ليكن العشق والحب للأرض والقضية

بقلم: عباس الجمعة

إن الإنسان هو في نهاية الأمر قضية، لهذا يجب ان نتوقف امام عيد الحب والعشاق لنقول يجب ان تنبض الكلمات بالثورة والانتصار ، حتى نزرع لشهداءنا اقواص النصر .

نعم اردت ان اقول في هذا اليوم ان العشق والحب للأرض والقضية هو الاساس الذي يجب تسليط الضوء عليها ، وخاصة اننا نعيش ظروف سياسية قاسية وثقافية متعددة ، فلا نميز بينها، وهنا اردت اليوم تسليط الضوء على الحب ، لأن له معاني سامية ،حتى العلم لن يستطيع ان يحلل او ان يصل الى تفسير كامل لهذه الكلمة البسيطة في نطقها الصغيرة في حجمها ،ولكنها ثقيلة بمعانيها ، كبيرة بمحتواها .

في ظل هذه الظروف الانسانيه التي نعيشها نحن بحاجة الى كلمة حب، لأن هذه الكلمة تحمل لنا معاني كبيرة فهي احساس جميل تحاكي المشاعر وترفع الأنسان ليكون اسطورة يخلدها الزمان.

ان الحب برؤيتها داعم للروح , سند للقلب , وامل يجدد الحياة ويعلق الانسان بارضه وقضيته التي يعشقها , كما ان هذه الكلمة لم تغفل الجانب الحياتي للانسان ومعاناته , وخاصة الانسان المقاوم والمناضل والاسير الذي يناضل من اجل قضيته وشعبه ووطنه .

فعندما تتكلم كلمات الحب، تغرد الحروف ، وترسم الألوان، و تجسد الأصوات والإيقاعات ومسافة الزمن والحضور والغياب و حين يكون التعبير حرا وعفويا وبعمق الاحساس معبرا بوعي و إدراكه لبيئة الواقع الذي ينبثق منه ولقيمة العلاقات الاجتماعية وارتباطها.

لذا نرى ان الحب المعطر بروح النضال والمقاومة هو الحب، ومثل هذه العلاقة القوية المتميزة بالأرض، استدعت أن يصر الإنسان العربي الفلسطيني على البقاء والثبات بكل شكل ممكن، فالأرض الفلسطينية تنادي إنسانها بلغةِ الشجرِ والتراب والماء لكي يصمد أكثر، ولكي يتشبث بكل حبة تراب حتى آخر رمق.

من هنا هذا الإصرار على هوية البقاء والثبات، من خلال الإصرار على هوية التحدي والصمود، عندما تجتمع الكلمات وتتعانق لتشكل شبكة تطبق علينا فتحوط بكياننا، وتملأ قلوبنا وأرواحنا بعد أن تعبر ممرا طويلا ، وليس هذا فقط، بل تقودنا هذه الكلمات، وتسيطر على مشاعرنا وتبرمج حروفنا فننطق بكلام يشبه ما سمعناه لكنه يشبهه باللون فقط إلا أنه يختلف عنه كل الاختلاف بالرائحة والطعم ، لأننا عندما قلناه خرج حاملا معه وهج قلوبنا ودفء مشاعرنا.

فكلمة الحب لا تقف عند حافة الكلمات بل تتسع رؤياها ولغتها الى الفكر الذي تحمله فتعزف مفرداتها بلحن البساطة البسيط فهي تستفز الأشواق الخامدة ،وهي عبارة عن صوت حنين واشتياق الى الحب و السلام والحلم بالحرية والانعتاق من ربقة الزمن الحالي الى الزمن المطلق حيث اللحظة فيه حياة وحلم لكنها تنطوي على معان كثيرة.

لذلك نقول ان التعبير عن كلام الحب والمشاعر الصادقة يجب ان يكون بعيد عن النفاق بهدف تحقيق المآرب والغايات حتى تبقى هذه الكلمة صادقة تحمل دفء القلوب وحرارة المشاعر

العميقة التي تعبر بكل ألوان الجمال والعطاء ، فالحب هو الذي يبعث على المعرفة ويضيء طريقها.

