عائلة مناضلة احبت فلسطين كما احبتها شعوب العالم

بقلم: عباس الجمعة

الثورة الفلسطينية المعاصرة: انتمى اليها الالاف من ابناء الشعوب العربية ومنهم سقطوا في أثناء تنفيذ عمليات فدائية داخل الأرض المحتلة، من الثابت أن منهم أعداداً كبيرة من الشبان اللبنانيين ، التحقت بفصائل الثورة الفلسطينية، خاصة في الفترة السبعينات والتي شهدت تأججاً للثورة الفلسطينية وتصاعداً حاداً للعمل الفدائي، وقد وجد الآلاف من الشبان العربي واللبناني ضالته في فصائل الثورة الفلسطينية، التي كانت أكثر وضوحاً وبروزاً ، مثل حركة فتح ، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديموقراطية، وجبهة التحرير الفلسطينية.

حملت ظاهرة الانتماء للثورة الفلسطينية قصصا من البطولة والإباء، وفي الوقت ذاته قصص الانكسار والهزيمة، حالها كحال القضية الأصل، الا إن التقدير العميق لبطولات وتضحيات هؤلاء المناضلين الذين تركوا ديارهم وأهلهم وأعمالهم، وهبّوا للدفاع عن فلسطين ونجدة أهلها، عندما رأوا الأنظمة الرسمية العربية في معظمها، تنأى بنفسها شيئا فشيئا عن قضية فلسطين، وإن هذه الظاهرة للمناضلين العرب تعبر بصدق عن البعد القومي للقضية الفلسطينية، وشكلت عنصرا جامعا له، ربما وصل في فترات معينة، عندما كان التضامن العربي في أوجه، إلى أن يكون عنصرا إضافيا من عناصر الوحدة القومية العربية، فكان العرب تجمعهم عناصر الامتداد الجغرافي، واللغة، والثقافة والدين، وقضية فلسطين، حيث رسمت دماء هؤلاء الابطال في كل هضبة ومنحى ووداي وشجرة وبقعة ارض على ارض فلسطين.

وبعد هذه المرحلة انخرط مناضلون لبنانيون كثر كانوا في الثورة الفلسطينية ، حيث أن هؤلاء الأخوة لحقهم كثيرٌ من الإهمال حتى الذين بقوا إلى هذه اللحظة يعيشون هذا الاهمال رغم اهمية دورهم في العلاقة اللبنانية الفلسطينية، ولكنهم ما زالوا متمسّكين بمبادئهم ثابتين على مواقفهم ، فهؤلاء قاتلوا في صفوف الثورة الفلسطينية، وكان أول شهدائهم ابن بيروت الشهيد خليل عزالدين الجمل. لكن المشاركة الأكبر والأوسع والأعمق كانت مع دخول الثورة الفلسطينية الى جنوب لبنان العام 1969، وهنا كان الموقف الشعبي اللبناني المؤيّد والحاضن للثورة الفلسطينية وللفدائيين هو جسر عبور هؤلاء الفدائيين الى جنوب لبنان، حتى لو زرتِ اليوم أي قرية من قرى الجنوب لوجدتِ في كل قرية كوكبة من الشهداء اللّبنانيين الذين ارتقوا في صفوف الثورة الفلسطينية، واستمرّت المشاركة اللبنانية بأعداد كبيرة أغنَت التجربة الفلسطينية، وكانوا جسر تواصل بين الفدائيين وبين جماهير الشعب اللبناني، وبقي هذا الدور قوياً وفاعلاً ومؤثّراً حتى أثناء الحرب الاهلية في لبنان، إذ ان الكثيرين ساندوا الثورة الفلسطينية ودافعوا عنها أمام ما تعرّضت له من مؤامرة في تلك المرحلة، وكانت آخر المحطات العام 1982، حيث شارك هؤلاء الاخوة في معركة المواجهة مع الغزو الصهيوني، وقدّموا الكثير من الشهداء، وفي مرحلة لاحقة أدوا دوراً اساسياً في العمليات البطولية للمقاومة في لبنان وقدّموا خلالها العديد من الشهداء.

