراسة أخرى أكدت إرتفاع مستوى الطلاق بشكل مخيف لتبلغ نسبة 15%، فيما نشر تقرير للأمم المتحدة يشير إن 80% من سكان قطاع غزة باتوا يعتمدون بسبب الفقر والبطالة على المساعدات الدولية من أجل العيش، ومن قبل نشرت تقديرات تشير أن قطاع غزة خلال العام 2020 لا يصلح للعيش والحياة فيه، هنا لا أحبذ أن أنكأ الجراح بقدر ما أريد تشخيص الواقع برؤية نقدية لعل وعسى نلقى آذان صاغية منفتحة غير ملبدة.
فالمجتمع الفلسطيني عامة والشباب منه على وجه الخصوص في القطاع يواجه تحديات ومشكلات وأزمات جمة نتيجة لتعقد الحياة وسرعة إيقاعها، والمتغيرات الفاعلة فيه، مما نتج عنه افتقاد الأمن والتواصل مع الآخرين وتضاؤل فرص التعبير وتحقيق الذات ، وما يرتبط بذلك من شعور بالوحدة أو الخوف ، وعدم الإحساس بتكامل الشخصية، وشعور الفرد بأنه أصبح بلا موقف واضح ، وضحية ضغوط غامضة متصارعة يعيشها المجتمع ، ولا يجد لدى المجتمع حلا لتلك الحالة التى يعيشها مما يجعله يشعر بعدم القدرة على ضبط الأحداث والتحكم فيها ، وبالتالي يفقد الثقة فى نفسه وتترسخ لديه قيم السلبية والقلق والرفض ، وغالبا ما يحاول التعبير عن أزمته بأي شكل من الأشكال التي قد تكون فى مظاهر العنف والتمرد، أو التخريب، أو الانغلاق على الذات، والوقوع فريسة لمشاعر الذنب والانسحاب من الواقع أو الهجرة إلى الخارج أو المضي في رحلة البحث عن هوية.
فالحديث عن هذه المشكلات أو الضغوط التي تقع على الشباب الفلسطيني ليست وليدة الساعة بل ترجع لمراحل سابقة ، وهي ظواهر تظهر في كل عصر بثوب وبطبيعة معطيات هذا العصر ، وهي في نفس الوقت لا تنقطع عن الماضي ، وهو ما أكدته الدراسات التي أجريت في العديد من المجتمعات وبين مختلف الطبقات الاجتماعية، فمواجهة الشباب الفلسطيني لهذا الواقع المرير الحاصل متمثلا في عدم وجود سلطات ديمقراطية ووجود أنظمة بيروقراطية عاجزة عن أن تلبي طموحاتهم جعلته لا تبقيه خارجها فقط ، ولكنها تجعل دوره ينحصر في الخضوع لها والالتزام بقوانينها؛ مما يشعره بالعجز وعدم القدرة على تحقيق ذاته ، وفقدان الأمل، وإنعدام معنى الحياة، واللامعيارية (الخروج عن المألوف) والتشيئو، وهو الأمر الذي ترك أمام الشباب الفلسطيني ثلاثة آثار أو خيارات كالانسحاب من هذا الواقع ورفضه ،أو الخضوع إليه في الوقت الذي يعاني من النفور ، أو التمرد على هذا الواقع ومحاولة تغييره ولو كان ذلك بالقوة وهو ما يعجز الشباب في هذه الفترة عن القيام به؛ نظرا لأسباب وعوامل لا يتسع المجال للحديث عنها الآن.
وهنا نؤكد عندما يكون الإنسان عاجزا ، ويعي عجزه في علاقاته بالمجتمع ومؤسساته، يلجا إلى تقبل الوضع مضطراً لمعايشته ولكنه قد لا يقوى على تحمله فيبحث عن مخرج بسبل مختلفة فيلجأ إلى ثلات خيارات وهو ما أفصح عنها المفكر العربي حليم بركات في كتابه الموسوم الإغتراب في الثقافة العربية متاهات الإنسان بين الحلم والواقع، حيث حدد ثلاث خيارات أمام الإنسان لمواجهة هذا الواقع المأزوم وهي:
1- الانسحاب أو الهروب من الواقع على أن يجد سبيلا آخر يجنبه تحمل أوضاعه، فقد لا يتمكن الإنسان من الاستمرار في معايشة أزماته واغترابه في علاقاته بالمجتمع أو الدولة والمؤسسات التي ينتمي إليها أو يعمل ضمنها ، ويدرك أنه لا يقوى على تغيير الواقع أو الرضوخ له ، فيحاول الانسحاب باحثا عن فرص أخرى للخلاص من الوضع الذي يعانيه ، ويتجلى هذا الانسحاب في أشكال مختلفة ، فإذا كان الفرد أو الشاب ينتمي إلى حزب يترك الحزب، وإذا كان يعمل في مؤسسة يبحث عن مكان آخر للعمل ، وإذا كان طالبا في الجامعة والجامعة مستبدة أو غير مفيدة يذهب إلى جامعة أخرى ، وكذلك قد تشكل الهجرة له أفضل الحلول الممكنة، وهذا ما نلحظه عند كثير من الشباب .