وامام كل ذلك نقول ان الحب قبل كل شيء، هو نفس العاطفة التي تربط الفرد بعائلته ، والحب يفعم القلب فرحا ويشيع الأمل في جوانب النفس، ويود من يشعر بكلمة حب لو ان الناس يشاركونه في مفهوم هذه الكلمة الصغيرة التي تسمو فوق انانيته الضيقة وتقربه من افق الخير والكمال، وهي لذلك غريبة عن ارادة الشر وأبعد ما تكون عن البغضاء، اذ ان الذي يشعر بقدسيتها ينقاد في الوقت نفسه الى تقديسها عند سائر الشعوب فتكون هكذا خير طريق الى الانسانية الصحيحة، وكما ان الحب لايوجد الا مقرونا بالتضحية فكذلك النضال من اجل تحرير الارض والانسان وتحقيق العدالة الاجتماعية ، والتضحية فى سبيل قضيته الوطنيه تقود الى البطولة، اذ ان الذي يضحي من اجل أمته دفاعا عن مجدها وسعادة مستقبلها.

لقد تعلمنا معنى الحب بطرق مختلفة لان هذه الكلمة تستحق التضحية والفداء في العلاقات الاجتماعية ، فمقدار إنسانية العلاقة يحدده مدى تجرد تلك العلاقة من صفتها السلعية ، ومدى قدرة طرفي أو أطراف العلاقة على النظر إلى بعضهم بوصفهم بشرا وليس سلعة تجارية ، والحب هو بناء عقلي فوقي أيضاً ، شأنه شأن السياسة والدين والأخلاق والعلم والفن ، وبالتالي فلا يمكن أن ننظر الى محتوى العلاقة بين المرأة والرجل إلا بكونها درجةً من درجات التطور الاجتماعي البشري للإنسان ، فالوعي الاجتماعي يحل اكثر فأكثر محل وعي القبيلة ،كي تسمو قيم الحب والأخوة والمساواة والتحرر الاجتماعي.

الحب هو الصفاء والنقاوة والصدق والوفاء والتضحية, وماعداه ليس حبا , والحب عاطفة مغروزة في خلجات الانسان وجوانحه؛في عقله وقلبه وضميره وإرادته، وهو أحاسيس ومشاعر جياشة مطبقة على كيان الانسان بأسره توجهه وتحركه نحو ما يريد , وتحدد له متبنياته الفكرية والعاطفية والسلوكية .

الحب نور ودرجة التفاعل من حيث العواطف والمشاعر ، هذه الطاقة العاطفية تعطي الحب القدوة في التسامح والانسانيه ، ومن خلاله نرفض كل شيء يتعارض مع الإنسانية، الحب الخالي من أي شي هو أجمل وأقوى ولم تتأثر فيه البعد بالمسافة إنما الحب كالنبتة نورها النظر و ماءها التواصل ، وهذا هو الاساس لانه الجمال والوجه الانساني والابداعي، هكذا يواجه الحب القاتل الذي يريد ان يشوه مسلكيتنا ، لنعمل على تحقيق الحلم الإنساني ، لهذا نقول يكفي أن نحب بقلوب نقية، مخلصة ملؤها الوفاء والتقدير والصدق والاهتمام ، وان نبقى مهتمين لقضايانا وشعوبنا ونواجه ما يحاك ضدنا من دوائر الشر وحتى تبقى قضية فلسطين هي التي نحب وهي البوصلة التي تأسرنا من خلال عيونها التي تُخفي خلفها حبا وعطاء وتضحية دون أي مقابل .

ان مفوهمنا للحب يعني الحرية والصدق والبعد عن الأنانية، بما يكفل كرامة الإنسان ، لذلك للحب حيز كبير، وكبير جدا في كتاباتي، وله مساحة كبيرة ، فهو قضية، وثورة، ونضال، لا يمكن صبغ الحياة بالسعادة بدونه.

ختاما : أجمل لحظة في الحبّ ، الحب السليم والمعافى لانه رائع، أنه يرمم النفس، ويطمئنها، ويعيد إليها إنسانيتها ، وحين يكون الحب حاضراً بكليته، تصير كل الأشياء روحانية، ومقدسة، ومن يعمر قلبه بالحب، فهو على طهر وقداسة، لذلك الحب يعطينا الثقة بالنفس من خلال العمل ، فكل هذه الأشياء الصغيرة ستحول الانسان الى علاقة صادقة مع الآخرين و إلى حياة سعيدة وجميلة وسيصبح الانسان يتمتع بقدر عالي من الأخلاق الرفيعة ونحن نرى اليوم دموع الحب والنصر لنشعر أن بئرا عميقا في وجدان الشعب الفلسطيني والشعوب العربية يفيض بالحرية والمجد والكرامة.

بقلم/ عباس الجمعة