لا ولن تكون إسطنبول مربط الفرس، ولا مربط خيلنا، ولا مكان وحدتنا، ولن تكون بديلاً لعمقنا العربي، من الكويت إلى الرباط مروراً بكل عواصم القرار العربي، التي رغم ما تعانيه من ظروف قاسية وصعبة، وإستثنائية، تبقى هي الأحنُ علينا والأقدر على تفهم أوضاعنا، فنحن جزء منها وهي جزء منا، فهي الأقدر على تقدير ظروف شعبنا الفلسطيني سواء داخل فلسطين أو خارجها في الشتات، فنحن فلسطينيون عرباً، قبل كل شيء وما تتعرض له فلسطين يجد صداه لدى كل مواطن عربي، ولدى كل عاصمة وقرية عربية، شاء من شاء وأبى من أبى، فنحن عرب ولن نستبدل لغتنا العربية، لا بالفارسية ولا بالتركية أو العبرية، سنبقى الأمناء على الرسالة، وعلى العهدة مهما إشتد الظلم والظلام، فليل الإحتلال والإستبداد قصير مهما طال، ومهما غلت التضحيات.
فرسنا عربية أصيلة، معروفة أصالتها، وجودتها، إنها فلسطين التي ترفض التجزئة والشرذمة رغم كل ما أصابها وما حل بها من نكبات ومآسي، بقي الجرح العربي النازف، الذي لن يسعفه سوى العربي الحر الأبي، والقادم يوماً ما يمتطي صهوة جواده العربي، وإن هو الآن في كبوة، فلكل جواد كبوة، لن نفقد ثقتنا فيه، ولن نستبدله، بالبغال الأعجمية، التي لا تكن إلا الحقد، والحسد، والطمع في كل ما هو عربي، وعنوان العروبة دائماً هو عروبة فلسطين وبيت المقدس، وهي مقياس وضع الأمة العربية، عندما تستعيد الأمة عزتها، وقوتها، ومجدها، تكون فلسطين وبيت المقدس حرة ومطهرة من دنس الإحتلال وكل الطامعين بخيرات أمتنا العربية، وعندما تفقد أمتنا عزها وقوتها ومجدها، ويمعن فيها مشرط التشرذم والضعف والوهن، تصبح فلسطين محتلة ويدنس بيتها المقدس.
من هنا نذكر المتباكين على فلسطينيي الشتات، سواء في العالم العربي أو خارجه، أن الفلسطينيين ليسوا أيتاماً على مائدة اللئام، كي يتقاذفهم الطامعين، والمتاجرين بمعاناتهم، وبقضيتهم، لم يعد الشعب الفلسطيني قاصراً، فمنذ الطلقة الأولى في 01/01/1965م، عرف الشعب طريقه، وخياره، وتبلورة مسيرته نحو الحرية والتحرير والعودة، وأثبت شعبنا جدارته في كل المراحل التي مرَّ بها نضاله وفرض نفسه على الأصدقاء والأعداء، ولم يعد هناك مجال لتجاوزه أو إستعادة الوصاية عليه، لقد شبَ وكبر مع كيانه السياسي، وبيته المعنوي منظمة التحرير الفلسطينية، ممثله الشرعي والوحيد، بإعتراف القاصي والداني، الذي سجلت كافة نضالاته وإنجازاته المعاصرة على طريق الحرية والعودة والتحرير بإسمها داخل فلسطين وخارجها، ووحدت شعبنا على إختلاف أرجاء الوطن والمعمورة، وقبرت جميع الأحلام والأفكار الشيطانية التي إستهدفت قضيته ولا زالت، ودفنت كل مشاريع التصفية، وكشفت كل المتاجرين والمزاودين على دمائه، في منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها وفصائلها الوطنية، يتخذ القرار الفلسطيني وتصنع القيادات، وتقرر السياسات والإستراتيجيات، دون وصاية من أحد.
إن الوهم المعشش في عقول بعض الحركات والأحزاب، وأخص هنا ما يسمى جماعة الإخوان المسلمين وذراعها في فلسطين ((حركة حماس))، أن يكفوا عن اللعب على مشاعر ومعاناة شعبنا، وأن يدركوا حقيقة هذا الشعب العظيم الذي قدم الغالي والنفيس من التضحيات، من أجل توحيد صفوفه، وإنتزاع حقوقه، فلن تنطلي عليه سياسات التشكيك، وسياسات العبث في شؤونه من أية جهة كانت، وتحت أي غطاء بلون أحمر أو أخضر أو أسود أو أي كان، وما المؤتمر الذي تدعو إليه جماعة الإخوان المسلمين، تحت مسمى خادع ومضلل ((مؤتمر الشتات الفلسطيني)) دون تنسيق مع منظمة التحرير الفلسطينية والذي سيعقد في إسطنبول يومي 25و26 فبراير الجاري، إلا إحدى هذه الأساليب والوسائل التي أسقطها شعبنا بوحدته وإلتفافه حول ممثله الشرعي والوحيد، إن إستغلال الأوضاع الإستثنائية التي يمر بها شعبنا وأمتنا العربية، لأجل إعادة شعبنا إلى ما كان عليه قبل 01/01/1965م، ما هي إلا أمراض تعشش في عقول بعض المهووسين والحاسدين والحاقدين على شعبنا وإنجازاته، وعلى قياداته ومناضليه وعلى مؤسساته وفصائله الوطنية وفي مقدمتها ممثله الشرعي والوحيد منظمة التحرير الفلسطينية، صانعة الثورة والإنجاز والقرار.
إن ما يهدف إليه هذا المؤتمر ((المُشتِت)) بإسم الشتات الفلسطيني، وتحت عناوينه المزيفة والخادعة، هو مزيد من تكريس الفرقة والشتات، وتأكيداً لحالة الإنقسام والتشرذم السياسي التي تقودها جماعة الإخوان المسلمين، وذراعها ((حركة حماس)) ورعاتها من عرب وعجم، لتزيد الشتات شتاتاً، والإنقسام إنقساماً، كي تمضي في مخططاتها الجهنمية، لإقامة إمارة الظلام في قطاعنا الحبيب، بالتوافق مع المخططات الصهيونية الإسلاموية، التي تهدف إلى إنهاء القضية الفلسطينية، وإدماج الكيان الصهيوني بالمنطقة العربية تحت ((مسمى دولة يهود)).
على حركة حماس أن تتراجع عن هذه المؤتمرات والمؤامرات، وإن وعي شعبنا المتجذر، ووجدانه المتوحد حول أهدافه الوطنية وقيادته الوطنية وفصائله ومؤسساته الوطنية، بقيادة ممثله الشرعي والوحيد منظمة التحرير الفلسطينية، سيتصدى لكل هذه المؤامرات والمؤتمرات، وسيسقطها، كما أسقط غيرها من المؤامرات والمتآمرين على وحدته وقضيته، وستبقى سفينة العودة، وقافلة التحرير، تشق طريقها نحو الوحدة والحرية والعودة والإستقلال، ولن يكون مربط خيلنا إلا في قدسنا، عاصمة دولتنا الفلسطينية المستقلة، يرونه بعيداً ونراه قريباً وإنا لصادقون.
بقلم/ د. عبد الرحيم جاموس