من هنا اردت تسليط الضوء على عائلة مناضلة عروبية الروح ، لبنانية الأصل ، قومية النبض ، فلسطينية الهوى ، جمعتهم عائلة من ال دبوق ، عندما آمنت بالقضية الفلسطينية والتحقت بالثورة الفلسطينية، دفاعاً عن الشعب اللبناني والفلسطيني، وتصدت للعدوان الإسرائيلي

المتمادي على الشعب اللبناني والفلسطيني ، في ظل الصمت العالمي الذي بلغ حد التواطؤ، لا سيما مع غزو العدو الصهيوني للبنان صيف العام 1982 ، وشكل ثورة عارمة في نفوس الكثير من اللبنانيين والعرب الذين اندفعوا للتصدي للاجتياح الصهيوني .

من عمق جراح الشعب الفلسطيني واللبناني انتمت للثورة الفلسطينية كونها تشكل تراث عريق من الثورة الإنسانية ، وفي طليعتها الحق في التحرير والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية للشعوب في التحرر من الاستعمار.

آمنت هذه العائلة بالمدى القومي العربي وبمواقف الرئيس الراحل جمل عبد الناصر الذي اكد على تلازم القضيتين الفلسطينية والعربية، وعلى ان الصهيونية هي نقيض الأمة العربي ، وما اخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة ، وبمواقف الإمام موسى الصدر اعاده الله الذي كان يؤكد على ان كل عناوين فلسطين من فقر وتهجير وتشريد ومقاومة وشهادة وفداء في مواجهة اخطر مشروع تتعرض له الامة العربية في سياق نصه الإصلاحي والجهادي والمقاوم. فاعتبر ان قضية فلسطين، مع التسليم بأن شعبها هو رأس الحربة في مسيرة تحريرها ومقاومة إسرائيل، هي قضية كل فرد وانسان عربي ومسلم وحر. وعليه تقع مسؤولية ليس دعم المقاومة الفلسطينية فحسب، بل الانخراط الكامل بالمقاومة والالتزام بها، لأنه كان يؤمن وعلى دربه نؤمن بأن شرعية أية جهة وإسلاميتها وعروبتها ووطنيتها تتحقق بمدى حضور فلسطين فيها، لأن تجاهل فلسطين او التنازل عن القدس يعني حسب نص الإمام الصدر تنازلاً عن الدين.

قدمت الشهيد الاول علي عام 76 ومن ثم الشهيد حسن عام 78 ومن ثم فقد المناضل حسين عام 85 ، وبذلك تكون هذه العائلة المقاومة قد قدمت ثلاثة اشقاء من خيرة شبابها من اجل فلسطين القضية المركزية للامة العربية والقضية الانسانية لأحرار العالم .

حسين "جهاد منصور" لعب دورا رئيسيا في المقاومة الوطنية اللبنانية بعد الاجتياح الصهيوني للبنان عام 82 ، وكان يقول نحن اخترنا طريق النضال من اجل الالتحاق بالشهادة.. نحن أبناء من لم يعرف الموت إليهم طريقا، وهو شاب لا يتجاوز عمره 27 عاماً فقد نتيجة مواقفه الوطنية والقومية ونتيجة انتماءه لجبهة التحرير الفلسطينية ، وبات اسم عائلة دبوق مدرسة في النضال والكفاح والمقاومة بعد ان قدمت الشهداء، لانهم امنوا في الصراع ضد الاحتلال لم ولن يتوقف دورهذه العائلة المناضلة ، ضد الحلف الأميركي الصهيوني وأدواته في المنطقة، وضدّ الإرهاب الذي تغذيه القوى الاستعمارية بهدف زرع التناقضات الطائفية والمذهبية والعرقية والعنصرية وتكريس الكيانية المصطنعّة لمصلحة العدو الصهيوني.

من هنا شكَّل حسين بتاريخه وسلوكه ، بحاضره وماضيه ، تجربة ثورية متكاملة ، وعكس في سلوكه مقولة الشهداء " الإنسان قضية " أينما حل وفي أصعب الظروف وأحلكها ، أنصح كل من أحب فلسطين ، ويعشق المقاومة ويناضل ضد الظلم والإحتلال الاستمرار في مسيرة الثورة ، فكل من يتعمق في سيرة المناضل حسين ، ويقلب صفحاتها ومراحلها المختلفة ، حينها سيجد أن التاريخ الفلسطيني لم ينصفه وعائلته بعد ، فكان دائما يقول فيكفيك فخراً بأن فلسطين الأرض المقدسة التي نناضل من أجل تحريرها من دنس الاحتلال ، فأحبته فلسطين ، وعشق الأحرار اسمه .

