لم يكن عندي أدنى شكّ أن اللجنة المركزية لحركة فتح ستستثني الأسير مروان البرغوثي من منصب نائب الرئيس, ليس بسبب خشية الرئيس عبّاس من أي شخصية قيادية قد تنافسه في أي انتخابات مفترضة وتشكل تهديداَ على مصالحه ومصالح عائلته، بل بفعل الموقف الإسرائيلي الذي كان حاضراً بقوة في تحضيرات جمهرة المقاطعة.
إسرائيل وعلى لسان أكثر من مسؤول فيها حذرت من إعادة انتخاب مروان البرغوثي في قيادة فتح باعتبار فتح حزب السلطة ومسؤولة عن إدارتها، وقدمت تسهيلات كبيرة لتمكين أعضاء فتح من المشاركة في جمهرة المقاطعة، بعد أن خضعوا جميعاً لتدقيق الأجهزة الأمنية الفلسطينية والإسرائيلية، حرمت بعض الأعضاء من المشاركة بتهم أمنية وتهم التجنّح- الأمر سيّان، لكن ليس كل ما تتمناه إسرائيل تدركه، فسقوط مروان البرغوثي كان يعني الفشل الكامل لخطة الرئيس عباس، لهذا غضّت البصر عن مضض عن نتائج الجمهرة بعد أن طمأنها أكثر من مسؤول فتحاوي بأن حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح ستختط لنفسها طريقاً في العلاقة مع الإحتلال، عنوانها" المقاومة الذكية" و "مقاومة الشورتات"، اضافة لتطمينات أخرى في مواضيع محكمة الجنايات الدولية والتمسك بالتنسيق الأمني والمفاوضات.
عدم إسناد منصب نائب الرئيس للأسير والنائب في المجلس التشريعي لم يكن بفعل موازين انتخابية، فالرجل كان حلّاً توافقياً بدون منافس لو أراد المغتنمون الركون إليه، بل كان عملية واعية اقتضتها مرحلة جديدة تنتوي مركزية الرئيس عباس السير فيها حتّى النهاية، مروان البرغوثي عقبة فيها نتيجة التحفظات الإسرائيلية، وخطر لما يشكله من تأثير لو أراد استخدامه في مناكفة الرئيس عباس أو الإحتلال، فالرجل يمكنه فعل الكثير باعتباره قائداً شعبياً وفتحاوياً، فتعامل معه معه الرئيس عبّاس بحنكة ضللته وضللت زوجته المكلومة على غيابه، وقبل كل ذلك ضلل أبناء حركة فتح بمشاركة مروان البرغوثي في جمهرة المقاطعة وحفّزهم على المشاركة والتنظير لها والمغامرة بمستقبل الحركة.
طريق الرئيس محمود عباس أصبح أكثر وضوحاً، لمن كان يراهن على صدقية موقفه، فالمشهد يؤكد أن الشعب الفلسطيني بات في قبضة النسخة الجديدة لروابط القرى، طريق سقطت على قارعته رهانات المصالحة الداخلية الفتحاوية والمصالحة الشاملة، وسقطت فيه محاولات ترميم العلاقة مع الأشقاء العرب التي أساء إليها الرئيس عباس ليضع نفسه في عزلة شبه كاملة معهم، بعد أن رفض مبادرة الرباعية العربية وهاجم العرب وتعامل معهم كخصوم وليسوا حلفاء يهمهم استقرار النظام السياسي الفلسطيني.
السيدة فدوى البرغوثي زوجة القائد مروان البرغوثي، مع تقديري واحترامي لها ولزوجها وعائلتها المناضلة، تصرفت عاطفياً في قضية مروان البرغوثي رغم تحذيرات كثيرة لها عن مخادعة عبّاس وفريقه، أدرك ان صلب اهتمامها كان حرية زوجها، فوقعت فريسة المؤامرة، وهنا لا ينفع العتب ولا الندم، بل ما ينفع هو وقف الرهان على عصابة متواطئة مع الإحتلال في استمرار أسر مروان، ومتواطئة على حرية آلاف المعتقلين الآخرين، والتفكير بمسارات جديدة قد تفضي إلى حرية زوجها ومعه آلاف المعتقلين، والأهم من ذلك هو إنقاذ حركة فتح من محاولات الشطب والطعنات المتتالية في تاريخها وحاضرها ومستقبلها.
بخصوص الفصائل الأخرى، لن تكونوا أكثر أهمية من مروان البرغوثي في فتح والنظام السياسي الفلسطيني وفي عقل عباس، فكروا بطريقة مختلفة، الخطر داهم، تغيير التحالفات والطريقة ليس عيباً، بل الإستمرار في تجاهل الواقع هو العيب المدمر، بعد كل ما جرى، قف وفكر.
بقلم/ محمد أبو مهادي