2_ الرضوخ أو الخضوع للأمر الواقع والتكيف معه على الأقل ظاهريا، والنفور منه ضمنيا عندما يستحيل الهرب ، أو بسبب العجز واليأس ، وبالتالي يبدأ هذا المتأزم المغترب يتمسك بقيم الصبر، والتملق، والمجاملة ، والتحبب، والتسويغ ، والتنازل والمساومة.
3_ التمرد الفردي أو العمل الثوري ضمن حركات اجتماعية منظمة تسعى لتغيير الواقع، ومن الآثار السلوكية المحتملة للتحرر من عبء الأزمات والمشكلات والاغتراب الإندماج فى نشاطات تهدف إلى تغيير المجتمع بالإصلاح أو التمرد الثوري من خلال الاشتراك الحر فى حركات اجتماعية وأحزاب ثورية تعمل من أجل استبدال النظام السائد بنظام آخر يستند إلى نظرية إصلاحية أو ثورية منظمة .

ما هو السبيل للخروج من هذه المتاهات والأزمات المتلاحقة ؟
على إعتبار أن الشباب هم قوة اجتماعية هامة بصفته قطاع اجتماعي رئيسي في المجتمع، وكسب هذا القطاع يعني كسب معركة ومعادلة التغيير، والتحرير، والتنمية، وإيماناً بأن فلسطيين هي لكل الفلسطينيين على اختلاف انتمائاتهم السياسية ومواقعهم الاجتماعية أضع بعض المقترحات والتوصيات أمام صانعي القرار الفلسطيني أبرزها:
- تعزيز العمل الجاد لتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، ولمَ شمل الفصائل والأحزاب والحركات الفلسطينية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية بوصفها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني وكونها إطاراً جبهوياً عريضاً يعبر عن طموحات وآمال الشعب الفلسطيني، على أن يتم الاتفاق بين كل مكونات الشعب وأطيافه الاجتماعية والفكرية على برنامج العمل الوطني الفلسطيني الذي لا يجب أن يخرج عن تحقيق المهمتين المركزيتين ممثلتين في : استكمال عملية التحرر الوطني وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف التي تم احتلالها عام 1967م ، وإنجاز عملية البناء وإعادة البناء الوطني الشامل وفق رؤية تنموية مستدامة ، تركز على الإنسان الفلسطيني.
- دعوة الأطراف الفلسطينية والفرقاء السياسيين الفلسطينيين إلى توحيد الموقف تجاه الاحتلال الإسرائيلي وممارساته، ودفع الجهود لخدمة القضية بعيدا عن الفئوية والحزبية أو الأهداف الشخصية، مع ضرورة إنهاء الصراع والانقسام الداخلي.
- توسيع نطاق الخيارات التي تتيح للشباب فرصة الحصول على عمل يحقق مركزاً ودخلاً يكفل له حياة كريمة ومستوى معيشياً مناسباً.
- أن تأخذ وسائل الإعلام بأفكار وحاجات الشباب الفلسطيني بعين الاعتبار ، وإعداد برامج إذاعية وتلفزيونية خاصة بالشباب وبمشاكلهم يتم من خلالها توعيتهم وإرشادهم إلى المخاطر التي تتربص بهم ، وتوحيد جهودهم نحو الأهداف والأولويات الوطنية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، وتوظيف هذه الوسائل الإعلامية بأفضل السبل نحو هذه الأهداف والأولويات ، والعمل على تنظيم حوار مع الشباب لمعرفة تطلعاتهم ومشاركتهم الفاعلة في مختلف الميادين ، مع ضرورة إيجاد قنوات اتصال تربط الشباب بالمسئولين بحيث يتعرف المسئولون في المجتمع على كل ما يدور في خلد الشباب في العمل التنموي بكافة مجالاته سواء في التنمية السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية أو الاقتصادية.
- ضرورة أن تأخذ منظمات المجتمع المدني دورها في المجتمع؛ لأنها هي إحدى الأركان التي يرتكز عليها تقدم المجتمع سياسيا واجتماعيا وثقافيا واقتصاديا ، وأن تتحمل ما يناط بها من خدمة المجتمع سيما الشباب منه من خلال عقدها دورات تدريبية تنمي القدرات لديهم وتساعدهم على العمل وتفريغ قدراتهم ومواهبهم ونشر ثقافة المعرفة والديمقراطية بينهم، مع وضع آليات لتقييم ومراجعة أدائها ومستوى خدماتها للجمهور.
- أن تمارس الأحزاب السياسية دورها في بناء الإنسان الفلسطيني من خلال الأهداف التي تطرحها في برامجها التنظيمية ، وأن تعمل بتلك الأهداف بكل واقعية وموضوعية على إعتبار أن الأحزاب هي وسيلة وليست غاية.
- تحلى المؤسسات الدينية بخطاب ديني قائم على العقل والمنطق، والإعتدال ونشر ثقافة التسامح والتعاون والمحبة، وعدم زج تلك المؤسسات في المناكفات السياسية والحزبية.
- أن تسهم الأسرة في تنشئة أفرادها تنشئة سليمة قائمة على بث روح التعاون والمشاركة والاعتماد على الذات بما يخدم المصلحة العامة للمجتمع؛ لأن الأسرة هي الركيزة الأولى والأساسية في إعداد جيل قادر على تحمل المسئولية.

د. إياد مسعود رابعة