بعد أسابيع قليلة تلتئم القمة العربية في عمان، في ظل تحديات لم تعد الدول والمجتمعات العربية قادرة على مواجهتها منفردة، فحالة عدم الإستقرار التي عصفت بالمنطقة العربية مع إطلاق شرارة ما سمي بالربيع العربي عندما أقدم الشاب التونسي البوعزيزي على حرق نفسه في ديسمبر 2010م إحتجاجاً على إهانته من موظف السلطة، وإحتجاجاً على أوضاعه الإقتصادية، والتي وجد فيها المواطن التونسي والعربي على السواء صرخة مدوية في وجه النظم والحكومات، لتنطلق بعدها المظاهرات والإنتفاضات في تونس والعديد من الأقطار العربية، وتدخل المنطقة في حالة عدم الإستقرار، تداعى معها ما تبقى من نظام عربي مشلول إلى درجة من العجز عن القيام بأبسط مهماته، ولتفتح المنطقة أبوابها للتدخلات الإقليمية والدولية بشكل سافر، وخلق حالة من الفوضى العارمة جعلت المواطن والحاكم يتطلع إلى ضرورة إستعادة الأمن والسلم والإستقرار مطلباً يتقدم على أية مطالب أخرى، خصوصاً مع تفاقم الأوضاع الإقتصادية، في أتون هذا الوضع الإقليمي والدولي المتأزم سيأتي إنعقاد القمة العربية القادمة في مدينة عمان، فماذا يتأمل منها المواطن والحاكم العربي على السواء؟!
لاشك في الرغبات والنوايا في إستعادة الأمن المسلوب والإستقرار المفقود والخروج من هذه الحالة المتردية للدولة وللمجتمع وللفرد على السواء في البلاد العربية، فهل تتوفر لقمة عمان الآليات للإسهام في تحقيق هذه الرغبات والأهداف للمواطن العربي وللدولة العربية؟!
إن عمان التي إستطاعت أن تحافظ على الأمن والإستقرار للمواطن الأردني في ظل عواصف الربيع الدامي المحيط بها من كل جانب يعول عليها العرب أن توفر لقمتها كل أسباب النجاح، كي تمثل إنعطافة جديدة في الواقع العربي وفي العلاقات العربية العربية، وأن تضع حداً للتدخلات الإقليمية والدولية في الكثير من الشؤون العربية، وأن تكون بداية الإنطلاق نحو إصلاح العلاقات العربية العربية، وتحقيق المصالحات الواجبة بين الدول العربية، كي تتفرغ الدول والمجتمعات العربية لإعادة إعمار ما خلفه الربيع الدامي والمدمر، ووضع حدٍ لتغول التدخلات الإقليمية والدولية في الشأن العربي، خصوصاً في العراق وسوريا واليمن وليبيا، وأن يستعيد النظام العربي فاعليته في حفظ الأمن والسلم والإستقرار للدولة العربية، والقفز على سياسات المحاور التي عمقت الجروح العربية، وألهبت النفوس ومزقت المجتمعات على مستوى الدولة الواحدة.
إن قمة عمان مطلوب منها تحقيق المصالحات بين الدول العربية، ووضع الأسس التي تكفل حماية السلم الأهلي وإستعادته للدول العربية وإعادة ما تهدم من نسيج مجتمعاتها على قاعدة الوحدة الوطنية لمجتمعاتها بكل تنوعاتها.
لابد لقمة عمان العربية أن تلتقط الفرصة التاريخية السانحة لتحقيق هذه الغايات للدول والمجتمعات العربية على السواء، حيث لم يعد بمقدور المواطن والمجتمع تحمل أكثر مما تحمل من حالة الفوضى المتشعبة، والتدخلات الإقليمية والدولية السافرة في الشأن العربي، لقد كان العرب أمام قضية واحدة إسمها القضية الفلسطينية، لكنهم باتوا اليوم أمام قضايا عربية عديدة ملتهبة، من القضية الليبية إلى السورية والعراقية واليمنية والمصرية، إلى جانب القضية الكبرى قضية فلسطين، وقضايا الإرهاب المتفجرة، والذي يتطاير شررها شرقاً وغرباً، وتتعدد آلياتها، كما تتعدد مجالاتها.
إن قمة عمان، هي قمة التحديات العربية، والثقة كبيرة في الأردن ملكاً وحكومة وشعباً، ويعول عليها الجميع أن تمثل نقطة الإستدارة والإنعطافة الإستراتيجية، في الوضع العربي، ليشهد العرب فيها تحقيق المصالحة مع الذات العربية، ووضع أسس الإنطلاق نحو مستقبل عربي أفضل ينهي كافة هذه الأوضاع الشاذة التي تعاني منها المنطقة، وأن يستعيد النظام العربي عافيته وفعاليته في علاج الأزمات العربية، ومواجهة الصلف الإسرائيلي الذي يزداد شراسة وتغولاً في هضمه للحقوق الوطنية الفلسطينية، مستغلاً هذه الأوضاع العربية المتردية، إننا نتمنى ونأمل ذلك.
بقلم/ د. عبد الرحيم جاموس