العلاقات الحمساوية الفتحاوية: إلى أين؟

بقلم: أحمد فايق دلول

على غير عادتها؛ شاركت حركة حماس في المؤتمر السابع لحركة فتح، وألقى أحمد الشيخ علي، النائب في المجلس التشريعي عن حركة حماس والقيادي في الحركة كلمة السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي. وبدأ كلمته بمخاطبة عباس؛ "الأخ أبو مازن، رئيس حركة فتح، رئيس منظمة التحرير، رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية"، ثمَّ أكَّد على جاهزية حماس لكل مقتضيات الشراكة مع فتح وكل الفصائل والقوى والشخصيات لما فيه المصلحة الفلسطينية.

لقد تمكَّنت حركة حماس من تسديد عدة ضربات في المرمى الفتحاوي في آنٍ واحدٍ من خلال المشاركة في المؤتمر، حيث استطاعت نفي كثيرٍ من النعوت والألقاب التي كان يتحدث بها الرئيس عباس في الفترة ما بعد أحداث الانقسام الفلسطيني منتصف 2007م، حيث لم يتطرَّق الرئيس عباس لمسألة الانقسام إلا بمصطلح "الانقسام، بعيداً عن "الانقلاب الدموي" أو "الظلاميين" ـو "إمارة غزة" أو اتهام حماس بالعمل لصالح أجندات خارجية وغيرها.

ونجحت حماس في مخاطبة الحضور مباشرة، سواء كانوا كبار قيادات حركة فتح أو اليسار أو الوفود العربية أو الأجنبية، ووصلت رسالة حماس ل60 وفداً مشاركاً في المؤتمر، عددٌ كبيرٌ منهم يمثـلون حركات تحررٍ كبيرةٍ حول العالم، بجانب المثقفين والأكاديميين وصنَّاع القرار في بلادهم. وتبدو حاجة حماس لمخاطبتهم كبيرة جداً، خاصة في ضوء حالة العزلة الإقليمية والدولية والاتهام بالإرهاب التي تعيشهما حركة حماس.

صحيح أن حماس من خلال قدومها إلى مقر الرئاسة استطاعت رمي الكرة في الملعب الفتحاوي؛ لكنها في الوقت نفسه وكأنَّها جاءت بأقدامها إلى بيت الطاعة العباسي مقرة بخطئها الذي ارتكبته في منتصف 2007م، وهو ما يُسجل لصالح الرئيس عباس.

أيَّا ما كانت الأمور؛ يبدو واضحاً أنَّ ثمَّة تغير في العلاقات الفتحاوية الحمساوية، تُبدي ملامحه الأولية نوعاً من العلاقات الطيبة بعد 10 سنوات من القطيعة والصدام، في ضوء تراجع الدعم العربي للفصيلين لصالح جهات محددة تخدم أجندات غير فلسطينية.. وهو ما يعني أن العلاقات بين الحركتين تأخذ أحد الاحتمالات الثلاثة:

1-         تحسن العلاقات بينهما

من غير المستبعد أن تشهد العلاقات بين الفصيلين تحسناً ونوعاً من الاحترام المتبادل، خاصة وأن كل الحروب الأهلية والصدامات الداخلية حول العالم انتهت بالمصالحة طال أمدها أم قصر، هذا في ظل أنه لم يعد هناك أي مبرر لاستمرار أو بقاء الانقسام لفترة أطوال، مع الأخذ في الاعتبار أن الاعتبارات والمتغيرات الخارجية لم تعد تمارس ضغوطها على الداخل بنفس الحالة التي كانت سائدة قبل موجة الربيع العربي، ولا يفوت القول بأن الدعم العربي والدولي تراجع إلى مستويات ملحوظة، وهو يجبر القيادة الفلسطينية على العودة للشعب.

حماس من جهتها فقدت أهم حلفاءها في المنطقة وخاصة جماعة الإخوان المسلمين، ولم يعد أي أفق لعودة الإخوان لتصدّر المشهد السياسي في المنطقة كما كان الحال في 2011-2013م، وهو ما يعني أن مراهنة حماس على عامل الزمن وعودة الإخوان كانت قائمة على سوء تقدير للمواقف، وبالتالي ليس أمام حركة حماس إلا العودة للجمع الفلسطيني وإبداء حسن نوايا وتعهدات أكيدة للمشاركة في حكومة وفاق وطني بعيداً عن الاعتبارات الخارجية.

