مروان بلغة الاقصاء

بقلم: أسامه الفرا

لم يكن مروان البرغوثي ضمن المطبخ الذي أشرف على انتقاء من يصلح لمؤتمر المقاطعة، ولم يتح تواجده داخل المعتقل بعيداً عن مسرح المؤتمر الفرصة له لأن يحيك التحالفات والكولسة التي تتطلبها العملية الانتخابية، ولا يملك من العطايا ما يمكنه من كسب تلك الاصوات التي جيء بها على اعتبار أنها كتلة تصويتية ليس أكثر، ولا يحتل موقعاً نافذا في السلطة يفسح له المجال لأن ينثر الوعود بالترقيات على موظفي السلطة التي عجت بهم القاعة، والمؤكد أنه لم يكن فعلاً ضمن قائمة "الشرعية" التي تم الترويج الأمني لها وإن تم الاستعانة أحياناً بضمه لها ليس من باب الحرص عليه بقدر ما يعود ذلك على البقية بالفائدة، رغم كل ذلك استطاع الفوز بأعلى الأصوات في المؤتمر الذي تم تفصيله بعناية فائقة، ليخترق بذلك المخرجات التي اعدت مسبقاً لحفلة التصفيق.

انتهى المؤتمر بعجره وبجره وبتنا أمام توزيع المهام، انتظرت الغالبية من ابناء الحركة أن تصلح المهام شيئاً مما أفسده المؤتمر، لكنها جاءت على غير المتوقع وأضافت المزيد من الاحباط لتلك التي رافقت المؤتمر ومخرجاته، احتفظ الغالبية من اعضاء اللجنة المركزية القدامى بملفاتهم التنظيمية أو الوظيفية رغم اخفاق الكثير منهم خلال السنوات السابقة، لكن الأهم أن الأنظار تركزت على موقع نائب رئيس الحركة دون أن تلتفت كثيراً لباقي المهام، واعتقد الكثير أن مروان البرغوثي هو الأقدر والأقرب لتولي مهمة نائب رئيس الحركة لعدة اعتبارات:

أولا: أن وجود البرغوثي في المعتقل لا يشكل عائقاً أمام توليه هذه المهمة سيما وأن نائب الرئيس لا يقوم بأي مهام في حضور الرئيس، وسبق للجنة المركزية السابقة أن اتخذت قراراً بأن تجتمع في الأوقات التي لا يتمكن فيها الرئيس من الحضور، إلا أنها عادت وتوقفت عن ذلك حين أيقنت أن قراراتها التي تتخذ في غيابه تبقى حبراً على ورق.

ثانيا: يتمتع مروان البرغوثي بحالة من الاجماع داخل حركة فتح لا يتمتع بها سواه من اعضاء اللجنة المركزية، وهو ما دلل عليه فوزه بأعلى الأصوات، ناهيك على أنه لم يدخل خلال السنوات السابقة في تحالفات نتج عنها الكثير من الافرازات التي أضعفت الحركة.

ثالثا: يمثل البرغوثي رمزاً لقضية الأسرى التي تستحوذ على اهتمام كبير داخل مكونات المجتمع الفلسطيني، واختياره نائباً لرئيس الحركة فيه ترجمة حقيقية للشعارات التي نطلقها حول الأسرى وما تشكله قضيتهم من محورية في الثقافة التحررية.

رابعاً: يشكل اختيار البرغوثي لمهام نائب رئيس الحركة ضغوطاً على حكومة الاحتلال للإفراج عنه، ويمكن لذلك أن يعزز من عمل اللجنة الدولية للإفراج عن البرغوثي التي أعلن عن تشكيلها من زنزانة القائد الأممي نيلسون مانديلا في جنوب أفريقيا وتضم في عضويتها شخصيات عالمية وازنة.

خامساً: يمثل البرغوثي حالة نضالية تحتاجها حركة فتح لاستعادة وجهها النضالي الذي خفت بريقه خلال السنوات السابقة، سيما في ظل انسداد أفق المفاوضات وتطرف حكومة الاحتلال وتخليها عن رؤية حل الدولتين، وفي اختياره ما يدحض الحديث عن تدخل الاحتلال في الشأن الداخلي الفلسطيني.

كل ذلك لم يشفع له عند اللجنة المركزية بأحقيته في أن يكون نائباً للرئيس، وتم توزيع المهام دون أن يأتي على ذكره، وكل ما سيق من مبررات حول تجاهله لا ترقى لتناولها على محمل الجد، والحقيقة التي لم يعد بالإمكان تجاهلها أن اقصاء مروان البرغوثي جاء تتويجاً لمسلسل الاقصاء الذي مارسه المؤتمر عن سبق اصرار وترصد.

بقلم/ د. أسامه الفرا