يعرف بعض الفقهاء الجنسية بأنها: (رابطة سياسية وحقوقية تنشئها الدولة بقرار منها فتجعل الفرد تابعا لها). ويعرفها فقهاء آخرون بأنها: (تبعية الشخص حقوقيا للسكان المكونين للدولة).
موضع الجنسية من فروع القانون
تنص كثير من الدساتير بأن الجنسية ينظمها قانون خاص.. وتدرس الجنسية في إطار القانون الدولي الخاص كنظام يوضح لنا رابطة الفرد بالدولة وكموضوع أولي في تحديد المركز الحقوقي للأجانب الذي يتصل بموضوع تنازع القوانين وعلى هذا فان بعض الفقهاء يعتبر قانون الجنسية من الحقوق العامة وان كانت على صلة وثيقة بالحقوق الخاصة.
ويرى بعض الفقهاء بأن الحقوق الدولية الخاصة (القانون الدولي الخاص) بمواضيعها الثلاثة (الجنسية والمركز الحقوقي للأجانب وتنازع القوانين) هي فرع قائم بذاته ونسيج يجمع قواعد من الحقوق الخاصة وقواعد من الحقوق العامة ويمزج كذلك بين الحقوق الدولية وبين الحقوق الوطنية.
الجنسية وأهميتها
تعتبر الجنسية بأنها المعيار الرئيسي في تحديد ركن الشعب في الدولة وفي التمييز بين الوطني والأجنبي ومن ابرز أهميتها ما يلي :
1- إن موضوع الجنسية له أهمية أساسية في دراسة ومعرفة ما يتمتع به الأجنبي من حقوق في دولة معينة.
2- إن موضوع الجنسية له صلة قوية بموضوع تنازع القوانين وكثيرا ما تكون الجنسية هي الضابط والمرشد للقاضي لإرشاده إلى القانون الواجب التطبيق في القضايا ذات العلاقة مع العنصر الأجنبي.
3- ان جنسية المتقاضين قد تكون هي المعيار في تحديد الاختصاص القضائي.
الجنسية وتطورها التاريخي
في التاريخ كانت الأسرة أول مظاهر الحياة وقد قامت الأسرة وما زالت على أساس من قرابة الدم ووحدة الأصل واللغة والرغبة في العيش المشترك لمجابهة ظروف الحياة وصعوبتها وقد تفرعت الأسر وتعددت كثيرا حيث نشأت القبائل فكل قبيلة أصبحت تتكون من أعداد من الأسر التي تربط بينها العوامل المذكورة انفا وبسبب اندماج الأسر فقد ازدادت بينها عوامل التماسك بين الأفراد فاشتركوا بعادات وتقاليد وتاريخ وطموحات واحدة وتولد عند الأفراد نتيجة لحب البقاء شعور قومي يتركز في تقدير الشخص للجماعة التي يعيش فيها ورغبته في استمرار بقائها ودوام ارتباطه مختارا بها.
وبالإضافة إلى العوامل الموضوعية والعامل الذاتي للأفراد والمتمثل بالشعور القومي ظهرت فكرة الأمة كوحدة تتجه نحو التماسك والاستمرار عن طريق إقرار نظام يحكمها ويضمن سلامة الأمن فيها ويخضع الجميع لأحكامه ويسهرون على تطبيقه ورعايته.... وتطورت الأوضاع حيث تمت إقامة الدول.إن من الصعب جدا أن تكون الأمة الواحدة فالظروف السياسية والاجتماعية كثيرا ما تؤدي إلى عدم استطاعة الأمة الواحدة تكوين وحدة سياسية وإقامة دولة خاصة بها فتتجزأ إلى دول متعددة أو تدخل كجزء في دولة أخرى بالرغم من توفر جميع المواصفات لديها لإقامة دولة مستقلة .
ونظرا لاختلاط الأمم والشعوب نتيجة عوامل متعددة تاريخية واجتماعية واقتصادية وسياسية فقد أصبحت من الصعب جدا تعيين اصل الأفراد وأنسابهم وتحديد الأجناس ومن هنا أصبح المبدأ اليوم في إقامة الدول لا يقوم على فكرة الواصل والجنس بل يقوم على إمكانية تامين الموارد والوسائل والعلاقات الايجابية الداخلية التي تضمن للدولة الاستقرار السياسي والاجتماعي والعيش معا على أساس من التعاون والالتزام بالقوانين والأنظمة.. وعليه فسواء تم تحقيق مبدأ القوميات فكانت الأمة دولة واحدة أم لم يتحقق هذا المبدأ فانضوى تحت لواء الدولة جزء من امة أو أمم شتى فان قيام الدولة لابد أن يوجد رابطة سياسية وحقوقية بين الدول وكل فرد من أفراد شعبها وهذه الرابطة تسمى (الجنسية)التي نحن بصدد معرفتها ومعرفة أهميتها.
