فكرة عقد مؤتمرات بالشتات تبلورت منذ بداية القرن الحالي، وجاءت كردة فعل على اهمال وتهميش الشتات الفلسطيني من قبل م. ت. ف بعد اتفاق اوسلو، منذ بداية القرن الحالي عقدت العديد من المؤتمرات الشعبية بالقارات الثلاثة اوروبا والامريكتين، الا انها لم تأخذ جدلا باوساط التجمعات الفلسطينية كما يحصل بهذه الايام التي جاءت على خلفية مؤتمر إسطنبول.
إهمال قيادة المنظمة كليا لدور واهمية التجمعات الفلسطينية بالشتات بعد التوقيع على اتفاقيات اوسلو، ترك فراغا كبيرا على العلاقة بين هذه التجمعات و م. ت. ف التي استبدلت مشروعها بمشروع اخرا لم يلاقي تأييدا شعبيا فلسطينيا، رفضت التجمعات الفلسطينية اتفاق اوسلو، وعبروا عن اسيائهم لهذا الاهمال، فشهدت القارات الثلاثة الاوروبية والامريكتين مؤتمرات عقدت كمبادرة من فلسطينيو الشتات واكدوا على انتمائهم والتحامهم بالوطن والشعب، والسعي لاعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية التي همشها اوسلو وهمشتها السياسة التفريطية التي اتبعتها القيادة على مدار العقدين الماضيين، بهذه الفترة صعد الكيان الصهيوني من اجراءاته بحق شعبناعلى كل المستويات، وتراجعت القضية الفلسطينية على الصعيد الدولي، مما حدا بشعبنا الى الصراخ عاليا شاعرا بالخطر الذي تمر به القضية الفلسطينية، ورغم ذلك اصمت القيادة اذنيها ولم تبدي اي اهتمام، ولكن لماذا القيادة اهتمت اخيرا لمؤتمر إسطنبول؟
المؤتمرات التي عقدت، لم تلاقي اي اهتمام ودعم ورعاية، لا من منظمة التحرير الفلسطينية ولا من فصائلها، واقتصرت المشاركة الفصائلية فقط على الحضور كضيوف لالقاء الكلمات، وهنا لا بد من التأكيد ان عقد المؤتمر ليس اشكالية معقدة، ولكن المعضلة هو الاستمرارية بعقد المؤتمرات ضمن الاصول، لتشكل الضمانة الحقيقية لتنظيم التجمعات الفلسطينية والنهوض باوضاعها وربطها بالوطن وحقها بالانتماء للشعب الفلسطيني.
استبدال المنظمة بسلطة حكم ذاتي, مقيدة باتفاقيات امنية وادارة مدنية دون حقوق سياسية ووطنية، خلقت جدلا باوساط التجمعات الفلسطينية حتى الاقرب الى هذا النهج ومن كانوا معه قبل التوقيع على اتفاقيات اوسلو، حيث رفض اداء السلطة وقيادتها الذي دافع عنها دائما، هذا الجدل دار حول دور الشتات وعلاقته بالعملية النضالية وحقوقه الوطنية والشرعية، ففي الوقت الذي يعلن "ابو مازن" بالتزاماته الامنية وتنازله عن حق العودة وتبادل الاراضي والانتقاص من السييادة على الاراضي الفلسطينية، واستمرار الكيان بمصادرة الاراضي وبناء المزيد من الوحدات السكنية وتهويد القدس والاعتقالات اليومية وتشديد العقوبات والاجراءات على المعتقلين بالسجون الصهيونية وتشديد الحصار على قطاع غزة وغيرها من الممارسات، واستمرار الانقسام، رأت تجمعات شعبنا انه لا يمكنها ان تبقى مكتوفة الايادي امام كل ما يجري.
