وأنا اكتب هذا المقال، كانت أجهزة عباس الأمنية تواصل حملة أمنية بحق مجموعة من الشباب الفلسطينيين شاركوا في مؤتمر للشباب في القاهرة، لحظتها تساءلت مع نفسي، ماذا لو كان هؤلاء الشباب شاركوا في لقاء تطبيعي داخل مستوطنة اسرائيلية داخل مستوطنة مقامة في الضفة الغربية، أو في أحد المنتجعات التابعة لدولة الإحتلال، وتوقعت أن يمنحهم وسام "نوط القدس" كما فعل مع أحد الفنانين الذي لم يذكر الثورة الفلسطينية بأغنية واحدة وأصبح داعشياً فيما بعد، وابتعد عن عشرات الفنانيين العرب والفلسطينيين الذين نشروا الثورة بشكل جمالي تردد على ألسنة العرب وأحرار العالم، فيروز التي غنّت للقدس، مرسيل خليفة الذي لحّن وعزف وغنّى ثورة الشعب الفلسطيني وأحلامه، وعشرات الفنانين العرب غير العرب ممن قاتلوا بالأغاني والكلمات مع كل فلسطيني يحلم بالحرية والإستقلال.
مفارقات عبّاس كثيرة وعجيبة، فهو الديكتاتور الذي أعلن أنه لن يترشح لأيّ انتخابات قادمة بما فيها انتخابات حركة فتح، وفعل العكس تماماً، فقد دمّر حركة فتح من أجل مكسب انتخابي حصل عليه في العام 2005، كان يقاتل لإنتزاع صلاحيات من الشهيد أبو عمّار وينادي بفكرة التفويض ومأسسة النظام السياسي الفلسطيني، ويمارس حالياً الديكتاتورية بأبشع صورها، يعتدي على حصانة نواب في البرلمان الفلسطيني وعلى مكانة مؤسسة تشريعية، يضرب فكرة القضاء المستقل في مقتل بعد أن أرهب قضاة وعزل آخرين وشكل مجلساً أعلى للقضاء مطواعاً في قبضته، واخترع محكمة للفساد تمارس الفساد وتستخدم لأغراض سياسية، أجهزته الأمنية حوّلت السجون إلى مسالخ منتشرة يعذب فيها المناضلين المعارضين لسياساته، من حركة فتح وغيرها، عصاباته تداهم مخيمات اللاجئين في الأمعري وبلاطة وجنين وغيرها، يلاحق كميات من المساعدات التي خصصت للفقراء والمعوزين ويصادرها، أجهزته تعتدي على زوجات الأسرى والمحررين وتجهض أحداهنّ، وتقتل مناضل في سجن جنيد، وتمارس البلطجة في شوارع نابلس وغيرها من مدن الضفة الغربية.
لست بحاجة لتذكير القارئ الكريم أن الديكتاتور محمود عبّاس لم يسجّل على نفسه مشاركة واحدة في جنازة شهيد، في وقت حرص فيه على المشاركة في جنازة المجرم شيمعون بيرس، وصافح القاتل بنيامين نتنياهو ووافق على لقائه دون قيد أو شرط بعد أن أدار ظهره للعرب ولشركائه في الحركة الوطنية الفلسطينية بمن فيهم قيادات تاريخية في حركة فتح، لم يفكر ولو مرة واحدة زيارة مخيمات اللجوء في لبنان أو الضفة وغزة وسوريا والأردن وغيرها، ليشاهد حجم الكارثة التي تعيشها تجمعات اللاجئين بقدر حرصه على زيارة ولقاء المشاركين في برنامج عرب آيدول، البرنامج الذي يضخّ ملايين الدولارات من خلال مجموعة الإتصالات الفلسطينية التي يمتلك أبناءه وحلفائهم الإقتصاديين جزء من أسهمها بشكل أو بآخر، وكان قد عطّل تقرير جولدستون في الأمم المتحدة من أجل عيون إحدى هذه الشركات - راجعوا تصريحات رتشارد فولك المقرر الخاص لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة على فضائية الجزيرة القطرية بعد الحرب على غزة عام 2008.
منذ أن بدأ التحضير لجمهرة المقاطعة التي أسموها ظلماً مؤتمر حركة فتح، عملت أجهزة الأمن الإسرائيلية بالشراكة مع أجهزة أمن عبّاس على دراسة أسماء المشاركين في الجمهرة، بالشخص، أقصت من أقصت، وقدّمت كل التسهيلات لأن تنتظم هذه الجمهرة معلومة النتائج، تماماً كما فعل شارون خلال الانتخابات التشريعية عام 2006، حيث سهل إجرائها وسمح لفلسطيني القدس بالمشاركة فيها، وهو يعلم النتائج سلفاً وما ستفضي إليه هذه النتائج، فقد كانت انتخابات تحضيرية لكارثة شهدها الفلسطينيين والعالم، أفضت إلى انقسام ومعاناة مستمرة للشعب الفلسطيني جرى خلالها مصادرة كل الحقوق الدستورية التي وردت في الوقانين الفلسطينية، وأدخلت كل المشروع الوطني في مرحلة شديدة الخطورة، تؤهل الفلسطينيين للتسليم الكامل لمشاريع الإحتلال، كما ظنّ عباس وفريق العمل المحيط به، وشركائهم في دولة الإحتلال.
لم يعد للفلسطينيين نظام سياسي فلسطيني، ولا حركات سياسية تحكم، ولا حتّى نظام هش خانع، كل ما لديهم الآن عصابة مسلحة تأخذ الشعب رهينة، تعادي العرب وتعمق الفجوة معهم، تحاصر حركة التضامن العالمية مع الشعب الفلسطيني، وتتقرب إلى الإحتلال باعتباره طوق النجاة الوحيد المتوفر أمام هذه العصابة ورئيسها، لذلك فهي تعتدي وتقتل وتبطش بالشعب، فهذا يرضي غرائز الإحتلال ويطمئنه أن الهراوة وسياسة القبضة الحديدية ما زلت تضرب الفلسطينيين وتحاصر أحلامهم وتعطّل من فرص تحررهم وتطورهم، وتشغلهم عن نهب الأرض في الضفة القدس، بل تقضي على فكرة الحل العادل، وتضعهم مجبرين أمام خيارات جديدة خارج تفكير حلّ الدولتين، فهذا الحل سيصبح ضرباً من الجنون في عرف عبّاس واسرائيل، ويمكن اعتباره تهديداً على حرّية المستوطنين ونشاطهم الإستيطاني في الضفة والقدس.
روابط القرى هاجمت المناضلين كما تفعل أجهزة عبّاس، وقتلت الشهيد داوود العطاونة من بيت كاحل قضاء الخليل، وحاولت السيطرة على المجالس البلدية في الضفة، وهاجمت رموز الحركة الوطنية الفلسطينية ونفذت اعتداءات عليهم تحت حماية قوات الاحتلال الإسرائيلي، وخلقت حالة ترهيب مشابهة لما تفعله قوات عبّاس، لتمرير صفقة سياسية ما، وفشلت، بل سقطت ومات وهرب رموزها، فهل يعتقد عباس وفريق الدمار الفلسطيني، أنهم في وضع أفضل من وضع روابط القرى؟ هل رهانهم على موت الشعب في محله، ألم يقرأوا التجربة الفلسطينية أم يحاولون الإستفادة قدر الإمكان من "جمعة مشمشية" يعلمون أنها ستنفض قريباً بأيادي شعب تعوّد على التمرد ورفض الخنوع؟
بقلم: محمد أبو مهادي
[email protected]