"لا شك أننا نهنأ بحياتنا العامة هنا. أحلى طقس، وأحلى أكل، وأحلى بحر وأحلى... وهنا المشكلة. إلى جانبنا يعيش بضعة ملايين نحن مسؤولون عنهم. أوضاعهم في الحضيض، من البنى التحتية والطعام والصحة والتعليم. ملايين يعيشون تحت خط الفقر. غزة على شفا المجاعة. ساعات كاملة بلا كهرباء ولا ماء. إسرائيل تسيطر على كل ما يدخل ويخرج، كأنها تقول: إذ اختاروا حماس فليدفعوا الثمن... ما علاقتنا؟".
بهذه العبارات توّجه أساف هارئيل، مُخرج وممثل ومقدم برنامج تلفزيوني ("ليلة سعيدة" على القناة العاشرة)، في "المونولوغ" الأخير الذي قدمه قبل أيام إلى "الإسرائيليين الهانئين بحياتهم"، بأن يلتفتوا قليلاً إلى معاناة ملايين الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي. وهارئيل أحد الإعلاميين الإسرائيليين القلائل الذين يجرؤون على التغريد خارج سرب الصقور المنتشر بكثرة في السماء الإسرائيلية، متحملين تعقيبات عنيفة اللهجة تلامس تهديد حياتهم.
ويرفض هارئيل التحذير بأن الممارسات الإسرائيلية ستأتي بالفصل العنصري (الأبارتايد) لأنها أتت به منذ فترة، ويقول: "تضحكون علينا؟ الأبارتايد هنا منذ زمن، لكنه لا يضايقنا. سنوات كثيرة ونحن ننكّل بالفلسطينيين يومياً. نمنع عنهم حقوقاً أساسية. في الضفة الغربية نأخذ أراضيهم. كنا نجند الأموال لشراء الأراضي منهم، فيما يتم اليوم سن قانون يتيح لنا أخذ أراضيهم، وانتهى الأمر". ويضيف: "الجنود يطلقون النار على راشقي حجارة فلسطينيين لأنهم خطر فوري. أما عندنا فيرشقون الحجارة ولا يوجَّه اتهام لأحد. نعتقل صحافيين فلسطينيين إدارياً بلا محاكمة على ما كتبوه. وفي كل عيد عندنا نفرض عليهم حظر التجول كي لا يخربوا علينا لا سمح الله. منذ سنوات ونحن نعمّق الكراهية، ثم نشكو في المفاوضات أن الفلسطينيين يحرضون أطفالهم ضدنا".
وتابع: "نتجاهل ما يحصل لدى جيراننا الأقربين: شعب كامل غير قائم ومغيَّب في الأخبار. عندنا بلاد رائعة ولا نريد أن تحكوا لنا ماذا يحصل هناك. مع ذلك هناك صدّيقون يحكون لنا القصة الحاصلة هناك. عشرات المنظمات الحقوقية التي تحكي لنا ربما نستفيق. وماذا تتلقى من مقابل؟ تهمة اليسار المتطرف، ومنظمات غير شرعية. وأنا أقول لكم إن هذه المنظمات هي الهيئة الوحيدة الشرعية والصحية في إسرائيل. إنها تحاول إيقاظ مجتمع غارق في السبات وتبلد الحس. بعضها ساهم في أمن الدولة أكثر من أية مستوطنة. أما بنيامين نتانياهو ونفتالي بينيت فيصفانها باليسارية المتطرفة لأنها تقول الحقيقة عن الاحتلال وما يحصل. كلاهما يعرف أنه عندما يفيق الإسرائيليون ويكتشفون ما يحصل هناك لملايين الأبرياء، ويدركون أبعاد الاحتلال على الموازنة وعلى مجتمعنا واقتصادنا، في هذا اليوم سيتساءلون إذا كان جديراً مواصلة الاحتلال مقابل هذا الثمن".
وشدد هارئيل على أن اليمين يعمل جاهداً على إخفاء الحقيقة ومنع الناس من الاستماع والحديث عنها، "لكن ليعلموا أنه عدا تلك الفئة الشبعانة التي تهنأ من الأبارتايد يوجد شعب آخر، حتى إن لم نتحدث عنه ونعترف به وكأنه لا يوجد سوانا وسوى الله وأرض الميعاد".
وأنهى هارئيل حديثه بالتمني "أن نفيق قبل الحرب، لأننا في العادة نصحو بعد الحرب، كما حصل بعد حرب 1973 وبعد الانتفاضة الأولى... نتمنى أن ننجح مرة واحدة ونتوصل إلى اتفاق قبل الحرب، أو فليكن بعدها أو بعد التي بعدها... لكننا سنصحو في النهاية".