ولكن هنا السؤال هذه العائلة يكفيها انها ناضلت وقدمت حياتها من اجل فلسطين رغم عدم تكريمها وسجلت صفحات مشرقة ومشرّفة صاغتها بالشهادة من ثلاثة اشقاء في العائلة ولكن ستبقى اسمائهم منارة وصفحات مضيئة يكتبها تاريخها وستبقى تحمل فكر المقاومة وهويتها القومية.

لقد باتت القضية الفلسطينية اليوم محكومة لقيادات سياسية استبدلت المصلحة الوطنية العليا برؤاها وبمصالحها الخاصة ، ففي ظل الانقسام والصراع الذي يشكل هزيمة جديدة في الساحة الفلسطينية ، يؤكد ان هذا الاستنتاج يؤكد الواقع الراهن الذي يعيشه أبناء الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات .

وبالتالي فإن الحديثُ عن عائلة مناضلة قدمت ثلاثة اشقاء لا معنىً له ولا قيمة إن لم يكن تحريضا ثوريا ًوديمقراطيا من أجل تغيير وتجاوز هذا الواقع الفلسطيني والعربي ، حيثُ بات من المؤكدِ بأن الشعب الفلسطيني في الوطنِ والمنافي يعيش هذا الانقسام ، وهنا نرى انه اصبح لا بد من قيام الشعب الفلسطيني في الاعتصامات والمظاهرات بشعارٍ موحدٍ هو "انهاءُ الانقسامِ" والعودة ُالى الاحتكام للشعب والدستور الفلسطيني ووثيقةُ الوفاق الوطني، اذ لا معنىً ولا قيمةً او مصداقية لأي نضال ٍوطني سياسي أو كفاحي في ظل هذا الانقسام التي كرس عوامل َالقلقِ والاحباطِ واليأس في صفوفه في كل أماكن تواجدِه ، مع تزايد عدوانية العدو الصهيوني .

لذلك فإن من واجب كل القوى الوطنية التي لا مصلحة لها في الانقسام إلى تأطير الحركة الجماهيرية لكي تمارس كل أشكال الضغط الشعبي المتصل حتى انهاء الانقسام ، لكي نستعيد معا صمودَ ومقاومةَ الشعب لعدوِنا الصهيوني باعتبار ان تناقضَنا التناحري الوحيد لن يتوجه َالا اليه.

أعودُ للحديث عن عائلة الشهداء ، وهو حديث يحملُنا إلى انتماءها لجبهة التحرير الفلسطينية ، ولتاريخها الوطني والقومي من ناحية ، حيث وقفت مدافعة في كل مرحلة ٍمن المراحل عن مسيرتِها الثوريةِ نتيجة ايمانها بالأهدافِ الوطنيةِ والقومية ، حيث أدركت وناضلت واستلهِمت دورها الخلاّقِ على المستوي الثوري وقوة ِرسوخ ووضوح الانحياز الطبقي للكادحين وكل المستغَلين والمضطهدين هكذا أدركت انتمائها للقضية التي جسدتها في انتماءها للجبهة والتزامها الخلاق بهويتها ومبادئها ومواقفها الوطنية والقومية والأممية .

ختاما : لعل ذلك مما دفعني لهذه الكتابة هو ما اراه اليوم ، حيث التمييز بين من يمارسون الفكر من أجل تغيير الواقع والثورة عليه، وبين من يمارسون تحطيم الفكر والوعي حفاظاً على مصالحهم ، وهنا اسأل فما قيمة القائد اذ لم يتفاعل مع الهموم الوطنية ، وفي ظروف تحولت فيها هذه الأمة إلى نعاج تنتظر الذبح، أليس هذا ما آلت إليه هذه الأمة بسبب أنظمة فقدت وعيها الوطني والقومي بعد أن تحولت بحكم مصالحها الطبقية إلى أداة في خدمة التحالف الامبريالي الصهيوني ، لذلك لا بد بوعي عميق ان نحفظ وصايا الشهداء ونتمسك بخيار المقاومة و أن نعمل بعزيمة وثبات على الخروج من حالة الأزمة التي نعيشها اليوم صوب النهوض الذي يتطلع إليه كل اسر الشهداء ، فبالرغم من التجربة الطويلة والغنية، وما جسدته جبهة التحرير الفلسطينية من نهج ثوري مميز قاده شهدائها القادة العظام طلعت وابو العباس وابو احمد حلب

وسعيد اليوسف وابو العز وحفظي قاسم وابو العمرين وكل شهدائها ، الا ان المطلوب اليوم إلاستناد للهوية الفكرية ومنطلقاتهم الوطنية والقومية .

بقلم/ عباس الجمعة