مؤتمر اسطنبول جاء نتيجة حالة الاحتقان عند تجمعات شعبنا ورفضها لمجمل سياسة ابو مازن وعجز منظمة التحرير وتهميش مؤسساتها، جاء مؤتمر اسطنبول مستفيدا من رغبة التجمعات الفلسطينية بالتعبير عن مواقفها بشكل جماعي اتجاه القضية الفلسطينية، رغم التفاوت السياسي ووجهات النظر المختلفة والمتعددة عند المشاركين، فمنهم من دافع عن المنظمة، ومنهم من يطمح للوصول الى اهدافا اخرى، قد لا تكون هذه الاهداف بمتطاول اليد اليوم او لم تكن على رؤية واضحة حيث الغموض كان سائدا عند اطرافا من المشاركين بالمؤتمر الشعبي.
ليست تجمعات شعبنا بالشتات هي المطالبة بتحديد موقفها من منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها، ولكن منظمة التحرير بقيادتها الحالية هي المطالبة بتحديد موقفها من تجمعات شعبنا ودورها واداءها واهميتها، فشعبنا الفلسطيني لم يتخلى عن حق العودة والحقوق الفلسطينية كاملة، فهو متمسكا بها، فاين المنظمة قبل مؤتمر اسطنبول؟ القيادة المتنفذة وعلى راسها ابو مازن يخشى من اي مؤتمر ان يتضمن بيانه الختامي ادانه لاسلو، للتنسيق الامني، يخشى ان يتضمن البيان الختامي رفضه للمفاوضات العبثية، وغيرها من السياسات المرفوضة والمدانه من قبل شعبنا وتجمعاته بالشتات، هل توافق السلطة الفلسطينية على مؤتمرا يدين سياساتها وتوجهاتها؟
من الطبيعي ان تستفيد اطراف فلسطينية اخرى، تشكل طرفا اخرا وبديلا لمنظمة التحرير بالبرنامج والسياسة والتوجهات والمشروع، كحركة حماس، ان تؤكد دعمها لمؤتمر اسطنبول، وترفض ان تعلن وقوفها خلف انعقاده او انه يجري برعايتها، ليس المطلوب من حماس ان تعلن عن ذلك، وانما المطلوب اولا هو ان تتسع الفجوة بين الجماهير ومواقفها الوطنية والقيادة المتنفذة والمفرطة بسياستها وتنازلاتها واستهتارها بالشعب الفلسطيني، ليس بالضرورة ان تعلن حماس عن وقوفها خلف انعقاد هذا المؤتمر، ولكنها بامكانها ان تفرغ خيرة كوادرها دون الاعلان عنها رسميا لتشارك بالجدل والنقاس والاستفادة من هذه الفجوة وتدافع عن رغبة الجماهير ومطالبها وترفع راياتها، ليس من الضىوري ان تعلن حماس عن رعايتها ووقوفها وراء انعقاد المؤتمر، فهي تراهن ان المستقبل سيأتي بهذه الجماهير وهذه التجمعات الى مشروعها وبرنامجها بعد ان تصل الحالة بينها وبين المنظمة الى نقطة اللا عودة، والتجمعات نفسها من خلال مؤتمراتها ستعلن ذلك وليس حركة حماس.
امام استمرار سياسة "ابو مازن" والتزاماته للكيان الصهيوني، واهماله لتجمعات شعبنا، كيف يمكن لهذه التجمعات ان تعبر عن مواقفها؟ وان تجد لها مرجعية وطنية فلسطينية او قومية عربية؟ اعتقد ان الفصائل الفلسطينية الاخرى مطالبة ان تكون بالحد الادنى على نفس الخط لمواقف التجمعات إن لم تتمكن ان تكون بالصفوف الامامية قائدة لها، الفصائل مطالبة بمراجعة علاقاتها مع النهج المهيمن على القرار، وان تتحلل من السياسات التفريطية والتنازلات التي تبديها هذه القيادة، وأن تنحاز الى توجهات الجماهير ومواقفها وتجمعات شعبنا قبل فوات الآوان.
جادالله صفا – البرازيل
٢٨ شباط ٢٠١٧