سمح نتنياهو لنفسه، وسمحوا له في البيت الأبيض، أن يطلق العنان لمشاريعه العنصرية ولتحريضه الرخيص ضد الشعب الفلسطيني.
وبعد أن أقر برلمانه قانون اللصوصية والسرقة للأراضي الفلسطينية لمصلحة المستعمرات غير الشرعية، ذهب لواشنطن ليشترط مجددا أن أي حل يجب أن يشمل سيطرة إسرائيل وهيمنتها على فلسطين من البحر إلى النهر، والاعتراف بها دولة عنصرية لليهود.
أما الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فبعد أن نصحه بلطف بضرورة تجنب الاستيطان لبرهة قليلة، قال إنه يقبل حل الدولة الواحدة أو الدولتين حسب ما يقبله الإسرائيليون والفلسطينيون.
وقبل ذلك خرج متحدث باسم البيت الأبيض ليعلن أن حل الدولتين ليس الحل الوحيد بالضرورة، وقرأ العالم ذلك، بعد صمت الولايات المتحدة على قانون اللصوصية في الكنيست، بأنه توجه للتخلي عما تبنته الإدارات الأميركية السابقة بالتمسك بما يسمى "حل الدولتين" الذي يعني بالطبع إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
نحن نشهد بعد 26 عاما من المفاوضات، و24 عاما على توقيع اتفاق أوسلو، وخمسين عاما على الاحتلال، إلقاء اتفاق أوسلو والمفاوضات التي تلته إلى الفناء، وعملية اغتيال لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته الفلسطينية المستقلة وذات السيادة.
وما تطرحه حكومة نتنياهو كبديل ليس سوى دولة أبارتهايد، مع ضم وتهويد الضفة الغربية، وبقانونين واحد لليهود الإسرائيلين وآخر للفلسطينيين المضطهدين، مع فصل منهجي للسكان عن أرضهم، وتكريس احتلالهم.
العنصري نفتالي بنيت وزير التعليم الإسرائيلي قال بعد الاجتماع، "هناك دولتان للفلسطينيين واحدة في غزة وثانية في الأردن ولا مكان لدولة ثالثة".
أما الوزير جلعاد أردان فقال مشيرا للضفة الغربية والقدس "أرض إسرائيل لنا وتعود فقط للشعب اليهودي"، وقال الوزير الإسرائيلي زئيف إلكين هناك "إجماع في الحكومة على عدم الانسحاب إلى حدود عام 67، وعلينا فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة بالتدريج أو دفعة واحدة". واختتم نتنياهو ذلك أمام ترامب بالقول إن أصل اليهود هو الضفة الغربية، (يهودا) كما سماها، وهي تخصهم. وللأسف فقد قفز عدد كبير من وسائل الإعلام العالمية، لتبرير التراجع عن الوعود بالدولة الفلسطينية، بوصف البديل المطروح بأنه "حل الدولة الواحدة".
نظام الاحتلال والأبارتهايد ليس حل الدولة الواحدة، الدولة الواحدة تعني المساواة الكاملة في الحقوق القومية والديمقراطية والمدنية، وتعني أن الدولة لا يمكن أن تكون يهودية أو لليهود فقط، وحل الدولة الواحدة يعني أن من حق اللاجئين الفلسطينيين أن يعودوا لفلسطين دون قيود، ولا يحصر حق المواطنة باليهود.
وحل الدولة الواحدة يعني أن كل الفلسطينيين يستطيعون أن يعيشوا حيثما أرادوا، ليس في الضفة والقدس فحسب، بل في يافا وحيفا وعكا وصفد، وهو يعني أن فلسطينيا يمكن أن يكون رئيس الدولة أو رئيس وزرائها، وأن الحواجز والحكم العسكري والإدارة المدنية والقيود والتصاريح التي تحاصر الفلسطينيين ستلغى، وأن أسراهم سيتحررون، وأرضهم المصادرة ستعاد، الدولة الواحدة ليست دولة "الأبارتهايد" التي يروج لها نتنياهو.
هل علينا أن نذكر أن شعار الفلسطينيين وثورتهم ومنظمتهم الأصلي كان "دولة ديمقراطية على كل فلسطين يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات"؟ وأن ذلك الهدف قد استبدل بسبب الضغوط والوعود الدولية بهدف الدولة الفلسطينية المستقلة على الأراضي المحتلة عام 1967، وكان ذلك تنازلا مؤلما يعطي الفلسطينيين أقل من نصف ما قررته لهم الأمم المتحدة في مشروع التقسيم عام 1947 والذي أخذت إسرائيل شرعيتها منه.
وبعد مرور خمسة وعشرين عاما على ذلك يريدون اليوم أن يتخلى الفلسطينيون عن حقهم في دولة مستقلة ويرضخوا لنظام الأبارتهايد، وذلك لن يحدث، فقد ولدنا أحرارا ولن نموت إلا أحرارا، ولن يرضخ الشعب الفلسطيني لعبودية الاحتلال والأبارتهايد مهما فعلوا.
إن كان ترامب يقول إنه يقبل حل الدولتين أو الدولة الواحدة فليكن، ولكن يجب أن يكون واضحا أن الدولة الفلسطينية ستكون ذات سيادة وعاصمتها القدس ولا وجود لجندي إسرائيلي واحد في أي شبر منها، وإن كانت دولة واحدة فلن تكون دولة "الأبارتهايد" ولا العنصرية ولا الاحتلال والاضطهاد.
نحن نناضل من أجل حقوقنا القومية والإنسانية، ونناضل من أجل الحرية والكرامة والعدالة، ولا تنازل عنها سواء في دولة أو في دولتين.
بقلم الدكتور مصطفى البرغوثي
الامين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية