مؤشرات لاتحتمل التأويل أو الإنتظار..

بقلم: محمد السودي

المراهنة على الوقت الضائع في ظل  جنوح الإدارة الأمريكية الجديدة التي اعلن الفائز بالإنتخابات  عديم الخبرة الملياردير المغمور المثير للجدل " دونالد ترمب" الذي جمع ثروته الهائلة بالنصب والإحتيال أمرٌ عبثي لا طائل منه ، حيث تصـّدرت حملته الإنتخابية عناوين شعبوية ارتكزت على مباديء الإنعزال والعنصرية المقيتة تحت شعار "أمريكا أولاً" تدغدغ عواطف القلــّة الإنعزاليين حيث افادت التقارير انتماؤه إليها  ولازالت أثارها تتفاعل طرداً على مستوى السياسة الخارجية في مقدمتهم حلفاء الأمس الدول الأوروبية التي تشتـّم رائحة سعي الإدارة الأمريكية الجديدة تفكيك الإتحاد الأوروبي على غرار بريطانيا ، في ظل تنامي موجة التطرّف وصعود الأحزاب اليمينية الذين تجمعهم فكرة "الإسلاموفوبيا" ومؤشرات استطلاع الرأي العام في أكثر من بلد بفوزهذه الأحزاب بالإنتخابات تباعاً ، وكذا الحال على المستوى الداخلي خاصة مايتعلق منها بالهجرة واللاجئين المصنـّفين على أساس عرقي طالت عدد من الدول الإسلامية حصراً تتنافى جُلهّا مع القانون والمواثيق الدولية وشرعة الأمم المتحدة التي وصفها ترمب بنادٍ للترفيه ، بل أمعن في سلوكه تجاوز القوانين الأمريكية ذاتها وخلق حالة من الإرباك والشرخ داخل المجتمع الأمريكي  مااستدعى تدخل القضاء الفدرالي بعد دعاوي عديدة  إلى إبطال ووقف العمل بالأوامر التنفيذية التي أصدرها ، إضافة إلى افتعال الأزمات مع الصين والمكسيك وغيرها.

 تطورات عملية الصراع الفلسطيني الصهيوني أعلنها "ترمب" وفق رؤية الإنتقال من مربّع التأييد والدعم المادي والمعنوي نحو الشراكة الكاملة في العدوان إلى جانب كيان الإحتلال حين وعد بنقل السفارة الأمريكية للقدس مايعني استحالة واقعية قيام دولة فلسطينية مستقلـّة وعاصمتها القدس متواصلة جغرافيا ، إذ سمح لنفسه على غرار الإمبراطوريات الكولونيالية الإستعمارية القديمة قبل قرن مضى بالتمام والكمال كما فعل بلفور المشؤوم ، منح من لايستحق لمن لايملك ، مقايضة دونية لحقوق الشعب الفلسطيني في الحرية والإستقلال وتقرير المصير مقابل فوزه بالإنتخابات الأمريكية وإثبات ولاءه المطلق وانحيازه السافر لكيان الإحتلال الغاصب الذي استشرس في عدوانه على الشعب الفلسطيني ووجد ضالتّه بإسقاط سلسلة من المشاريع العنصرية المعدّة سلفا بانتظار الوقت المناسب أخرها مايسمى "قانون التسوية" شرعنة المستوطنات العشوائية ، ومشروع قانون إسكات الأذان ، فضلاً عن الهجمة المسعورة غير المسبوقة بسرقة الأراضي الفلسطينية وهدم البيوت وسياسة التطهير العرقي في القدس وسائر أراضي الضفة الفلسطينية التي زادت وتائرها خلال شهر كانون الثاني المنصرم مايزيد عن عطاءات البناء الإستعماري الإستيطاني خلال العام الماضي كاملاً مايؤكد تطبيق سياسة الضم الفعلي الصامت لهذه الأراضي دون ضجيج بمعنى القضم التدريجي ثم الهضم ، الأمر الذي يعني اطلاق رصاصة الرحمة على عملية التسوية برمّتها التي اضحت في مهب الريح  .

لقد جاءت زيارة رئيس حكومة كيان الإحتلال إلى الولايات المتحدة الأمريكية كي تضع حداً للأصوات "العاقلة " من هنا وهناك مفادها أن ماقيل في مرحلة الحملات الإنتخابية غير ماسيكون بعدها ، حيث أظهرت حقائق اللقاء بين الحليفين الإستراتيجيين  أثناء المؤتمر الصحفي المشترك ذلك الغزل المتناغم المقزز للنفس بتحميل الضحية ظلم الجلاد ، مايؤكد أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة بغض النظرعن انتماءاتها الحزبية جمهورية كانت أم ديمقراطية لاتختلف جوهر سياساتها عند تعلق الأمر باسرائيل ، وبالتالي ليس غريبا اتقان هؤلاء فن تزييف الحقائق والتضليل الذي يوفـّر الوقت اللازم لتمرير جرائمه وحمايته من المسائلة أمام القانون الدولي والإنساني ثم يقلبون وقائع مايشاهده العالم عبر الوسائل المرئية من خلال كيل الإتهامات بالجملة للطرف المـٌعتدى عليه على وجه الخصوص تحريض الأطفال الفلسطينيين من بين أمور اخرى تجاه كراهية اليهود التي تستهدف "الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط " حسب مزاعم "نتنرمب" ، وكأن قتل الأطفال الفلسطينيين الموثـّق بالصوت والصورة عمل دفاعي مشروع من أعمال الدول المتحضّرة لا الدول الهمجية الغابرة أبان القرون الوسطى  .

إن شروط "نتنياهو" الواضحة وضوح الشمس لتحقيق مايسمى "عملية السلام" المعلنة وفق رؤيته العدمية القاضية بالسيطرة الأمنية على غربي النهر حتى البحر المتوسط ماهي إلا إعلان صريح ينسف أي التزامات سابقة ، كما البحث عن بدائل تطبيعية أقليمية مسبقة ستكون بمثابة وصفة سحرية لتأجيج الصراع الدموي الذي لايمكن أن ينتهي في الحاضر أو المستقبل ، إذ لايمكن أن يسود منطق القوة الغاشـمة من خلال انفلات قطعان المستوطنين بالإستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية وارتكاب الجرائم المدعومة بحماية جيش الإحتلال التي يندى لها جبين الإنسانية ، لطالما انتهج المعتدي اسلوب إنكارالأخر وهم اصحاب الحقوق الأصليين عبرمحاولة فرض رواية الأساطير والخرافات الوهمية التي لا تمت للواقع التاريخي والجغرافي  بصلة ، لذلك تستدعي اللحظة أن يقرأ من يهمه الأمر إدراك حقيقة لايمكن تجاهلها ، تكمن بأن المراهنات على تفعيل جانبٍ يتيم من تحقيق العدالة تحت شعار الواقعية السياسية أمرٌ ناقصٌ لاينبغي الإستكانة له مالم يترافق مع جهدٍ منقطع النظير حسب ما نصّت عليه الشرائع القانونية والإنسانية ذات الصلة بحقوق الشعوب في مقاومة الإحتلال بكافة أشكالها ترتبط مباشرة بالفعل المؤثر على مجريات الواقع ماتجعل من غرورالمُتبجـّح دفع الكـُلف ومدعاة للفشل والألم  .

مايثير الإستهجان ردود الأفعال الرسمية والفصائلية على خطورة المرحلة الراهنة وكأن الأمر بات في حكم المسلـّمات التي لاحول لهم فيها ولا قوة ، بينما تنحرف البوصلة ويصبّ الجميع جام غضبه نحو ثلاث مؤتمرات إقليمية أٌقيمت مؤخراً على خطورتها بمقاييس انتقائية بعضها تم تمريره ، وأخرى شارك بها البعض من ذوي الصلة وهي ليست جديدة بكل الإحوال وفشلت جميعها عند الإقتراب من منظمة التحرير الفلسطينية ووحدانية تمثيل الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده ، وإن كانت عناوينها مختلفة هذه المرة هدفها استثمار حالة الوهن الوطنية لإغراضٍ استخدامية وفق أهواء كل طرفٍ من الأطراف لكنها في المحصـّلة هدايا مجانية تعزز حالة الإنقسام المستفيد من وراءها الإحتلال أولاً وأخيراً ، الأمرالذي وفر لهؤلاء اللاعبين استسهال القفز فوق الحائط المتدّني دون أي اعتبار ، ماكانت ستقدم عليه لولا الإذعان لفكرة نحن الطرف الأضعف في المعادلة الكونية ، مع أن مصائر الشعوب الذي تقوده طلائعه التحررية لايمكن أن ترتهن للظروف دون العمل على تغييرها .         

يبقى القول أن العودة إلى الشعب في انهاء حالة الإرتباك ، وإعادة استنهاضه هو السبيل الوحيد في قلب الموازين المٌختّلة لصالح الإحتلال والإنقسام ، فهل يمكن إعادة النظر بعد كل الذي جرى برسم سياسة جديدة وتجديد المؤسسات الوطنية واتخاذ كل مايلزم من أجل حماية المشروع الوطني ، بعيداً عن نصائح المرتجفين ؟........   

بقلم/ محمد السودي

كاتب سياسي