ولهذا الاحتمال ما يؤيده من الشواهد والحقائق على أرض الواقع، حيث خلا خطاب الرئيس عباس من أي من المصطلحات التي تثير حفيظة حماس. وقبلها؛ لم تسمح حماس أو الحكومة في غزة لأنصار النائب محمد دحلان بممارسة حقهم في التظاهر السلمي رفضاً لانطلاق أعمال المؤتمر السابع لحركة فتح رغم الوساطات والمحاولات التي بذلها أنصار دحلان، حماس من جهتها لم توضح أسباب المنع، لكن شيئاً ما كان يدور في عقل حركة حماس، وربما تكون الحركة قد وعدت الرئيس عباس بتعطيل أنشطة أنصار دحلان مقابل أمرٍ ما.  هذا علاوة على موافقة قيادة حماس على لقاء عباس في الدوحة رغم إدراك الحركة من قبل أن عباس يريد شيئاً ما من خلال اللقاء بعيداً عن المصالحة.

 والمشاركة في المؤتمر ورفض فعاليات أنصار دحلان؛ نستنتج أن حماس أرادت التأكيد للرئيس عباس على أنها لا تدعم برنامج النائب دحلان حتى لو كانت على درجة من الخلاف مع عباس، لأنها وغيرها ينظرون بعين الريبة إلى مشروع أو برنامج دحلان، ويعتبرون أنه برنامج الإمارات، وأن دحلان لا يعدو أن يكون مجرد أداة تنفيذية في يد "الكبار" إن صح التعبير.

2-         بقاء الأمور على حالها

ربما يكون التحسن في العلاقات بين الطرفين مجرد غيمة صيف عابرة سرعان ما تتلاشى عند أول محطة، حيث يصعب إحداث نقلة تصالحية بين ليلة وضحاها لفترة 10 سنوات من القطيعة والانقسام والاتهام المتبادل.

أبو مازن مرتبط ببرنامج مقاومة سلمية أو ذكية كما تم طرحه في الأسابيع الماضية، وحماس مرتبطة ببرنامج مقاومة مسلحة، ولا يتمكن الطرفان حتى اللحظة من التوصل لقواسم مشتركة تجمع بين السلمي والعسكري، لأنَّ القواسم المشتركة تعني اعتراف كل منهما ببرنامج الآخر، هذا في ضوء أن أبا مازن مرتبط باتفاقيات ومعاهدات دولية والتزامات جنتل مان لا توافق عليها حركة حماس.

وثمَّة رأي في حركة حماس يعتقد بأن عباس استطاع الجلوس مع حركة حماس في الدوحة، وانتهى اللقاء دون أن تحقق حماس أي من أهدافها، حيث رفض عباس حينها تفعيل المجلس التشريعي لأنَّ حماس أغلبية فيه.

ولعل مشاركة الحركة في المؤتمر لا تعني بالضرورة الموافقة على برنامج أبو مازن؛ وهو ما يدركه أبو مازن، وبالتالي فهو لا يعوِّل كثيراً على حركة حماس، بل غالباً ما يستخدم مسألة التقارب مع حماس في حال أراد إيصال بعض الرسائل السياسية لدول الجوار، وبالتالي فإن هذه المسألة تجعل من الصعب على الرئيس أن يغير مواقفه من حماس حتى وإن بدا دبلوماسياً في كلمته خلال المؤتمر.

3-         التراجع في العلاقات

ليس من المستبعد أن يعود الرئيس عباس إلى مصطلحاته السابقة في أي لحظة، وبالتالي تشهد العلاقات بين الحركتين حالةً من التوتر والتراشق الإعلامي. ولعل تصريح محمود الهباش قاضي قضاة فلسطين ومستشار الرئيس للشؤون الدينية يعبِّر بصدق عن حقيقة ما يجول في خاطر الرئيس عباس تجاه حركة حماس. وفي معرض تفسيره عدم وصف الرئيس عباس في خطابه ما حدث في غزة بالانقلاب؛ أكد على ضرورة عدم تحميل الأمور أكثر مما تحتمل، مضيفاً أن "الانقلاب هو انقلاب ولن نكف عن وصف ما حدث في غزة بالانقلاب، ولكن الرئيس تجنب الحديث بطريقة يمكن أن يفهم منها أي إشارة سلبية، هو أراد أن يرد بإيجابية".

لا يغيب عن الرئيس عباس الاتصالات السرية بين حركة حماس وغريمه النائب محمد دحلان، إذ يعتقد عباس أن قيادة حماس في غزة تحاول تمكين دحلان من حكم غزة التي تعتبر الحاضنة الأكبر لأتباعه.

أخيراً؛

أيًّا ما كانت الأمور ورغم مشاركة حماس في المؤتمر السابع؛ يجب التأكيد على أنَّ العلاقات بين الحركتين تشهد حالةً من الجمود، ولا يوجد أي تقدم في أي من الملفات المختلف عليها كالحكومة وإدماج الموظفين وتفعيل المجلس التشريعي، وبالتالي؛ يصعب التنبؤ بطبيعة العلاقة بين الحركتين في المستقبل. وفي سؤال الكاتب لقيادات فتحاوية وحمساوية حول العلاقة بين الحركتين، ثمَّة إجماع على حالة الجمود بينهما رغم أهمية وضرورة وجود تعاطي بينهما.

بقلم/ أحمد دلول