يبدو "حل الدولتين" هذه الأيام "وصفة" سياسية لا يتعامل معها الأطباء المكلفون معالجة الصراع الفلسطيني– الإسرائيلي. وبعيداً من تصريحات ومواقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب المتذبذبة يمكن أي متابع أن يرى بوضوح لا لبس فيه أن الخلل لا يقع في الموقف الدولي وحسب، ولكن أساسًا وبداية في الموقف الفلسطيني ومعه الموقف العربي. حل الدولتين شهد منذ توقيع اتفاق أوسلو تبديداً ممنهجاً لم تستطع منظمة التحرير الفلسطينية مواجهته بكفاءة، بل أكاد أقول إنها تبذل محاولات جدية لمواجهته. بدأت المسألة بالمماطلة الإسرائيلية في تنفيذ ما عليها تنفيذه، وتكررت المماطلة حتى حسمها رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق اسحق رابين بتصريحه الشهير: لا مواعيد مقدسة.
مهما تكن درجة اختلال موازين القوى بين المنظمة واسرائيل كان يتوجب على المنظمة أن تلجأ – على الأقل – لأضعف الإيمان، أعني التوقف عن الانسياق وراء الوهم بإصرارها غير المنطقي ولا المفهوم على التمسك باتفاق لا يطبق الطرف الآخر منه شيئاً، إلا ما تعلق ببند التنسيق الأمني المرذول والقبيح. حدث ذلك بالتوقف الإسرائيلي عن الانسحاب من مناطق جديدة بل ومواصلة انتهاك المدن التي سلمها للسلطة، وبالطبع حدث ولا يزال في استمرار العدوان الصارخ على الأرض الفلسطينية بالاستيطان المتواصل.
على مدى عقدين ويزيد بالغت السلطة الفلسطينية في ابداء حرصها على اتفاق أوسلو واشتراطاته المجانية عليها وراحت تتماهى معه كما لو أنه منتهى المطاف خصوصاً من خلال تهميش منظمة التحرير الفلسطينية كما من خلال ادارة الظهر لفلسطينيي الشتات.
تصعب اليوم رؤية المسافة الشاسعة بين السلطة وفلــســطينيــي الشــتات اــذين تكاد صورهم تغيب عـــن شاشة وعي القادة في الـــسلطة جعلت الموقف الفلســــطيــني أضعف وأقل فاعلية في المواجهة بل وأضعف حركة.
وفاعلية التضامن العربي والعالمي مع قضية الفلسطينيين وكفاحهم العادل من أجل حريتهم واستقلال دولتهم. نسعى ونطالب جميعاً بحوار فلسطيني واسع وجدي، لكننا لا نراه مجدياً من دون بذل جهود حقيقية لاستعادة ثقة الشعب الفلسطيني ذاته فلا يجوز لأحد أن ينتظر انفجار الوضع في مخيم عين الحلوة مثلاً ليحوز المخيم وأهله بشيء من اهتمام القادة في السلطة الفلسطينية.
تحتاج الحالة السياسية الفلسطينية أولاً وقبل أي شيء آخر الى اعتراف صريح وواضخ بالأزمة وتعــبيراتها الواقعية، كما بالـــترهل والخـــواء الذي تعيشه المؤسسات الفلسطينية بكل أشكالها وأنواعها والجاهزية لاستعادة دورها بالافساح لاعادة تأسيسها من جديد بعيداً من الشكلية التي تعيشها اليوم.
نقول ذلك من دون أن ننسى لحظة المعضلة الأكبر، أي الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة والذي تستمر معالجته باستخفاف من طرفي النزاع بــــما انعكس اغتراباً في التعامل مع قضايا قطاع غزة الى الحد الذي يجعل البعض يصف أي انتقاد لاسلوب السلطة في معالجة شؤون غزة وهمومها بأنه انحياز الى محمد دحلان. هذا التفسير الكاريكاتوري لا يجوز أن يكون متداولاً كما لا يجوز أن يخطر ببال مسؤول يتمتع بالحد الأدنى من الشعور بالمسؤولية الوطنية.
المواجهة الوطنية مع الاحتلال ومستوطنيه لن تكون حقيقية وفاعلة من دون مواجهة جدية مع أمراض الساحة الوطنية الفلسطينية التي باتت مزمنة بل وواضحة للعدو والصديق، والتي نؤكد أن لا مهرب من معالجتها اذا كنا معنيين حقاً بتحقيق تقدم في معركتنا الكبرى مع الاحتلال على طريق فرض الدولة المستقلة، ومن دون ذلك لا وجود لحل الدولتين.
راسم المدهون
* كاتب فلسطيني