جميل أن تنزاح الحواجز من الوطن ويكون هذا التلاقي فيما بيننا، فهناك أكثر من كاتب وكتاب تعرفنا عليه خلال هذا العام والعام المنصرم، وهذا يؤكد حيوية الفلسطيني الخلاق، الذي يعمل على إيجاد أي منفذ يخرج به من القوقعة التي فرضها المحتل عليه، فها هم أخوتنا ينشرون كتبهم في نابلس ورام الله وجنين، إذا تعذر عليهم النشر في حيفا ويافا وعكا والناصرة والقدس، فالكتاب يصلنا أينما طبع، والكاتب يأتي من أي مكان ليستمع لمناقشة كتابه، أو ليشارك في عمل ثقافي، لهذا لا يمر شهر دون فاعلية ثقافية يشارك فيها الأدباء والشعراء من كافة أنحاء الوطن. "هادي زاهر" كاتب وقاص فلسطيني تجاوز الحواجز والفواصل والجدار وأوصل لنا كتابه "عبد الناصر وجمهورية الطرشان" فله الشكر على هذا الإصرار وعلى هذه الروح المتمردة، التي ترفض التسليم بما هو كائن، وشكرا له على اهتمامه بتاريخنا الحديث، تاريخنا قبل أن تكون هذه الدول المصطنعة التي جاءت مع (سايس بيكو)، وشكرا له على هذا التوضيح وهذا الكشف لتاريخ نجهله أو نتجاهله، فهو يعرفنا بحقيقة نسيناها، فكلنا أبناء الوطن فلا فرق بيننا، فبلاد الشام تجمعنا ومصر أختنا التي وقفت معنا ومع أبنائنا عندما ضاقت بهم السبل، هذا ما جرى مع الفنان "فريد الأطرش" وأخته "أسمهان" حيث احتضنتهما مصر واستطاعا فيها أن يقدما لأنفسهما وللوطن الكثير. الكاتب يذكرنا بما قام به الثائر ابن بلاد الشام وابن الوطن العربي "سلطان باشا الأطرش" فهذا الثائر تجاوز القيادة العربية "الشريف حسين وأبناءه" عندما رفض الخضوع للاحتلال الفرنسي في سوريا، واستمرت ثورته مشتعلة حتى انهزم المحتل ورحل عن سورية.
مهم أن نعرف التاريخ والأهم أن نأخذ من العبر، فبعد أن كشفت اللعبة الاستعمارية للأمير "فيصل" أصابه اليأس وأخذ يتقهقر إلى الخلف بعد أن رفضت فرنسا أن تتوجه ملكا على سورية، في هذا الوقت بعث الثائر العنيد "سلطان باشا الأطرش" رسالة مع أحد مرافقيه إلى "فيصل" يدعوهُ للعودة والاستمرار في الثورة لكن الأمير الذي يأس من الواقع قال للرسول: "فات الميعاد" لكن هذا القول وهذا الانكسار من قبل القيادة لم يؤثر على الثائر العنيد الملتزم بالكفاح، فاستمر في كفاحه حتى تم جلاء المستعمر وتحرير الوطن. هذا الموقف لوحده كافيا لنهتم بهذا الكتاب، ولنبرر وجوده بين أيدينا، العبرة تكمن في الأخذ بالمبدأ وليس في الأشخاص، فالأشخاص قد يتراجعون، أو يخونوا العهد، أو يسقطوا في المعركة، أو يفارقوا الحياة لأي سبب كان، لكن الأهم هو الحفاظ على
المبدأ/ المرجع/ الثورة هذا ما يعلمنا إياه الثائر المبدئي.
يحدثنا الكاتب عن "فريد الأطرش" وما قدمه من أعمال فنية عربية راقية، وكيف كانت الأخلاق هي الجانب الأهم في مسيرة الفنان الكبير، وكيف استطاع أن يفرض احترام الآخرين له، فالهم الوطني والقومي كان هاجس الفنان ، وعمل جاهدا على رفع الإرادة عند الجماهير العربية لمقاومة المحتل أينما كان، ويتناول العلاقة الوطيدة التي نشأت بين الفنان والزعيم العربي "جمال عبد الناصر" الذي قدم وسام "الجمهورية" لفريد الأطرش". وتأكيدا على الجانب الأخلاقي الذي لازم الفنان يحدثنا الكاتب كيف انتقل البعض ممن كان يتغنى ب"عبد الناصر" قبل وفاته إلى مهاجم ومعيب، لكن الفنان الأصيل الذي لا يعرف الخيانة، ويوفي العهد ويلتزم بالوفاء وقف يغني للراحل:
"حبيبنا يا ناصر يا اعز الحبايب
بطل وأنت حاضر بطل وأنت غايب
زعيمنا يا ناصر يا أغلى الرجال
يا فاتح طريق مجدنا يا جمال" ص63.
هناك العديد من قصص الأغاني التي قدمها "فريد الأطرش" لهذا كانت المادة التاريخية والأدبية شيقة وسهلة التناول، فالكاتب استطاع تقديم نص تاريخي ناشف وحاد بشكل سلس وممتع وهذا يحسب له.
رائد محمد الحواري - نابلس