عند شباك بيع التذاكر بالمسرح القومي في القاهرة وقف السفير الاسرائيلي لحجز عدة مقاعد لحضور مسرحية "ليلة من ألف ليلة وليلة" من تأليف الشاعر بيرم التونسي ويلعب دور البطولة فيها الفنان يحيى الفخراني، رغم أن المسرحية استحضار لوحة من التراث في ثوب غنائي لا علاقة لها بحرب اكتوبر إلا أن العرض الذي حضره السفير جاء مرافقاً لاحتفال مصر بذكرى انتصار اكتوبر، حضور السفير الاسرائيلي المفاجئ أربك ادارة المسرح سيما بعد أن امتنع عدد من الفنانين عن تقديم العرض في تلك الليلة امتعاضاً من الضيف الثقيل، قبل أن يتم الاتفاق على تجاهل السفير وتقديم المسرحية احتراماً للجمهور، ما أن انتهى العرض حتى اعتلى الفنان يوسف اسماعيل "مدير المسرح القومي" خشبة المسرح مهنئاً الشعب المصري بذكرى انتصار اكتوبر وسط عاصفة من التصفيق مما دفع السفير لمغادرة المسرح مسرعا.
كان السفير الاسرائيلي الاسبق قد أثار عاصفة من الغضب حين نشرت السفارة على صفحتها صورة جمعته بالنائب توفيق عكاشة على مأدبة الغذاء في بيت النائب، وهو الذي دفع 120 نائباً للمطالبة بإسقاط العضوية عن نائب التطبيع "توفيق عكاشة"، على أثرها فقد النائب المثير للجدل عضويته في مجلس الشعب والتصقت به صفة "نائب التطبيع"، لا شك أنها حملت دلالة تفوق بكثير مضمون الرفض الشعبي للتطبيع، المهم بعد حادثة المسرح تلك توجه السفير برفقة طاقم السفارة لقضاء إجازة في شرم الشيخ، وبعدها بشهر كان مع طاقم سفارته يجمعون حقائبهم ويعودون ادراجهم، بعد شهرين من مغادرة السفير وطاقم السفارة للعاصمة المصرية أعلنت وزارة خارجية الاحتلال أنها طلبت منهم العودة لدواع أمنية.
هل حقاً الدافع الأمني هو من يقف وراء ذلك؟، الواضح أن حكومة الاحتلال لا يروق لها الانفتاح المصري على قطاع غزة، ولا تريد للعلاقة بين مصر وحركة حماس أن تغادر مربع التوتر، ولا تريد أن تدب الحركة في معبر رفح، كل ما يعنيها أن تبتعد مصر عن القضية الفلسطينية وأن يستمر الانقسام وأن يشعل الحصار اقتتالا داخلياً وأن يواصل الاستيطان ابتلاع المزيد من أراضي الضفة الغربية، هي تعلم أن غالبية الدول العربية تغرق في بحر الاقتتال الداخلي والبقية تتوجس خيفة من الجارة ايران، في ظل هذا المناخ الايجابي لدولة الاحتلال لا تريد لمصر أن تستعيد دورها فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، سيما وأنها اتاحت الفرصة أمام دول اقليمية أخرى لأن تلعب دوراً في الزج بالقضية الفلسطينية في أتون التجاذبات الاقليمية والتي من شأنها أن تعزز الانقسام وتطيل أمده.
ليس من قبيل المصادفة أن تكشف صحيفة هآرتس عن لقاء قمة جرى في العقبة جمع الرئيس المصري والملك الاردني ورئيس حكومة الاحتلال بحضور وزير خارجية أمريكا منذ أكثر من عام، وأن تذهب بعيداً في الادعاء بأن اللقاء تطرق الى اقامة دولة فلسطينية تتوسع في سيناء، فإن كان كذلك فلماذا رفض نتانياهو كل الأفكار التي تم تناولها في اللقاء؟، وهل من قبيل الصدفة أيضاً استهداف طائرات حربية لنفق في الجانب المصري؟، والعودة بعدها لاستهداف مجموعة داخل الاراضي المصرية بصاروخ أطلقته طائرة بدون طيار بادعاء أن المجموعة أطلقت صواريخ قبل ايام باتجاه ايلات، وقبل أيام قامت طائرات الاحتلال بقصف عدة أهداف في قطاع غزة رداً على اطلاق صاروخ من قطاع غزة كما ادعت حينها دون أن تعثر عليه؟.
يبدو ان حكومة الاحتلال ارادت ان تعبر عن امتعاضها من انفتاح مصر على قطاع غزة عبر تلك الرسائل، فهي لا تريد لمصر من خلال ذلك أن تستعيد دورها المحوري في القضية الفلسطينية والذي من شأنه أن يضعف دور قوى اقليمية أخرى، سيما وأن علاقة مصر بالإدارة الامريكية الجديدة يمكن له أن يعزز من دورها فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وتعلم في الوقت ذاته أن انفتاح مصر التجاري على قطاع غزة سيفقدها سوقاً تجارياً مهماً، لعل ذلك يحتم على القيادة الفلسطينية التنسيق المعمق مع القيادة المصرية كي لا يصبح هاجس دولة غزة السوط الذي نضرب به انفسنا.
بقلم/ د. أسامه الفرا