طرفا الجنسية
الجنسية كما تم تعريفها رابطة سياسية وقانونية تنشئها الدولة بقرار منها فتجعل الفرد تابعا لها فطرفاها إذن هما: 1- الدولة التي تمنحها 2- الفرد الذي يتلقاها والدول على عدة أنواع فمنها ما هو تام السيادة ومنها ما هو ناقص السيادة ومنها الدول البسيطة ومنها الدول المركبة فالدول وحدها لها حق منح الأفراد جنسياتهم وليس لغيرها من الجماعات أو الهيئات الدولية والدولة هي شخص اعتباري من أشخاص القانون الدولي العام تعترف بها الدول الأخرى بكونها دولة. فيمكن للدول ذات السيادة التامة أن تمنح جنسيتها للأفراد. كما يمكن للدول ناقصة السيادة أو مرتبطة سياسيا بغيرها من الدول وتكون لها جنسيتها كما كان الحال في تونس ومراكش سابقا وكذلك كما كان الحال في سورية زمن الانتداب الفرنسي.
أما بشأن الأفراد فلا بد لكل شخص أن ينتمي إلى إحدى الدول ويحصل على جنسيتها طبقا لأحكام القانون الوطني ولكن ذلك لا يمنع من وجود أشخاص يحملون أكثر من جنسية أو أشخاص ليست لهم جنسية وبجانب ذلك هناك الأشخاص الاعتبارية كالشركات والمؤسسات والهيئات فبعض الفقهاء يرى أن الجنسية عنصر من عناصر الحالة الشخصية للأفراد فقط والبعض الآخر يرى أن الأشخاص الاعتبارية وهي التي يعترف لها القانون بالشخصية القانونية لا بد من منحها الجنسية.. وقد أصبح هذا الرأي سائدا وأصبحت الجنسية تمنح للأشخاص الاعتبارية استنادا إلى المحل الذي تستثمر فيه الشركة مشاريعها أو المحل الذي يوجد فيه مركزها الرئيسي.
الطبيعة الحقوقية للجنسية
علل الفقهاء رابطة الجنسية من الوجهة الحقوقية بآراء متعددة فبعضهم يرى أنها رابطة عقدية تقوم على عقد ثنائي ملزم للجانبين ينشأ عن اتحاد أرادتين هما إرادة الدولة وإرادة الفرد وينتج عنه حقوق لمصلحة كل منهما وواجبات مترتبة عليهما .. وآخرون يرون أن رابطة الجنسية تنشأ عن عقد يقوم بين الأفراد المكونين للدولة وهو يشبه عقد الشركة أما الرأي السائد اليوم فان رابطة الجنسية هي علاقة قانونية تنشئها الدولة بتشريعها الوطني.
حرية الدول في تنظيم الجنسية
لكل دولة الحق في تحديد عنصر السكان فيها والجنسية هي الأداة الوحيدة لتحديد عنصر السكان وبذلك فإنها تعين من هم المواطنين؟ ومن هم الأجانب؟..أن المبدأ في الجنسية بأنها حق خالص للدولة تتصرف فيه بمشيئتها تبعا لمصلحتها وقد اقر الفقه هذا المبدأ كما اقره القضاء والمؤتمرات الدولية أيضا . ونصت المادة الأولى من اتفاقية لاهاي لعام 1930 المتعلقة بتنازع القوانين في الجنسية:( بان لكل دولة الحق في أن تحدد بتشريعها الداخلي مواطنيها وعلى الدول جميعا أن تحترم هذا التشريع وتلتزم به) ولكنها بالإضافة إلى ذلك فقد اشترطت أن يكون هذا التشريع الداخلي متفقا مع المعاهدات والعرف الدولي والمبادئ الحقوقية المعترف بها في موضوع الجنسية.
بقلم/ حنا عيسى